مراحيل …الرحيل إلى الكهف في يوم غائم
|في ساحة “المركز الثقافي الجامعي حسين بوزيان” ،كانت مجموعة من الشباب المتحمّس للفنّ الملتزم ترفع عقيرتها بالغناء في انتظار السماح بدخول قاعة العرض… الوافدون ممّن لم يبالوا ببرودة الطقس ومغازلات المطر لأوراق الشجر وشعور الصبايا، وقفوا يصفقون ويتمايلون طربا أو حماسة فيما جعلت قطتان صغيرتان تلتفان حول السيقان وجذوع الشجر كأنهما تبحثان وسط تلك الحشود عن الدفء وبعض الموسيقى…
بدأت الصفوف تتحرك نحو مدخل قاعة العروض في عملية بدا أنها ستتواصل دهرا…وبعد كثير من التدافع والتلاكم والتذمّر أدركت الجموع أن تعطّل الوصول إلى قاعة العرض سببه وجود عناصر من الأمن يقومون بتفتيش الأمتعة تحسّبا لأي طارئ…
“تونس الفتاة” ممثلة في ثمانية من أعضائها اتخذت هي الأخرى لها مقعدا وسط الحضور لتشاهد مسرحية اليوم الأحد 24 نوفمبر 2013 في اطار فعاليات أيام قرطاج المسرحية… رفع الستار عن اللوح الخشبي فتبدّى لنا كهف أهل الكهف كما جسّدته مخيلة المخرج المسرحي “حافظ خليفة” في إخراج ركحي لنصّ “علي دبّ”… سبعة أشخاص ثامنهم كلبهم هم “مراحيل” القرن الحادي والعشرين يحتمون بكهفهم المظلم من جور الحاكم وانسداد أفق الثورة…
“مراحيل” اليوم يتحدّثون لهجة أهل الجنوب التونسي ويسائلون واقعهم محتمين بشرعية القصة التاريخية في عمل مسرحي تجريبي من إنتاج جمعية مهرجان عمر خلفت للمسرح بتطاوين… فالهروب من جور الحاكم إلى ظلمة الكهف ثم العودة اليه للسكن إلى السبات الأبدي ، هو محاولة محاكاة استسلام الشارع العربي عامة والتونسي خاصة إلى الصمت بعد رفعه عقيرته ذات شتاء بالهتافات الغاضبة والشعارات المزلزلة…
ما تثيره المسرحية من أسئلة يحمل من التناقض والحيرة قدر ما يحمله الواقع السياسي والاجتماعي من اضطراب وضبابية… فلا يكاد المشاهد يعي ما إذا كنا نحيا اليوم وسط الكهف بالفعل أم أنه علينا البحث عن واحد نستكين إلى ظلمته ؟
لا أحد في اعتقادي توصّل إلى إجابة عن تلك الأسئلة التي أوردها سبعة “مراحيل” هم ممثلون مختارون عن فئات معينة من المجتمع ففيهم الشيخ اقليد، الرجل الحكيم ، وكيداد، المعلم و المثقف وكاسوم، العامل ، ومايا، راعية الغنم البسيطة ودينا، الراهبة المتدينة وعيرام، تاجر المصوغ، وأخيرا ، فيراف ، العبد الأبكم…
وحدها تلك القطة السوداء خارج قاعة العرض كانت تبدو وكأنها اهتدت إلى اجابة فمضت تموء مواء الواثق وتتمرّغ على أرض حبلى بالحيرة عطّرها الرّذاذ…
بعض الأجوبة خلقت لكي لا تتلقّفها عين الإنسان في وطن يحجب عينيه بنظارات شمسية في يوم واعد بالمطر…