هل يمكن إنشاء “ناتو شرق أوسطي “؟
|بقلم: أنيس عكروتي
خلال لقاء صحفي جمعه بقناة سي ان بي سي الأمريكية، دافع العاهل الأردني عبد الله الثاني عن فكرة تشكيل قوّة سياسية عسكرية تضمّ دول المنطقة (بما فيها اسرائيل)، ككيان شبيه بحلف شمال الاطلسي ” الناتو “، ” ناتو شرق أوسطي “.
أثار هذا التصريح جدلا واسعا حول تركيبة هذا الحلف ومهامه وخاصة الجهة المستهدفة خصوصا مع تكثيف تل أبيب لهجماتها على الأهداف الإيرانية وقرب حسم الملف النووي الإيراني، إذ أكّد الملك الأردني أنّه “يمكن بناء الحلف مع البلدان ذات التفكير المتشابه”.
يأتي هذا اللقاء عشيّة زيارة جو بايدن للمملكة العربية السعودية رأسا والمنطقة عموما وبعد أيّام قليلة من عقد اجتماع بين مسؤولين عسكريين أمريكيين مع نظرائهم في اسرائيل والأردن ومصر ودول خليجية بمدينة شرم الشيخ، اجتماع تمحور أساسا حول تنامي القدرات الصاروخية والجويّة (الطائرات المسيّرة أساسا) الإيرانية وسبل التصدي لها حسب ” وول ستريت جورنال “.
فدول المنطقة ليست راضية تماما على بنود الاتفاق النووي الايراني وخاصة المتعلّقة برفع العقوبات عن الحرس الثوري، غير أنّها ليست متوافقة على خيارات المواجهة.
فيما تبدو الأردن متحمسة لتشكيل هذا الحلف، حيث أن عبد الله الثاني كان قد عبّر سابقا عن خشيته من ملء الميليشيات الإيرانية للفراغ الذي ستتركه القوات الروسية في سوريا وكان تحدث أيضا عن استهداف بلاده بطائرات مسيّرة إيرانية دون تقديم أي تفاصيل إضافية،)، تسعى دول أخرى لعقد تفاهمات مع ايران كبلد جوار ولاعب مهمّ في المنطقة، إذ تأتي، على سبيل المثال، زيارة رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي إلى الرياض في إطار الوساطة بين المملكة وايران.
وفي ظلّ التردّد المصري السعودي، تبدو حظوظ تشكيل هذا الحلف ” العربي الاسرائيلي ” منعدمة تماما. ومن الوارد جدّا أن يتم التركيز على ابرام اتفاقيات للتعاون الاقتصادي العسكري بين دول المنطقة دون التوصل لتوافق حول الملف الايراني.
تجدر الإشارة أنّ الحديث عن تشكيل حلف مماثل لا يعدّ بالأمر الحديث فقد سبق وأن طُرحت الفكرة بجديّة خلال ولاية باراك أوباما في إطار التصدي للحركات الجهادية (القاعدة أساسا) والتمدّد الإيراني في المنطقة.
ذهبت حينها الإدارة الأمريكية نحو خيار التحاور مع حركات الإسلام السياسي (الاخوان المسلمين أساسا) وفتح قنوات اتصال مع النظام الايراني قصد التوصل إلى شكل من أشكال الاحتواء وتحييد الخطر، ومردّ ذلك أساسا عدم ثقة الإدارة الأمريكية في الأنظمة العربية وخاصة الخليجية منها، وحتى إدارة بايدن لم تكن استثناءً فقد شنّ بايدن هجوما لاذعا على النظام السعودي خلال حملته الانتخابية واعدا بفرض عقوبات قوية على الرياض.
اليوم تتحرّك الولايات المتحدة الأمريكية تحت ضغط اسرائيلي لكن الأمور لن تتجاوز تعزيز العلاقات الاقتصادية والعسكرية بين دول المنطقة واسرائيل تواصلا مع ” اتفاقيات ابراهيم للسلام ” في محاولة للضغط على إيران دون المرور إلى مواجهة مباشرة معها، خاصة وأنّ عدة دول تمضي قدما في سياسة الصفر مشاكل، من ذلك الزيارة التاريخية المترقبة لأمير قطر إلى القاهرة وإذابة الجليد بين أنقرة والرياض مؤخرا.
أثبت التاريخ فشل كل مشاريع التحالف الذي جمعت بين دول المنطقة برعاية غربية وأمريكية بداية من حلف بغداد في الخمسينات، لذلك فالاستراتيجية الجديدة تتجه نحو تعزيز العلاقات بين دول المنطقة أو على الأقل الحفاظ على علاقات عادية بين الجيران، علما أنّ هذه العبارة جاءت مؤخرا وللمرة الأولى على لسان الرئيس السوري بشار الأسد في حديثه على طبيعة العلاقات المستقبلية مع اسرائيل.
تبعا لكلّ ذلك، يبدو أنّ هذا المشروع سيجهض في المهد ولن نشهد ميلاد ناتو شرق أوسطي على المدى القريب على الأقل، بل قد نشهد مواجهة اسرائيلية ايرانية مباشرة، فتل أبيب تسعى جاهدة لإفشال الاتفاق النووي ولا تمانع في توجيه ضربة في العمق الايراني.
نشر هذا المقال في مجلّة حروف حرّة، العدد 17، جويلية 2022، ص. 3.
للاطلاع على كامل العدد: http://hourouf17.tounesaf.org