الجباية التونسية: صعودِ طبقاتٍ وأُفولِ أخرى
|بقلم: كوثر الردّادي
” العدالة هي الفضيلة الأولى للمؤسّسات السياسية، مثلما هي الحقيقة بالنسبة للأنظمة الفكريّة..”
جون راولز
تعدّ العدالة حلما لكلّ الشّعوب وتقف دونه النزاعات التي ترافق الطبيعة البشرية منذ نشوئها. ومع بروز مفهوم “الدولة” و”المجتمع” الحديثين أصبحت مسألة العدالة مطلبا شعبيا تُطَالَبُ الدول وحكوماتها بتحقيقه، وهو يُترجِم مدى قوّتها ونجاحها في تمكين مواطنيها من حقوقهم وحمايتها كالحق في العيش الكريم والصّحة والتّعليم… فإلى جانب المهام الاجتماعية والسياسية التي تضطلع بها الدولة، والمرتبطة بظهورها كجهاز تنظيمي، فإنّها مطالبة أيضا بتنظيم المالية المحلية وكل ما يمسّ حياة الأفراد ماديا وبحسن التصرّف وتوزيع تلك الثروة توزيعا عادلا.
أحيانا تدخل هذه الحقوق ضمن سردية المنشود وما يجب أن يكون ويتحقّق خلافا لما هو كائن عمليا في معاش الأفراد اليومي على غرار مسألة ” العدالة الجبائية”.
فكيف يمكن توصيف الأنظمة السياسية في حال حادت بوصلتها عن العدالة ؟
– هل ثمة عدالة جبائية في تونس أم أنها حلم يقظة ؟
– وما الّذي يعنيه غيابها إذا سلّمنا ضرورة بأهميّتها البالغة وتخصيصًا بالنسبة للّذين لا يملِكون رؤوس أموال تمكِّنُهم من التّمتُعِ بالامتيازات الجبائية ومزيد مراكمة الثروة ؟
مداخل نظرية لمفهوم العدالة
كان سؤال العدالة منطلقًا إشكاليًا في الفلسفة، خصوصا السياسية منها، كأحد أهم المقولات إثارة للنقاش في التفكير الفلسفي منذ نشأته. فبداية النصوص الفلسفية النسقية في تاريخ الفلسفة كان مع سؤال العدالة ذاته، حين طرحه أفلاطون بإسهابٍ عبر مختلف المحاورات السقراطية في كتاب الجمهورية[1]. إثر الحربين العالميتين برزت تيّارات فلسفية جديدة، كالفلسفة الوجوديّة والعلمية الإبستمولوجية، جعلتِ الاهتمام بإشكالية العدالة فكريا يقلّ وربمّا أطفأت نسبيا حماسة وشعلة النّقاشات حولها. ليعود الاهتمام بهذا المفهوم مع جون راولز سنة 1971 بطَرْحِه لـ ” نظرية العدالة ” مسترشدا بسؤال: “ما هو التصوّر الأخلاقي الأنسب للعدالة بالنسبة إلى أي مجتمع ديمقراطي ؟ ” وقد عمل راولز على تطوير هذا المفهوم وخَلْقِ تصوّر جديد استنادا إلى روسو في نظرية العقد الاجتماعي. وفقا لهذا التصوّر فإنّ العدالة تستدعي عموما أن تكون الخيرات الاجتماعية الأساسية- خيرات الحرية والفرص، والدخل الاجتماعي والثروة، وأسس احترام الذات- موزّعة بالتساوي بين جميع المواطنين، وهيكلة الفروق في الدّخل والثروة وفي المراتب الاجتماعية، بما يفضي إلى ضمان الحدّ الأقصى من الفائدة للأعضاء الأسوأ حالا في المجتمع[2]. فالعدالة سؤال فلسفيّ بالأساس أسّست له مدارس عديدة جعلته يتطوّر حسب السيرورة الاجتماعية وما عرفته وتعرفه المجتمعات من تحوّلات سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية في سياقات مختلفة، بالتالي يمكن تعريفها أفلاطونيا كفضيلة بمدلولها عن ” الحق” نقيضا ” للظّلم” أي كمعيار للحكم على الأفعال وتحديد مدى صحّتها أو كممارسة تترجمها القوانين والمؤسّسات.
في حقْلَيْ علم الاجتماع وعلم النفس، وقع طرح مسألة العدالة إبستمولوجيا بعيدا عن منطق الأخلاق الفلسفيّة، فبرزت بسيكولوجيّا فكرة العدالة التوزيعية إذ أنّ “الأفراد يحاولون أن يعظّموا ما يحصلون عليه من فُرصٍ وامتيازات ومن ثمّة فإنّ إدراكهم لصور عدم المساواة يسبب لهم إحساسا بالمشقّة النفسيّة “[3]. أمّا سوسيولوجيًّا فيتم توجيه النّظر صوب التدقيق في آليات تحقيق العدالة والحفاظ عليها، ومن ذلك النّصوص الوضعيّة أي القوانين، مثل تلك المنظِمة للجباية كأحد العناصر الاجتماعية التي تمس بدرجة أولى حياة الأفراد.
العدالة الجبائية
ظاهريا، قد تبدو المسألة الجبائية إشكالا ماليّا فحسب، لكنّها حقيقة تذهب إلى أبعد من ذلك إلى أن تكون منتجة لطبقات اجتماعية. فإلى جانب قضايا العدالة المتعلّقة بالمركز والهامش سواء على مستوى دولي (بلدان تمثل المركز وأخرى أطراف تابعة لها) أو محلّي (مناطق محرومة تقابلها مناطق محظوظة تنمويّا) للعدالة مقاربة أخرى طبقيّة بالأساس وتهمّ الشرائح الاجتماعية: الأكثر حظا والأقلّ حظّا. خصوصا إذا تعلّق الأمر بالحقوق والواجبات، كالواجب الجبائي أو أداء الضريبة.
لمحة تاريخيّة عن الجباية في تونس :
وُصِف النظام الجبائي التونسي بـ “المتحوّل” من خلال التشريعات الجبائية التي ما انْفكّت تتطوّر على مرّ التاريخ الحديث للبلاد: الفترة التي سبقت الاستعمار مباشرة وهي فترة حكم البايات، ثم فترة دخول الحماية 1881، تلتها فترة ما عرف بالدولة الوطنية أي بعد الحصول على الاستقلال، وانتهت بمرحلة الإصلاح الهيكلي لسنة 1986. وهي فترات مرتبطة أساسا بالتحوّلات السياسية للبلاد وتأّثّرها بالأحداث العالمية على غرار الحربين العالميتين وما بينهما وما لحقهما من تداعيات اقتصادية وسياسية أَوْضَحُها التقسيم الجيوسياسي للعالم. كانت الجباية مسلّطة خصوصا على الحلقات الاقتصادية والاجتماعية المتوسطة والضعيفة، وهو ما تبينه عدّة مصادر تاريخية تناولت بالدرس تلك الفترات من بينها الآتي:
” إلى حدود الثلاثينات من القرن الماضي كانت الموارد الجبائية في تونس متكوّنة بالأساس من الضرائب الفلاحية والعقارية خاصة “المجبى” و”العشر” وكان جمعها يقع عبر حملات عسكرية موسمية ذات صبغة قمعية تشارك فيها القبائل الحليفة للسلطة المركزية التي كان على رأسها الباي، وغالبا ما تكون هذه القبائل الحليفة معفاة من دفع الضرائب”[4]. وكما نعلم، ولّدت تلك الضرائب المجحفة مع الزيادة التي أقرّها الصادق باي أواخر سنة 1863 معتبرا أنّ ” العربان إذا كثر مالهم ساء حالهم وفي ثقل الجباية خضد لشوكتهم وكبح لهم على العصيان”[5]، إلى عصيان قبلي بالامتناع عن أداءها وإعلان التمرّد المعروف تاريخيا بثورة علي بن غذاهم.
بالإضافة إلى “ممارسة السلطة السياسية بصفة دورية لسياسة “التتريك” الشنيعة أي الحيلولة دون أية عملية تركيم للثروة في أوساط الحرفيين والتجّار (..) إلى جانب الاتفاقيات الجمركية المجحفة التي فرضتها الدول الأوروبية على بايات تونس”[6]. تواصل الضغط والتضييق على تلك الفئات بل وتعمّقت مأساتهم خلال فترة الاستعمار حيث “تضافرت جملة من العوامل حوّلت حياة أغلب صغار الحرفيين والتجّار وموسطيهم إلى تعاسة شديدة من بينها: ارتفاع الضرائب أو بروز ضرائب جديدة- الضرائب البلدية (les patentes)، الضريبة التعويضية على النقل (وهي ضريبة على أصحاب سيارات نقل الركاب والبضائع تذهب عائداتها إلى الشركة الفرنسية للسكك الحديديّة)، الضريبة على المعاملات[7]. حلم الاستقلال كان شاملا للتخلّص من كل رموز الاحتلال ومن بينها الضرائب المجحفة، وعلى الرغم من انقشاع ذلك الكابوس بفضل إجراءات التعديل والإلغاء التي انتهجتها دولة الاستقلال، فإنّ الاستقلال كما وصفه التيمومي ” لم يتحوّل إلى “الستّ قلال” (قرون الخصب الستّة) [8] بل تلته تحوّلات اقتصادية كان لها وقع اجتماعيّ حاد.
تمّ منذ أواخر الستينيات ومطلع السبعينيات الاعتماد على تجربة شبه ليبرالية بفتح المجال للقطاع الخاص وجعله المحرّك الأساسي للتنمية مع تمتيعه بامتيازات جبائية منها الإعفاء الضريبي (قانون الصناعات التصديرية في أفريل 1972). أدّى ذلك لتراجع دولة “الرعاية” أو الدولة الاجتماعية التي كانت بمثابة الكشّاف والقائد في عمليات التنمية والاستثمار ببعثها لعدّة مؤسسات عمومية كانت لها عائداتها المنمية جهويّا (مصنع الورق بالقصرين، الفولاذ ببنزرت،…) وقع التفويت في بعضها للقطاع الخاص، كل ذلك أدّى للتقليص في قيمة النفقات العمومية وبالتالي تراجع نسبة الدّعم خصوصا الموجّه لقطاعي التعليم والصحّة وهو أهم ما ورد ضمن نظام الإصلاح الهيكلي أواسط الثمانينات، الخاضع في مجمله لإملاءات صندوق النقد الدولي، وكان قاطرة لدخول الاقتصاد التونسي نفق الليبرالية المتوحشة ومنطق السوق (المنافسة الحرّة) الذي عزّز مكانة أصحاب رؤوس الأموال اجتماعيا (مراكمة الثروة ومزيد الربح والتمتّع بالامتيازات الجبائية ) ودفع بالمقابل إلى مزيد دحرجة الطبقة الوسطى والضعيفة في ظل الارتفاع المستمّر للأسعار وتجمّدِ الأجور.
تواصلت تداعيات السياسات المعتمدة في تلك الفترة، على غرار الإصلاح الجبائي الذي كان موجّها في مجمله للشركات، إلى زمننا الراهن. إذ تكاد تكون مماثلة لما نعيشه اليوم في سياق متّصل من فوارق اجتماعية يمكن وصفها بـ “الهوّة” الطبقيّة وكذلك المواطنيّة؛ وللتخصيص الواجب الجبائي باعتبار الواجبات أحد أهم مكوّنات المواطنة.
الجباية اليوم
تمثل العدالة مطلبا شعبيا وإن كان غير مصرّحٍ به علانية ضمن الشّعارات الثورية : “خبز، حرية، كرامة وطنية” غير أنّ تلك الشّعارات تكتنف ضمنيّا مطالبة بالعدالة والإنصاف والتوزيع العادل للثروات والحقوق. فكيف للخبز، في بعده التنموي، أو الحرية أو الكرامة أن تجد طريقها للأفراد في ظلّ اللا عدالة؟! ولبلوغ هذا المطلب لابدّ من توفير أسباب تحقُّقِه وأهمّها مبدأ الإنصاف الجبائي الذي من خلاله يمكن خلق ثروة وطنية مستخلصة من الأداء الضريبي تعود بالنّفع على المؤسّسات العمومية الحيوية كالمستشفيات والمدارس وبالتالي الخدمات التي تستفيد منها شرائح اجتماعية واسعة موزّعة بين طبقات متوسطة وما دونها (الطبقة الفقيرة ).
تُعرّف العدالة الجبائية (Justice Fiscale) على أنّها ” نظام متوازن للحقوق والواجبات، حيث يكون جمع الموارد منصفًا، شفافا وتصاعديّا. ومن خلاله يتمّ تمويل السياسات العامّة لتحسين مستوى عيش المواطنين والمواطنات، وتحقيق مستويات عالية من الإنصاف الاقتصادي والاجتماعي[9].
ينصّ الفصل 15 من دستور 2022 على أنّ : ” أداء الضرائب والتكاليف العامّة واجب على كل شخص على أساس العدل والإنصاف. وكل تهرّب ضريبي يعتبر جريمة في حق الدّولة والمجتمع “. إنّ الإخلال بهذا الواجب يعرِّض لعقوبات زجرية لذلك نجد مؤسسات صلب الدولة مثل إدارة الجباية مهمتها جمع الموارد الجبائية والتصدّي لظاهرة التهرّب الضريبي (Evasion Fiscale) بوصفه مجموع الأساليب المستعملة لتفادي دفع الضرائب كليّا أو جزئيّا دون مخالفة صريحة للقانون الجبائي[10]. ويمكن اعتبار الاقتطاع المباشر من الأجراء العملية الشفافة الوحيدة تقريبا في تسديد الجباية، في حين نجد مهنا حرة لا تلتزم بالأداء الضريبي على أرباحها التي ما تنفك تتضاعف دون أن يكون لها عائد على المجموعة الوطنية. فلئن تنصّ التشريعات المنظّمة للعملية الجبائية على ضرورة التصريح السنوي بالمداخيل بالنسبة للمهن الحرّة أو غيرها حتى في حال عدم تحقيق أرباح (حصيلة صفرية) إلّا أنّ الأرقام المسجلة سنة 2015 تفيد العكس، إذ نجد 60% من المحامين المرسمين لم يقوموا بالتصريح بمداخيلهم السنوية لسنة 2015 يليهم المهندسون المعماريون بنسبة 50% ثم الأطباء الذين يبدون أكثر التزاما لكن نسبة المصرّحين منهم تراجعت من 95% سنة 2012 إلى 75% سنة 2015 [11] (صدرت هذه الأرقام عن وزارة المالية والمعهد الوطني للإحصاء). عدّة مخالفات لا يأخذ الرّدع فيها مجراه إمّا بسبب التساهل والتهاون في تطبيق القانون أو التحايل عليه فيصبح طريق العدالة صعب الولوج بالشكل المتطلّع له اجتماعيّا.
كما أنّ الدولة لا تمارس سلطتها على القطاعات التي تدعمها أو تسمح لها بالبقاء كالبنوك والشركات الكبرى وفي ذلك ضرب للمنافسة الاقتصادية بالتضييق على الشركات الصغرى والمتوسّطة وخصوصا منها الناشئة مثل مؤسسات الاقتصاد الاجتماعي والتضامني كالتعاونيات، من خلال الشروط غير المتكافئة لكراسات الشروط من جهة ثم إرهاقها بالضرائب من جهة ثانية ( أنظر الامتيازات الجبائية لقانون الاستثمار 2017) التشجيعات والامتيازات المالية جلّها موجّهة للشركات دون أن يكون لها مساهمة جبائية. فقد خطّط قانون المالية لسنة 2022 لتحصيل 4.1 مليار دينار بالكاد من عائدات ضرائب الشركات، أي 11.7% فقط من إجمالي الإيرادات الضريبية وثلاث مرات اقل من ضريبة الدّخل[12].
الجباية دعامة أساسية لخزينة الدولة ويعد نقص الموارد الجبائية خطرا محدقا بالحكومات ويسقطها في التداين بالالتجاء للاقتراض. وينعكس ذلك بدوره على المواطنين، فيتمّ تركيز معظم الجهد الضريبي على الطبقات الوسطى والفقيرة بسن ضرائب إضافية ومجحفة مثل الضريبة على الاستهلاك والدخل. ونستدل على ذلك بقول ابن خلدون التالي: ” اعلم أن الدولة إذا ضاقت جبايتها وقصر الحاصل من جبايتها على الوفاء بحاجياتها ونفقاتها، تارة تُوضع المُكوسُ على بِياعاتِ الرّعايا وأسواقهم (…) وتارة بمقاسمة العُمّال والجباة وامتكاك عظامهم”[13]. وعلاوة على النقص المزعوم في الموارد الجبائية فإنّ الدولة تمتنع، بوعي أو دونه، عن الاعتراف بالاقتصاد غير المنظم (المتعارف عليه بالموازي) رغم احتلاله مكانة بارزة اجتماعيا في المشهد اليومي خصوصا بالمناطق الحدودية. فهو يضمّ عددا هامّا من النّشيطين، مثل مهرّبي المحروقات والسّلع بأنواعها، دون أن يكون لهم مساهمة في الخزينة العامة ولا نعلم حقيقة وحجم الأرباح المقدّرة لمنتسبيه الذين أصبحوا يؤثّثون طبقة جديدة آخذة في التشكّل والصعود يمكن تسميتها بـ “الأثرياء الجدد” مكّنت البعض منهم من الوصول إلى البرلمان ! بالمقابل، يعيش النشطون في قطاعات أخرى كالفلاحة والحرف تراجعا وحالة من الرّكود رغم التزامهم بأداء الواجب الجبائي. وهذا يدفع للتساؤل عن مدى تطابق قوانين الدولة، ومن بينها الخاصة باستخلاص الضريبة، مع النظم الاجتماعية؟
هذا ما قد يفسّر ربما رفض أو امتناع المواطن عن الأداء الجبائي، ذلك أنّ تنامي الواجبات في غياب الحقوق وبناء علاقة قائمة على تقديم الامتيازات الاقتصادية مقابل الولاءات السياسية إضافة إلى غياب العدالة الجبائية قاد المواطن إلى التهرّب من القيام بواجبه الجبائي لأن الضريبة أصبحت تعتبر بمثابة عملية سطو ونهب للمواطن لفائدة دولة ظالمة وفاسدة[14]، لذلك على القانون الجبائي أن يكون واحدا أي يطبّق على الجميع ليكون مؤكّدا وموثوقا به اجتماعيا فقد كان تحسين التحصيل الضريبي وإصلاح المنظومة الجبائية أحد أهم شروط صندوق النقد الدولي للموافقة على قرض أكتوبر 2022[15]. في الإطار ذاته يقول ابن خلدون: ” السلطان لا ينمّي ماله ولا يدرّ موجوده إلاّ الجباية وإدرارها إنّما يكون بالعدل في أهل الأموال فبذلك تنبسط آمالهم، وتنشرح صدورهم للأخذ في تثمير الأموال وتنميتها.. وأمّا غير ذلك فإنّما هو مضرّة عاجلة للرّعايا وفساد للجباية ونقص للعمارة “.[16]
خــــــــــاتمة
كأنّ بالطبقة الوسطى المتآكلة إلى جانب دائرة الفقراء التي ما انفكّت تتّسع هي اليد الأقصر التي تطالها الحكومة بسهولة، في حين تتعطّل عصاها عن الوصول لمخازن المتهرّبين ضريبيّا فتصيبها غشاوة رقابية دون أن تنسى نصيبها من “الغلّة” !
لابدّ إذا من بديل تنموي يدعم سياسة إعادة التوزيع وإنتاج الثروة عن طريق منهاج التعاون والتضامن ممّا يساهم في ضمان الحق الاقتصادي والاجتماعي وبالتالي دعم العدالة الاجتماعية دون تمييز جندري أو طبقي. ويكون ذلك عبر دعم أجهزة الرقابة الجبائية بإحداث قاعدة بيانات تربط المعلومات بين المصالح الحكومية لتحديد وحصر نسبة الفئات المتهرّبة ضريبيا.
الهوامش
- بوطرفة (أيمن)، سؤال العدالة في الفلسفة الراهنة، أطروحة دكتوراه في الفلسفة، كلية العلوم الاجتماعية جامعة وهران2، 2019-2020، ص2.
- فريمان (صموئيل)، اتّجاهات معاصرة في فلسفة العدالة (جون رولز نموذجا)، ترجمة فاضل جتكر، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، بيروت، الطبعة الأولى، 2015، ص14.
- مارشال (جوردن)، موسوعة علم الاجتماع، المجلّد الثاني، ترجمة محمد الجوهري وآخرون، المجلس الأعلى للثقافة، الطبعة الأولى، القاهرة، 2000، ص931.
- بدوي (عبد الجليل)، النظام الجبائي التونسي ودوره في قيام العدالة الاجتماعية، المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، 2014، ص4.
- ابن أبي الضياف، إتحاف أهل الزمان بأخبار ملوك تونس وعهد الأمان، الجزء 5، الدار العربية للكتاب، 2016، ص113.
- التيمومي(الهادي)، “صغار الكسبة في البلاد التونسية: الحرفيون والتجّار(العشرينات- ستينات ق20)”، ورد ضمن مؤلّف جماعي: المغيبون في تاريخ تونس الاجتماعي، المجمع التونسي للآداب والفنون بيت الحكمة، 1999، ص454.
- المرجع نفسه، ص470 و471.
- المرجع السابق، ص479.
- قاموس المصطلحات، مرصد ميزانية budget .marsad.tn
- المرجع نفسه.
- مالك الخضراوي ومنية بن حمادي، “المهن الحرّة: التهرّب الجبائي في أرقام“، موقع إنكفاضة Inkyfada .com ، 23 نوفمبر 2016.
- Amine Bouzaiene, La justice fiscale, un enjeu de survie à la portée de la Tunisie, Al Bawsala,2022, p4.
- عبد الرحمان بن خلدون، المقدمة، الطبعة الثامنة، دار الكتب العلمية، بيروت، 2003، ص219.
- عبد الجليل البدوي، ذكر سابقا، ص45.
- ” إيمان الحامدي، حكومة تونس تعود إلى ضريبة الثروة: صعوبات في التطبيق”، العربي الجديد، 10 نوفمبر 2022.
- نفس المصدر، ص221.
نشر هذا المقال في مجلّة حروف حرّة، العدد 31، أكتوبر 2023.
للاطّلاع على كامل العدد وتحميله: http://tiny.cc/hourouf31