خطاب تنصيب الرئيس رشاد العليمي والأولويّات الثلاث في اليمن: السّيادة، الشّعب، والمعيشة

بقلم: عبد الله باخريصة

مرّت اليمن بوضع عانت ومازالت تعاني فيه ويلات الحرب والتشظّيّات السياسيّة والأيديولوجيّة والعسكريّة، مضى على ذلك أكثر من (7) سنوات، حتّى حلّ يوم السّابع من شهر أفريل الماضي 2022، الذي دخلت فيه اليمن حقبة رئاسية جديدة، إذ سلّم فيها الرئيس اليمني السّابق عبد ربه منصور هادي السلطة سلميًّا لمجلس رئاسي سمّي بـ “مجلس القيادة الرئاسي”، بعد مشاورات في العاصمة السعودية الرياض وبرعاية خليجيّة. ويتكوّن المجلس من (7) أفراد “نواب”، يرأسه الدكتور رشاد العليمي “العضو الثامن” في المجلس. ويمثّل مجلس القيادة الرئاسي أعضاءً من مختلف التوجّهات والقوى الأيديولوجيّة، وعلى إثر ذلك ألقى الرئيس العليمي خطابًا بمناسبة التنصيب.

 

1 – الإشكاليّة:

تتمثّل إشكاليّتنا في معرفة ما إذا كان لخطاب الرئيس اليمني الجديد رشاد العليمي دور في توحيد الشعب اليمني وقواته العسكريّة لإعادة فرض السيادة الوطنية وتحسين مستوى المعيشة لدى المواطن؟

 

2 – مصطلحات أساسيّة:

1 – 2: السّيادة:

يرتبط مصطلح السّيادة على رأي أغلب الباحثين بالمفكر الفرنسي “جان بودان”، الذي تضمّن كتابه “الكتب الستة للجمهوريّة” الصادر عام 1577 نظريّة السّيادة. “وهو أوّل من أوضح معنى كلمة السِّيادة بقوله: “إنّ الدولة إنّما هي حقّ الحكم على الأسر فيها، وحق إدارة شؤونها المشتركة بينها وذلك على أساس السّلطان السّيد” (طلال العيسى، 2010، 40).

2 – 2: الشّعب:

يحمل مصطلح “الشعب” شقين، اجتماعي وسياسي، فالاجتماعيّ: “مجموعة من الأفراد الذين يعيشون على إقليم الدولة والذين ينتسبون إليها عن طريق التمتّع بجنسيتها ويطلق على هؤلاء بالمواطنين إذا كانوا يعيشون في دولتهم، أو رعايا إذا كانوا يعيشون خارجها. والسّياسيّ: كلّ من ينتمي إلى شعب ما برابطة الجنسية يتمتّع بمجموعة من الحقوق السياسيّة منها على سبيل المثال وليس الحصر: حقّ الانتخاب وحقّ الترشيح – طالما توافرت الشروط القانونيّة اللازمة لذلك – وحقّ حرّيّة الرأي والتعبير، والحقّ في تولي الوظائف العامّة” (معمر خولي، 2015).

3 – 2: المعيشة:

“المعيشة” أو “المستوى المعيشي”، هي لفظة واسعة ليس لها تعريف محدّد وواضح إلى اليوم، ولكن هناك محاولات لتعريفها. “وأكثرها قبولًا ما أورده “هوارد ومانجوسHoward R. Cottam and A R. Mangus 1992” عن تعريف “فيثم. وليامز. Faith M. Williams” والذي يعرف المستوى المعيشي بأنّه: النموذج أو المعيار الاستهلاكي الذي يمكن وصفه على أساس سلع وخدمات ذات مواصفات كميّة ونوعيّة معيّنة. وذكر الباحثان أنّ أكثر التعريفات شمولًا هو تعريف “كارل كزيميرمان. Carle C. Zimmerman” الذي يعرف المستوى المعيشي بأنّه: نوع من السلوك يعبّر على نحو كافٍ عن القيم المهيمنة الموجودة في الطريقة المعيشية، وهو مجموع السلوك الفرديّ والجماعيّ الذي يتكامل بغرض إشباع الحاجات” (عز الدين، 2013، 13).

 

3 – خطاب الرئيس العليمي وسياقاته:

1 – 3: الرئيس العليمي والسّيادة:

لم ترد كلمة “السّيادة” بلفظها الصريح في خطاب الرئيس العليمي سوى مرّة واحدة فقط، في قوله: “… وتعزيز دورها في حماية الوطن وسيادته”، وذلك بعد أن وجّه حديثه إلى أبناء الشّعب اليمني الذي وصفه بـ “العظيم”. وتمحور مضمون الفقرة التي وردت فيها عبارة “السّيادة” صريحة حول الحديث عن المؤسّسة العسكريّة والأمنيّة، كونها من أهمّ ركائز الاستقرار حسب قوله، مشيرًا إلى أنّ مهمّته كرئيس ومهمّة مجلس القيادة الرئاسي تتمثّل في الحفاظ عليها.

وعندما نأتي إلى أبعاد الخطاب وأبعاد مفاهيمه ومقاصد بعض عباراته، نجد عددًا من الجمل التي تؤكد المطالبة باستعادة “السيادة” دون ذكر المصطلح صريحًا، سواء بمساعدة داخليّة أو خارجيّة، ومثل ذلك قوله: “إنهاء الانقلاب والحرب واستعادة الدولة والسّلام والاستقرار”.

في المثال السابق وغيره تكرّرت لفظة “استعادة الدولة” (5) مرّات في أوساط خطاب الرئيس العليمي، وهذه العبارات لو دققنا في مضامينها لوجدنا بأنّ لها بُعدًا سياسيًا واضحًا من سياقه، وهو المطالبة ضمنيًّا باستعادة “سيادة الدولة”، وهذا البُعد يدلّ على اعتراف الرئيس العليمي بانتفاء السّيادة على كامل تراب الوطن اليمني حاليًا، فمطالبة استعادة الدولة المتكرّر في الخطاب يعني أنّه لا دولة، وليست للرئيس أو مجلس القيادة الرئاسي يد على حكم كافة الأراضي اليمنية.

وتشير بعض العبارات إلى تأكيد الرئيس العليمي بأنّ سيادة الدولة منتفية، تمامًا كما في قوله: “ومنذ سريان الهدنة وصلت إلى ميناء الحديدة سبع سفن تصل رسومها الجمركيّة والضريبيّة إلى حوالي 26 مليار رِيال، ويصل إجمالي رسوم السفن الـ 18 المتفق عليها في خطة الهدنة المقرّة إلى حوالي 90 مليار رِيال”. إذ يتّضح من المثال أنّ الرئيس العليمي أو مجلس القيادة الرئاسي أو الحكومة اليمنية، ليست لديهم “سيادة” أو سيطرة على كلّ تلك الإيرادات الداخلة عبر الأراضي اليمنية التي تسيطر عليها جماعة الحوثي، وهنا وفي خطابه ظهر الرئيس بمثابة “المطالب” وليس “الآمر الناهي” لجماعة تحتلّ مساحة أرضية تنتمي إلى الجغرافيا اليمنية ولكن تحت حكم عائلي.

ويمكن إيعاز استخدام الرئيس العليمي لعبارة “استعادة الدولة” أكثر منها لفظة “السيادة” بشكلها الصريح، وكأنّه يريد إيصال رسالة إلى أعضاء مجلس القيادة الرئاسي والشّعب اليمني خصوصًا، كونهم يختلفون من حيث الانتماء الحزبي والقبلي والأيديولوجي، سيما وأن بعض من ينتمون إلى مجلس القيادة الرئاسي يطالبون بإعادة اليمن كاملًا إلى دولتين كما قبل الوحدة 1990، فتكرار الرئيس لعبارة “استعادة الدولة” يعطي تنويهًا لكلّ المسؤولين والشّعب بأنّ المرحلة الحالية هي مرحلة توحيد جهود وليس تفرقة، وأن الخطوة الحالية تتركّز أساسًا على استعادة الدولة بكافة أراضيها إلى حضن الحكومة الشرعيّة المعترف بها دوليًا، خاصّة الأراضي التي تسيطر عليها جماعة الحوثي، فلا يمكن الحديث حاليًا عن “السيادة” بلفظها الصريح وتكرارها في الخطابات دون وجود دولة موحدة أساسًا، تعود أسس حكمها إلى رئيس شرعيّ واحد، وحكومة واحدة، وبرلمان واحد، وهذا التوجّه هو التوجّه الأساسيّ الحاليّ المعلن لدول التحالف العربي الداعمة لمجلس القيادة الرئاسي اليمني.

2 – 3: الرئيس العليمي والشّعبويّة:

إنّ مصطلح “الشعب” في خطاب الرئيس العليمي قد ورد على أكثر من شكل وتكرّر على أكثر من نحو، فمصطلح “الشّعب” بعموميته قد تكرّر بشكل واسع في خطاب الرئيس العليمي، ووصل إلى (26) مرّة. وهذا التكرار في تقديرنا يلجأ إلى عدّة أسباب، أهمّها أنّ الخطاب أساسًا كان موجّهًا للشعب اليمني المترقّب له بحماس، لمعرفة ما يتضمّنه من محاور والتزامات ومهام، خاصّة وأنّ الرئيس اليمني السّابق عبد ربه منصور هادي قد مرّ على عدم ظهوره في خطاب متلفز أكثر من عامين أو ثلاثة أعوام. والسبب الآخر أنّ ذلك الترقّب الشّعبيّ لم يكن يختصّ بفئة دون أخرى. فالشّعب اليمني بجميع تقسيماته وأيديولوجياته كان مترقّبًا، لأنّ مجلس القيادة الرئاسي الذي يرأسه العليمي نفسه كان موزّعًا على أفراد ينتمون إلى أيديولوجيات مختلفة، وربما كانوا في يوم من الأيّام فرقاء، وتلك النقطة كانت كفيلة بأن يكون الخطاب موجّهًا للشعب، وتكرار المصطلح فيه بشكل أكبر يعطي رسالة سياسيّة مفادها بأنّ الخطاب للجميع ويهدف إلى لم الشّمل اليمني أمام التحدّيات الأخرى الأكبر، والتي أهمّها مواجهة “الحوثي” والملف الاقتصاديّ والعسكريّ والأمنيّ.

وحازت لفظة “الشعب اليمني” على النسبة الأعلى في خطاب الرئيس العليمي بواقع (7) تكرارات بنسبة (27%)، وهذه اللفظة أتت في سياقات مختلفة، أبرزها حين شكره للرئيس السّابق ونائبه، والتزام مجلس القيادة الرئاسي أمام الشّعب جنوبًا وشمالًا لإنهاء “الانقلاب الحوثي” كما وصفه، وحين الحديث عن الملف الاقتصاديّ والمعيشيّ الذي أشار إليه كواحد من أهمّ الملفات ذات الأولوية. وأيضًا أثناء حديثه عن حماية النظام الجمهوريّ ومبادئ ثورتي سبتمبر وأكتوبر، إلى جانب تقديمه الشكر للسعوديّة والإمارات على دعمهما السياسيّ والاقتصاديّ والدبلوماسيّ والعسكريّ وغيره.

ونرى بأنّ الرئيس العليمي في هذه المواضع قد اختار لفظة “الشّعب اليمني” بحياديتها وعموميتها، نظرًا لعدّة اعتبارات أراد من خلالها إرسال رسائل للمواطنين، أهمّها في أنّ الشكر لم يكن منه شخصيًّا وإنّما أراد ربطه بالشّعب ككل، وأن موضع الالتزام لإنهاء الانقلاب قد جعله مفتوحًا للشعب، كونه مربوط بالمواطنين في الجنوب والشمال منوهًا إلى وحدة الكلمة تحت اسم الشرعية اليمنية خاصّة للمنادين بـ “القضية الجنوبية”، وهي قضية لها أبعادها السياسيّة والشعبيّة، وهذا قد يعود إلى خلفية الرئيس العليمي العسكريّة التي أراد في هذا الموضع أن يكون حياديًّا وأنّه رئيس للجميع وليس لجزء معيّن من أجزاء اليمن، خاصّة وأنّه ينتمي إلى المحافظات الشماليّة، ولذا عبّر في مواضعه تلك بلفظة “الشّعب اليمني”، كونها الأنسب دون الانتساب إليها بضمير الـ “نحن” أو الـ “أنا”، كذلك نرى بأنّه هدف من تعميمه للفظة “الشعب اليمني” توجيه رأي وأنظار كافة المواطنين اليمنيين نحو جماعة الحوثي للتصدي لها ولمشروعها، بمن فيهم المواطنين الواقعين تحت سيطرتها، في إشارة إلى شيطنتها بوصفها جماعة انقلابيّة مارقة خارجة عن شرعية الدولة.

ونرى أيضًا أنّ الرئيس العليمي تعاطى في حديثه عن الملف الاقتصاديّ وتقديم الشكر للسعودية والإمارات مع الأمر بذات اللفظة العامّة “الشعب اليمني”، وفي تقديرنا أن سبب ذلك التعاطي يرجع إلى نسبية عامّة المواطنين اليمنيين، إذ يحمل فهم الملف الاقتصاديّ، والشكر للدول نسب شعبية مختلفة بين مؤيّد ومعارض لذلك الشّكر. ولذا نرى بأنّ الرئيس خاطب الشعب بعموميته ولم يربطه به شخصيًّا أو بضمير الـ “نحن” كما في اللفظة التالية: “شعبنا”.

وتبيّن أن لفظتي “أبناء شعبنا” و”شعبنا” جاءتا في المرتبة الثانية بالتساوي في عدد التكرارات (5) مرات وبنسبة (19%) لكلّ منهما، ونجد في هذين المثالين أنّ الرئيس العليمي قد ربط كلمة “الشعب” بـ “نا” الجمع، وهو ما قد يترتب عليه اختلاف في موضع لغة الخطاب المتوازي مع اختلاف طريقة تلقيه من قبل الجمهور عن اللفظة السّابقة، إذ أنّ إطار هذين المثالين قد يخلق انطباعًا مغايرًا لدى السامعين والمشاهدين من المواطنين اليمنيين، خاصّة وأن خطاب “الجمع” يعطي رسالة مفادها العظمة والكثرة والانتماء، فإشارة الرئيس بالانتماء إلى الشعب يجعله جزءًا من ذلك المجتمع، وأن المسافة النفسية بين الطرفين – المتكلم والمتلقّي – تكون أكثر قربًا، وتحمل معاني أكثر اختلافًا من تلك التي جعلها عبارات مفتوحة، وحول استعمال كلمات معينة دون غيرها في الخطاب وتأثيرها على المتلقي. “ﻧﺎﻗش ذلك Lakoff لاكوف2009 كيف أن استعمال كلمة بدلًا من أخرى يخلق إطارًا ذهنيًا معينًا يمكن أن يعدّل موقف المرء إزاء قضية معينة” (عبدالقادر، نهاد، 2018، 156). ويبدو أن ذلك ما كان عليه من خطاب الرئيس العليمي حينما ربط نفسه كرئيس لمجلس القيادة الرئاسي وللبلاد عامّة بضمير الأنا إلى الشّعب، كان لها تأثيرها في الاستبشار الشعبيّ لما هو قادم في مستقبل الأيّام.

ولو دقّقنا النظر في مواضع لفظة “شعبنا” لوجدنا بأنّها قد أتت في سياقات حديث الرئيس العليمي عن الوضع المعيشي في البلاد وصعوبة الأوضاع، والآمال والتطلعات التي يرجوها المواطن اليمني للعيش ضمن حياة كريمة، ومستقبل مؤمّن للعيش في سلام. وجاءت أيضًا في سياقات الحديث على المحافظة على المجتمع اليمني وإبقائه ضمن النسيج العربي، والحديث عن العلاقات الخارجيّة التي تصبّ في نهايتها لتلبية مصالح الشّعب، وشجب الاعتداءات من قبل الحوثيين على مقدرات البلاد.

وربما أراد الرئيس في خطابه أن يعطي الشّعب طمأنة بأن المعاناة المعيشية وتدني الاقتصاد قد أثر على جميع المواطنين وهو ومجلس الرئاسة والحكومة ينتمون إلى تلك المعاناة، رغم أن ذلك واقعيًّا ليس صحيحًا، فالمواطن يعيش في منظومة خدماتيّة متهالكة، أثّرت فيه بشكل سيء عدّة جوانب أهمها غلاء المعيشة ونقص في الموارد النفطيّة، وانقطاع متكرّر للكهرباء والماء وانهيار البنية التحتيّة في أغلب جوانبها، في ما لا يعاني المسؤولون من ذلك بشيء.

وجاءت لفظة “المقاومة الشعبية” بواقع تكرارين بنسبة (7%)، وهي لفظة فرعيّة أيضًا مشتقة من مصطلحنا الأساس “الشعب”، وتحدّدت مواضعها في الحديث عن الاهتمام بعلاج جرحى الحرب، ومكانة مدينة عدن المقاومة وحبّها للسلام. وجاءت أيضًا ألفاظ من قبيل “الشّعب اليمني العظيم” و”اليمن وشعبه” و”الإرادة الشّعبيّة” و”شعبنا العظيم” و”شعبنا اليمني الكريم”، بتكرار واحد لكلّ لفظة بنسبة (4%) لكلّ لفظة، وفي رأينا أنّ كلّ تلك الفظات المرتبطة بمصطلح “الشّعب” تندرج ضمن خطاب الاستمالة والعاطفة الموجّه للمواطنين في كافة أنحاء اليمن، إذ أراد من خلال ذلك جمعهم ضمن منظومة واحدة هي الشرعيّة المعترف بها للبلاد. وهي المنظومة التي يرأسها هو مع أفراد مجلس القيادة الرئاسي، وبدعم من دول الجوار – مجلس التعاون الخليجيّ – وغيرها من الدول الأجنبية.

3 – 3: المعيشة وسياقات المصطلح:

جاء مصطلح “المعيشة” أيضَا على لفظات متعدّدة بتعدّد سياقاته الوارد فيها، إذ ورد المصطلح بلفظيْه “المعيشي” و”معاشات” في موضعين بتكرارين لكلّ واحد منهما، وبنسبة (33%) لكلّ منهما، في ما جاء المصطلح بلفظتي “معيشة” و”العيش” بتكرار مرة واحد وبنسبة (17%) لكلّ واحد منهما.

ونجد بأن لفظة “المعيشي” جاءت في موضعين، الأوّل حين تطرّق الرئيس العليمي لمعالجة الوضع الاقتصادي بعد حديثه عن إنهاء الانقلاب والحرب واستعادة الدولة، والثاني في فقرة الخطاب التي خصصها للحديث عن الملف الاقتصادي بشكلّ عامّ والذي وصفه بأنّه من أهمّ الأولويات التي يهتم بمعالجتها مجلس القيادة الرئاسي. وجاءت “المعاشات” أيضًا في موضعين بذات الفقرة، الأول أثناء حديثه عن معاشات ومرتبات القوات المسلحة والأمن والشهداء والجرحى، والثاني عن المعاشات التقاعديّة.

 وفي كافة المواضع تلك، بدأ الرئيس العليمي فقراته بقوله: “إخواني، أخواتي، أبنائي وبناتي”، و”أيها الأخوات والأخوة”. وهذه البدايات تمثّل جانبًا مهمًّا في تحليلنا للغة الخطاب، كون الرئيس خاطب الشعب بلغة الأبوّة والأخوّة، وهو ما يتناسب والعرف العام في اليمن بأنّ الأب دائمًا ما تكون على عاتقه مهمّة إعاشة وإعالة الأبناء والإخوان الذين يصغرونه سنًا أو دخلًا، ولذا جاء ربط المعيشة بخطاب الأبوّة والأخوّة، وكأنّه يريد إيصال رسالة مفادها أنّه كرئيس للبلاد إلى جانب بقية أفراد مجلس القيادة الرئاسي ملتزمون بإعانة الشعب وتقديم الحلول المناسبة لإصلاح المنظومة الاقتصادية ودفع المرتبات، ليعيش المواطن في كافة أنحاء اليمن دون صعوبات معيشية.

وهذه الخطوة من الخطاب، تندرج أيضًا ضمن الخطاب العاطفي، الذي يريد من خلاله المتحدّث جذب أكبر عدد من المواطنين للتعاطف مع فكرته ومساندته، لتحقيق أهدافه المرجوة من خطابه. وقد تكون الأهداف حقيقية ينوي المتحدّث تحقيقها، أو غير حقيقية ينوي تحقيق أهداف أخرى مخفيّة عبرها، وهو ما لا يمكننا الحكم فيه حاليًا وتوظيف خطاب الرئيس العليمي في أحدهما، كونه لم يتعدَّ على تنصيبه سوى أشهر.

ونجد بأن لفظتي “معيشة” و”العيش”، جاءتا بتكرار مرّة واحدة، وبنسبة (17%) لكلّ منهما، وتحدد موضع لفظة “معيشة” في الفقرة التي تحدّث فيها الرئيس عن الملف الاقتصادي، وارتبطت بتحسين الخدمات وإيقاف التدهور الاقتصادي الذي ينوي مجلس القيادة الرئاسي العمل على تحقيقه للمواطن اليمني، فيما جاءت لفظة “العيش” في موضع الحديث عن الحرّيّة وتحقيق السلام وإنهاء المعاناة والمواطنة المتساوية والكرامة ليعيش المواطن بكرامة.

 

4 – نتائج وخاتمة:

في الختام، نجد بأنّ تحليلنا لخطاب الرئيس العليمي في عمومه يجيب عن تساؤلات إشكاليّتنا المطروحة آنفًا على جزءين، الجزء الأوّل أنّ الخطاب كان له دور في توحيد الشّعب من حيث المبدأ، كون الشّعب وصل إلى حالة من التردي المعيشيّ والاقتصاديّ، ولذا كانوا متطلعين إلى سماعه. وهذا الدور أيضًا ينبع من اندراج الخطاب ضمن الخطابات الشّعبويّة العاطفيّة، أكثر منها العقلانيّة أو الحجاجيّة، “والخطاب الشعبوي هو خطاب عاطفي سفسطائي وغير واقعي إن شئنا، يلجأ إليه كل السياسيين إذا ابتغوا الحصول على رضاء الشعب” (الصادق الحمامي، 2022، 185)، إذ حاول الرئيس أن يستميل الشّعب اليمني بخطابه لتحقيق عددًا من الأهداف المشتركة بين مجلس القيادة الرئاسي ودول التحالف العربي. وحاول الرئيس أيضًا أن يكون شعبويًّا باستخدامه لمصطلح “الشّعب” في مواضع أكثر من غيرها من المصطلحات المدروسة في الخطاب، محاولًا وضع المواطنين في زاويته من حيث تقدير مجهود دول التحالف العربي وإعطاء المواطنين الأمل في إصلاحات الملف العسكريّ والأمنيّ والاقتصاديّ، وحشد تأييد المواطنين اليمنيين جميعًا للوقوف في صفه لمواجهة الحوثيين واستعادة الدولة.

غير أنّنا لو دقّقنا النظر في جزء الإشكاليّة الثاني لوجدنا بأنّ الخطاب لم يلبِ ذلك؛ لأنّه لم يقدّم آليّة مستقبليّة حقيقيّة لتحسين المعيشة والوضع الاقتصاديّ، ولم يعطِ خطّة واضحة لإخراج الحوثيين واستعادة الدولة منهم، إلى جانب عدم تحديده وقتًا محددًا لإنهاء الحرب وخروج قوات التحالف العربي. ويتّضح من الخطاب أيضًا أنّ الرئيس العليمي لم يبيّن الآليّة الأنسب للعمل القادم على توحيد الجيش والقوات الأمنيّة في عموم المحافظات، خاصّة وأن أعضاء مجلس القيادة الرئاسيّ ينتمون إلى أيديولوجيات مختلفة، ولدى كلّ واحد منهم عتاد وسلاح ومناصرين، وهو ملف مهمّ جدًا ليس للحكومة أو الرئاسة فقط يد عليه، بل إنّ دول التحالف وبعض الدول الإقليميّة لها يد أيضًا في ذلك الأمر، فبإصلاحه يمكن للعديد من المشكلات الأخرى أن تُصلح تباعًا إلى جانبه.

 

 المراجع:

  • بن سلمان، عبدالقادر. الموسى، نهاد. اﻟﺣﺟﺎج العاطفي ﻓﻲ خطب الرؤساء اﻟﻌرب ﻓﻲ ﻣواﺟﻬﺔ ﻣظﺎﻫرات اﻟرﺑﻳﻊ اﻟﻌرﺑﻲ ﻓﻲ ﺿوء اﻟﺗﺣﻠﻳﻝ اﻟﻧﻘدي ﻟﻠﺧطﺎب. دراﺳﺎت اﻟﻌﻠوم اﻹﻧﺳﺎﻧﻳﺔ والاجتماعية. المجلد 45. العدد 4. 2018.
  • خولي، معمر فيصل. الربيع العربي والمعنى السياسي للشعب، مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية https://rawabetcenter.com/archives/15300))، 22 نوفمبر 2015.
  • عكيلة، عزالدين زكي. أثر مستوى المعيشة على الخدمات الصحيّة والتعليميّة في محافظات غزة. بحث استكمال درجة الماجستير في الجغرافيا. الجامعة الإسلاميّة. كلية الآداب. قسم الجغرافيا. غزة. 2013.
  • العيسى، طلال ياسين. السّيادة بين مفهومها التقليدي والمعاصر “دراسة في مدى تدويل السيادة في العصر الحاضر”. مجلة جامعة دمشق للعلوم الاقتصادية والقانونية. المجلد 26. العدد الأول. 2010.
  • الحمامي، الصادق. ديمقراطية مشهدية الميديا والاتصال والسياسة في تونس. دار محمد علي للنشر. ط1. تونس. 2022.

نشر هذا المقال في مجلّة حروف حرّة، العدد 19، سبتمبر 2022، ص. ص. 18-21.

 للاطلاع على كامل العدد: http://tiny.cc/hourouf19

 

 

Please follow and like us:

اترك رد

Verified by MonsterInsights