ورود الصغيرة إيدا. قصّة لهانز كريستيان أندرسون
|ترجمة: رجاء عمّار
قالت الصغيرة إيدا:
– “لقد ذبلت ورودي المسكينة، ما فتئت محافظة على رونقها حتى البارحة مساء، ما الذي ألمّ بها يا ترى؟”
وجهت هذا الاستفهام لطالب العلم الجالس حذوها على الأريكة، هي تكنّ له محبة جمّة، لأنه يجيد سرد الحكايات الأكثر سحرا، ويحسن القصّ واللصق لتشكيل الصور الأشدّ ظرفا مثل القلوب التي يجعلها آهلة بنساء يرقصن، والورود والقصور الشامخة التي يمكن فتح بابها…كم هو مرح!
تساءلت إيدا مرّة ثانية، وهي تعرض عليه باقة جفّت بالكامل:
– “لماذا تبدو ورودي، اليوم، بهذا المظهر الحزين جدّا؟”
أجاب الطالب:
– “سأخبرك ماذا أصابها، لقد سهرت في حفلة رقص، وهو ما يفسّر انحناء رؤوسها بهذا الشكل!”
اعترضت الصغيرة إيدا:
– “…لكنّ الورود لا تحسن الرقص! “
– “إنها تتقن ذلك فعلا، حين يخيّم الظلام وننام، تقفز لتمنح قلبها ما يحتاجه من متعة، إنّها تقوم بذلك كل ليلة تقريبا”
– “ألا يستطيع الأطفال الذهاب لحضور حفلها الراقص؟”
– “بلى، ذلك ممكن للأطفال الذين يزورون الحدائق، فهم مثل الأقاحي وزنابق الوادي الصغيرة”
– “أين ترقص الورود الجميلة؟”
– “ألم يسبق وغادرت المدينة، لتتنزّهي حذو القصر المنيف الذي يقطنه الملك صيفا، وأين توجد حديقة بديعة ملأى ورودا؟ ألم تبصري البجع الذي يسبح نحوك حين تلقين إليه فتات الخبز؟ صدقيني، في ذلك المكان تقام حفلات الرقص الكبرى!”
– “لقد ذهبت مع أمّي إلى الحديقة، لقد تجرّدت الأغصان من أوراقها ولا أثر لوردة واحدة، رغم أنّي لطالما تأمّلتها صيفا، أين عساها رحلت؟”
– “إنّها داخل القصر، حين يعود الملك وحاشيته إلى المدينة، تغادر الورود سريعا الحديقة، تدخل القصر وتعيش حياة رغدة! آه! لو تشاهدين ذلك: أجمل زهرتين تتصدّران العرش كملك وملكة، تصطفّ شقائق النعمان على الجهتين وتنحني إجلالا لهما، إنّها ضابطة المملكة، بعدها تأتي بقيّة الورود ويُقام الحفل، يراقص البنفسج الأزرق – الذي يحتلّ رتبة تلاميذ البحريّة- الخزامى والزعفران التي تلقّب بالآنسات، التوليب والزنبقات الكبيرة الحمراء هي السيدات المسنّات المكلّفات بمراقبة حركات الرقص حتّى تحافظ على الانسجام وتسهر كي تجري الأمور على أحسن ما يرام!”
استدركت الصغيرة إيدا:
– “ألا يعاقب أحد الورود لأنّها ترقص في قصر الملك؟”
– “لا أحد يعلم بأمرها تقريبا، صحيح، أنّ المشرف يأتي أحيانا، أثناء الليل، ليقوم بجولته، وهو يملك سلسلة مفاتيح ضخمة وبمجرّد أن تنصت الورود إلى الصليل، تلزم الهدوء وتختبئ وراء الستائر الطويلة، ولا يظهر منها سوى الرأس، فيقول المشرف العجوز:” أشعر أن هناك ورودا في هذا المكان”، لكنّه، يعجز عن رؤيتها!”
علّقت الصغيرة إيدا وهي تصفّق:
– “هذا بديع! ألا أستطيع رؤية الورود وهي ترقص؟”
– “قد يكون ذلك ممكنا، حين تعودين إلى حديقة الملك، أطلّي عبر النافذة وسترينها، لقد قمت بذلك اليوم، أبصرت زنبقة صفراء ممشوقة ممدّدة على الأريكة، إنّها سيدة البلاط!”
– “هل تذهب ورود حديقة النباتات إلى هناك أيضا؟ كيف تستطيع تحمّل مشقّة الطريق الطويل؟”
– “هي قادرة على الطيران إذا أرادت، ألم تلحظي الفراشات الجميلة الحمراء والصفراء والبيضاء؟ ألا تشبه إلى درجة التماثل الورود.. ذلك أنّ هذه الفراشات لم تكن في البداية إلّا ورودا غادرت فننها وارتفعت في الجوّ، وحرّكت أوراقها كأجنحة صغيرة وانطلقت محلّقة، ولأنّها حسنة السلوك، سُمح لها بالطيران طيلة اليوم، ولم تعد بحاجة للبقاء مشدودة لسوقها، وبهذه الطريقة، تتحوّل الأوراق أجنحة حقيقيّة، وأنت عاينت ذلك بنفسك! من المحتمل أنّ ورود حديقة النباتات لم تذهب أبدا إلى حديقة الملك، وتجهل أنّه يتم إقامة الليالي الملاح البهيجة، لذلك أودّ أن أوصيك، حين تذهبين إلى الحديقة، أعلمي وردة أنّ هناك حفلا كبيرا في القصر، وهي ستتكفّل بنقل الخبر للأخريات وستطير! هل يمكنك تخيّل عيني جارنا عالم النباتات وهو يحملق بدهشة، حين يتفقّد حديقته ولا يجد فيها أيّ وردة دون القدرة على فهم ماذا حصل؟”
– “كيف يمكن لوردة أن تخبر الأخريات؟ الورود لا تحسن الكلام!”
– “هذا صحيح، غير أنها تجيد التمثيل الإيمائي، ألم تريْ في معظم الأحيان، عندما تهبّ الريح، تميل الورود وتقوم بإشارات برأسها؟ ألم تلحظي أنّ جميع الأوراق الخضراء تهتزّ؟ هذه الحركات واضحة ومفهومة بينها مثل الكلام بالنسبة لنا!”
استفهمت إيدا:
– “هل يفقه الباحث في علم النبات لغتها؟”
– “نعم، بالتأكيد، في أحد الأيّام، بينما هو في الحديقة، لمح نبتة قرّاص كبيرة تشير بأوراقها لقرنفل أحمر بارع الحسن وتبوح له: “كم أنت جميل! كم أحبك! “، فغضب العالم، وضرب الأوراق التي تمثّل أصابع نبتة القرّاص، فوخزته. منذ ذلك الحين، عندما يتذكّر صنيعها، لا يجرأ على لمس أيّ واحدة منها! “
هتفت الصغيرة إيدا: “هذا طريف!”، وعلت ضحكتها الرنّانة.
دخل مستشار عبوس للقيام بزيارة، وجلس بدوره على الأريكة، وأنصت للحوار، ليستنكر:
– “كيف يمكن حشو رأس طفلة بأفكار شبيهة؟”
لم يرق له طالب العلم، ولم يكفّ عن الهمهمة، حين رآه يفصّل صوره الصغيرة المضحكة والمسلّية، شكّل في البداية رجلا معلّقا على مشنقة ويمسك بكفّه قلبا مجنّحا، وبعدها، أبدع ساحرة عجوزا تمتطي صهوة مكنستها وتخبّ حاملة زوجها على أنفها.
لم يقدر المستشار على تحمّل هذه المزحة، وكرّر قولته الأولى: “كيف يمكن عرض أفكار شبيهة وتخزينها في ذهن طفلة؟ إنّه خيال يرشح غباء! “.
في المقابل، تعتبر الصغيرة” إيدا” كل ما يرويه الطالب فاتنا لا مثيل له، ويشغل حيّزا كبيرا من تفكيرها. الورود تطأطئ رؤوسها لأنّها مرهقة بسبب الرقص طيلة الليل، لا ريب أنّها مريضة، فحملتها قرب ألعابها المصفوفة على الطاولة الصغيرة الجميلة ذات الدرج المملوء بالأشياء الأخّاذة.
وجدت دميتها صوفي مضطجعة نائمة، لكن الصغيرة قالت لها: “يجب عليك النهوض وسأؤويك الدرج، الورود المسكينة مريضة وهي بحاجة إلى الاستلقاء على سريرك، قد يشفيها ذلك!”، وحملت الدمية التي ارتسمت على محيّاها علامات الضيق، ولم تنبس ببنت شفة من شدّة غضبها لأنّها لا تستطيع البقاء في فراشها.
وضعت إيدا الورود على سرير صوفي، وغطّتها جيّدا باللحاف الصغير وطلبت منها بلطف أن تنعم بالهدوء، في الأثناء، ستعدّ لها شايا لتتفتّح مجدّدا وتنهض غدا صباحا معافاة، بعدها أسدلت الستائر المحيطة بالسرير الصغير كي لا تزعجها أشعّة الشمس.
طيلة السهرة، لم تقدر إيدا على التوقّف عن التفكير فيما حدّثها به الطالب. حين حلّت ساعة النوم، توجّهت أوّلا نحو ستائر الشبابيك، ورفعتها لتكلّم بصوت خفيض زهور المرغريت والتوليب التي تصفّها أمّها على الشرفة:
– “أعلم أنّك ستذهبين إلى الحفل هذه الليلة!”
تظاهرت الورود أنّها لم تفهم شيئا، ولم تحرّك أيّ ورقة، وهو ما لم يقدر على بثّ الشكّ في روح إيدا بل ازدادت يقينا بما أحيطت به علما. حين أوت إلى سريرها، فكّرت في المتعة التي ستحظى بها عند رؤية الورود وهي ترقص في قصر الملك، وتساءلت: “هل ذهبت ورودي يا ترى؟”، ثم غلبها النعاس ونامت، لتستفيق، بعد منتصف الليل، وقد حلمت بالورود وبطالب العلم والمستشار الذي أنّبه.
الصمت يعم المكان في غرفة إيدا والقنديل على الطاولة يستمرّ في الإنارة والأب والأم نائمان.
حدّثت إيدا نفسها:
– “أتوق إلى التثبّت.. هل ورودي ما زالت مستلقية على سرير صوفي؟ نعم أريد معرفة ذلك!”
عدّلت جلستها ورنت نحو الباب الموارب وأرهفت السمع، وبدا لها أنّها تصغي إلى عزف على البيانو متأتّ من قاعة الجلوس، تنساب الأنغام بلطف ورقّة لم يسبق لها الإصغاء إلى مثيل لها.
– “إنّها الورود لا ريب دشّنت حفلتها! آه! يا إلهي! كم أتلهّف لرؤيتها!”
لم تملك الشجاعة كي تنهض خشية تنبّه والديها من غفوتهما، وأملت أن تدخل الورود إلى حجرتها، لكنّها، لم تدلف واستمرّت أنغام الموسيقى تتهادى بعذوبة.
لم تستطع إيدا كبح جماح رغبتها، غادرت فراشها ومشت على أطراف أصابع قدميها نحو الباب لرؤية ما يحصل في القاعة، آه! كم بديع ما رأته!
لا يوجد قنديل، ذاك صحيح، غير أنّ المشهد يتمتّع بإنارة جيّدة منحها القمر الذي عبر ضوؤه النافذة إلى القاعة، وهو ما يجعل الرؤية جلية مثلما هو الحال في وضح النهار.
وقفت كلّ ورود المرغريت والتوليب في صفّين طويلين ولم تبق أيّ واحدة على الشرفة فكلّ الأصص فارغة. انهمكت في الرقص مع بعضها البعض بشكل آسر وتتفنّن في تنويع الوضعيّات وتمسك بأوراقها الخضراء لتشكّل حلقة كبيرة.
على كرسيّ البيانو، جلست زنبقة صفراء هيفاء تعرّفت عليها إيدا في الصائفة، لأنّها تذكر جيّدا أن الطالب قال “انظري، كم تشبه هذه الزنبقة الآنسة “كارولين”، سخر منه الجميع، لكنّ الصغيرة إيدا أكّدت أنّ الوردة الكبيرة الصفراء تماثل بطريقة مثيرة للعجب هذه الآنسة، إذ يتشاركان نفس طريقة لمس مفاتيح البيانو، وتميل كلّ منهما وجهها بلون بشرته الأصفر حينا لهذه الجهة وحينا للجهة الأخرى، وتعدّلان الوزن برأسيهما أيضا.
لم يلحظ أحد وجود الصغيرة إيدا التي لمحت بعد ذلك الزعفران الأزرق يثب فوق الطاولة أين توجد ألعابها، ورفع الستار المسدل على سرير الدمية أين استلقت الورود المريضة التي استفاقت على الفور، وعبّرت بإيماءة بالرأس أنها ترغب بدورها في الرقص، ما حدا بالمزهريّة، التي تتّخذ شكل رجل طيب فقد شفته السفلى، الثناء على الإرادة القويّة التي تتحلّى بها الوردات الجميلة إذ استعادت مظهرها الجذّاب والتحقت بالبقيّة وأظهرت سعادة عارمة.
فجأة، تدحرج شيء ما على الطاولة وسقط، نظرت إيدا، إنّها نبتة عصا الذهب التي وقعت أرضا، يبدو أنّها أيضا تريد أن تسجّل حضورها في حفلة الورود، تربّعت على صولجانها دمية من الشمع لديها قبّعة كبيرة عريضة متطابقة مع تلك التي يعتمرها المستشار.
تقافزت نبتة العصا الذهبية بين الورود متوكّئة على عكاكيزها الثلاثة، وأخذت في توقيع الوزن بقوّة وترقص على موسيقى المازوركا وهي الوحيدة القادرة على ذلك، فبقيّة الورود خفيفة جدا وتعجز عن إصدار تلك الضجّة بسوقها.
على حين غرّة، تمدّدت الدمية المشدودة للصولجان وكبُرت، استدارت نحو الورود وصاحت بأعلى صوتها:
– “كيف يمكن حشو عقل طفلة بسرد حكايات شبيهة! هذا تخييل أحمق!”
غدت دمية الشمع شبيهة بصورة لافتة للمستشار بقبّعته العريضة، لها نفس لون البشرة الممتقع وذات المزاج المعكّر دائما، لكن سوقها الطويلة الهشّة لم تسمح لها بالاستمرار في تعجّبها: ضربتها الورود بقسوة، تقلّصت فجأة وعادت دمية صغيرة.
كم هذا طريف! لم تتمالك الصغيرة إيدا نفسها وضحكت.
واصلت عصا الذهب الرقص، ووجد المستشار نفسه ملزما على المسايرة رغم مقاومته، فهو حينا يكبر ويغدو ضخما وطويلا، وكرّة أخرى يعود إلى حجم الدمية الصغيرة بقبّعتها الكبيرة السوداء، لكن في النهاية شفعت له الورود، خاصّة تلك التي غادرت فراش الدمية صوفي، وظلّت عصا الذهب هادئة تصغي إلى مرافعاتها.
سُمع طرق عنيف يصدر من درج الطاولة أين خبّأت إيدا ألعابها الأخرى، جرى الرجل – المزهريّة التي يعبق منها الشذى حتّى بلغ حافّة الطاولة، انبطح على بطنه ونجح في فتح الدرج قليلا، اعتدلت صوفي في جلستها ونظرت حولها مدهوشة، لتعلّق:”هناك حفل إذن؟ لماذا لم يخبرني أحد بذلك؟”، اقترح عليها الرجل المضمّخ بالعطور مشاركته الرقص، غير أنها ردّت ساخرة: “وهذا أيضا يحسب نفسه راقصا “!، وأولته ظهرها.
جلست بعد ذلك على الدرج وخمّنت أن إحدى الورود ستأتي لدعوتها، لكن أيّا منها لم تتقدّم نحوها. تعمّدت السعال وهمهمت: “همم..هممم”، دون جدوى، في حين، انغمس الرجل-المزهرية في الرقص متغافلا عنها.
عندما لم تبد أيّ وردة اهتماما، أوقعت صوفي نفسها عمدا من الدرج لتسقط على الأرضيّة محدثة جلبة. هرعت جميع الورود نحوها، وسألتها هل أصابها مكروه وعاملتها بمودّة، خاصّة تلك التي استلقت على سريرها، وشكرتها على الفراش المريح، حين تيّقنت أنهّا لم تتأذّ، قادتها وسط القاعة أين ينير القمر، وانطلقت في الرقص معها، وشكّلت بقيّة الورود حلقة للفرجة عليها. أكّدت لها صوفي، وهي في أوج سعادتها، إمكانيّة الحلول مكانها دائما والاسترخاء على السرير مصرّحة أنّ النوم في الدرج لا يزعجها.
أجابتها الورود:
– “نحن نشكرك على عرضك، ونكنّ لك المحبّة والاحترام، بيد أنّنا لا نستطيع العيش طويلا، سنذبل غدا، لكن، بلّغي الصغيرة إيدا أن توارينا في نفس المكان من الحديقة الذي دفنت فيه طائر الكناري الصغير، سنُبعث مجدّدا في الصيف، وسنعود إلى الحياة أكثر بهاء”!
ردّت صوفي وهي تقبّل الورود:
– “لا! لا يجب أن تستسلمي للفناء!”
في ذات الآن، فُتح باب القاعة الكبير ودلفت حشود من الورود البديعة وهي ترقص، لا ريب أنّها ورود قصر الملك جميعها. في المقدّمة، تمشي زهرتان باهرتا الحسن يكلّل رأسيهما تاجان من الذهب، إنّهما الملك والملكة، يليهما القرنفل الأشدّ فتنة ملقيا التحيّة، مصحوبة بفرقة موسيقيّة مكوّنة من ورود الخشخاش الكبيرة التي تنفخ بقوّة في قرون الفاصولياء حتى تشرّبت بشرتها بحمرة قرمزيّة، تصدر الخزامى الزرقاء وزهرات اللبن الثلجية رنينا كما لو أنّها تحمل أجراسا حقيقيّة..إنّها موسيقى لافتة حقا!
انضمّت الورود إلى المجموعة الجديدة، ويمكن رؤية البنفسج يرافق القطيفة، ويعانق الأقحوان المرغريت، يقبّل بعضها البعض، يا له من عرض آسر!
بعدها، تمنّت الورود ليلة هنيئة، وعادت الصغيرة إيدا إلى فراشها وحلمت بكلّ ما رأته.
في الغد، منذ استفاقت جرت نحو الطاولة الصغيرة لترى هل ما زالت الورود موجودة هناك، أشرعت ستائر السرير الصغير، ألفتها جميعها ولكن أكثر جفافا من الأمس، و”صوفي” مستلقية في الدرج أين وضعتها وتبدو أنّها تنعمت بنوم عميق، سألتها الصغيرة إيدا:
– “هل تذكرين ما عليك إخباري به؟”
لكن، حافظت صوفي على ملامحها المبهوتة، ولم تجب بأيّ كلمة.
أضافت إيدا:
– “أنت لست طيّبة، رغم أنّ جميع الورود رقصت معك!”
أخذت الطفلة علبة ورقية موشّاة برسوم عصافير مليحة، ووضعت داخلها الورود الذابلة وهي تحادثها: “هذا هو نعشك الصغير الأنيق، حين يأتي ابنا خالي لزيارتي سيساعدانني على مواراتك في الحديقة كي تبعثي صيفا، ستعودين إلى الحياة أكثر جمالا!”
ابنا خال الصغيرة طفلان مرحان، أحدهما يدعى جوناس والآخر أدولف، منحهما أبوهما قوسين جلباهما معهما كي يعرضانهما على إيدا.
حكت لهما الطفلة حكاية الورود المسكينة التي ذبلت، ودعتهما لمواراتها. مشى الولدان في المقدّمة يحملان نشّابتيهما على كتفيهما، تبعتهما الصغيرة إيدا حاملةً الورود الذابلة داخل تابوتها. حفروا رمسا صغيرا في الحديقة، وضعت فيه الصغيرة العلبة بعد أن منحت الورود القبلة الأخيرة. سدّد الطفلان سهمين نحو السماء لإتمام مراسم التوديع.
نُشر هذا المقال في مجلّة حروف حرّة، العدد 25، أفريل 2023.
للاطّلاع على كامل العدد وتحميله: http://tiny.cc/hourouf25