قراءة في مسرحية: دراما، عائشة و الشيطان
|بقلم: أنيس عكروتي
يوم الثلاثاء 15 أوت تزيّن المسرح الاثري بقرطاج ليستقبل ثلة من الممثلين والراقصين والتقنيين ويحتفي معهم بمسرحية ” دراما، عائشة والشيطان ” في عرضها الأول.
العمل من إخراج الممثل القدير محمد كوكة (الذي كانت له مشاركة تمثيلية في دور الشيطان) وتأليف الكاتب الصحفي المنصف بن مراد (في أول تجربة مسرحية) ومن أداء مجموعة محترمة من الممثلين مثل صلاح مصدق ووحيدة الدريدي ودليلة المفتاحي وفؤاد ليتيم وأميمة المحرزي ومحمد قريع… إلى جانب مجموعة من الراقصين بإشراف لطفي بوسدرة.
الحضور الاعلامي والجماهيري (شهد العرض حضور عدة ممثلين وفنانين ومثقفين عموما) كان محترما جدا وهذا يحسب لعمل مسرحي اعتبارا لعزوف التونسي نسبيا عن حضور هذه الاعمال.
عبرت بنا المسرحية زمنيا ومكانيا من عصور قديمة إلى الآن من خلال فضح ممارسات السلاطين والحكام الذي يستندون إلى مشروعية الهية لممارسة القتل والإجرام والدمار الشامل بحق كل من يعارضهم من فلاسفة ومفكرين ومبدعين وحتى من عامة الشعب ومن الشعوب الأخرى التي ترفض هذا الجور. عائشة (أميمة المحرزي) وهي فتاة حسناء أتت إلى القصر لتبحث عن أختها شجرة الدر ” دراما ” (في احالة لشخصية شجرة الدر التي ظهرت في مصر التي تولت عرش مصر سنة 1250). عائشة تصدت لرغبة السلطان ” تاتانيوس ” (فؤاد ليتيم) في معاشرتها فقام بمعاقبتها وهددها بالتعذيب والقتل. وكل الاعمال الإجرامية تتم بمباركة من أمه المتغطرسة (دليلة المفتاحي) وحاشيته من مفت شرعي ووزراء أبرزهم الوزير الأكبر ” مكيافيلو ” (صلاح مصدق) وقادة الجيش … كل من يشعرون أنه يهدد عرش السلطان (و بالتالي مصدر استرزاقهم) يقومون برميه بالزندقة والكفر ومعاداة الله ورسوله (كأن السلطان هو ممثل الله على الارض) وينفذون عليه القتل والتعذيب بعدة أساليب. وبخصوص التعذيب تمت الإشارة إلى الوسائل التي ظهرت في أمم ودول أخرى لإيصال رسالة مفادها أن الإرهاب ظهر في عدة أزمنة وأمكنة وفي عدة أشكال (من بينها حادثة هيروشيما وناغازاكي وفضيحة سجن أبو غريب وجرائم الأنظمة الاستعمارية …) بخصوص هذه النقطة، كان بإمكان فريق العمل أن يشتغل أكثر لتقديم مادة أكثر احترافية، فقد تم عرض صور لوسائل التعذيب (كما هي محمّلة من مواقع انترنت) دون القيام بلمسات تقنية إضافية لتحسين الجودة.
ماعدا ذلك، استمتع الجمهور بلوحات فرجوية وتوظيف مميز للإضاءة والديكور الذي تغير عدة مرات لخدمة المشهد فنيا، الشيء الذي مثّل نقطة من أهم نقاط قوة العرض (بما أنه العرض الاول ونظرا لكثرة المشاركين فإننا نتفهم بعض الارتباك خلال بعض اللوحات). الملابس كذلك كانت مختارة بعناية ومتناسقة مع الخلفية التاريخية للعمل. أما على مستوى النص فتقديم الشيطان كشخصية خيّرة (مقابل الانسان الذي تجاوز الشيطان في عمل الشرّ) يعدّ تجديدا وتوظيفا لعنصر المفاجأة والتشويق إلى حين انتهاء العرض. المشهد الأخير كان رسالة أمل للشعوب المنكوبة والمكتوية بنار الارهاب والتسلط وإحالة إلى إمكان خلاصها من هذا الغول. خلاله قامت عائشة بالقضاء على السلطان وحاشيته وبذلك دكت آخر مسمار في نعش مملكة الشر والدمار.
ختاما، تمّ الاشتغال على المسألة اللغوية بشكل احترافي واضح حيث جاءت اللغة سلسة بها في أكثر من مرّة تمازج طريف بين الفصحى والعامية التونسية لكسر الروتين وإضفاء أجواء مرحة تجاوب معها الجمهور رغم قتامة الصورة… في انتظار عروض أخرى لهذا العمل لدعم النجاح الاول وتلافي النقائص مستقبلا.