الطريق يمرّ عبر فلسطين… “الدولة الإسلامية” ومحاولات الإحياء

بقلم: أنيس عكروتي

نهاية شهر ساخن تشهده مناطق متفرّقة من إسرائيل، فخلال أقلّ مسبوق أُعلن عن حدوث ثلاث هجمات. يوم الثلاثاء 22 مارس قُتل أربعة إسرائيليين دهسا وطعنا في بئر السبع جنوبا قبل أن يُقتل منفذّ العمليّة برصاص أحد المارّة. ويوم الأحد 27 مارس، أعلن تنظيم الدولة الإسلامية مسؤوليته عن مقتل شرطيين إسرائيليين وإصابة أكثر من أربعة آخرين بجروح إثر هجوم مسلّح شهدته مدينة الخضيرة شمالا. يُذكر أن التنظيم لم يتبنّ أي عملية في الداخل الإسرائيلي منذ بداية جوان 2017.

عمليّة باركتها عدّة فصائل سياسية على غرار حزب الله، حركة حماس والجهاد الإسلامي واصفة إيّاها بالنوعية والبطولية ردّا على العدوان الإسرائيلي، قبل أن يظهر تنظيم الدولة الإسلامية في الصورة ويعلن مسؤوليته عن هذا العمل عبر وكالة أنبائه الرسمية “أعماق” ومقدّما تفاصيله بدءا من أسماء المنفذين وصورة لهما وكيفية التنفيذ.

أخيرا ويبدو أنّه ليس آخرا، قُتل خمسة إسرائيليين يوم الثلاثاء 29 مارس بطلقات ناريّة في مواقع مختلفة قرب تل أبيب، ولم تُعرف بعد هويّة المنفّذ إلى حدود كتابة هذا المقال.

فهل يمكن الجزم بأنّ تنظيم الدولة الإسلامية فتح رسميا جبهة قتالية في الداخل الإسرائيلي؟

أواخر العام الماضي، حرّض القائد السابق لتنظيم الدولة الإسلامية على استهداف جنود إسرائيليين، الأمر الذي يعدّ جديدا في خطاب التنظيم، وهو الذي يعتبر القضية الفلسطينية قضية قومية وطنية غير جديرة بالتضحية كما جاء في أحد الإصدارات السابقة : ” لا تنتظروا من فتح ولا من حماس نصرة.. فلا تلتفتوا إليهم، ولا تنظروا إليهم، فإنّ تصريحاتهم وشعاراتهم فارغة لا خير فيها.”

ويرى التنظيم وغيره من التنظيمات المتقاربة فكريا كالقاعدة أن الصراع ديني عقائدي وليس على حدود أو أرض أو وطن.

فما الذي تغيّر وجعل التنظيم يراهن بقوّة على القضية الفلسطينية؟

منذ أن أُخرج التنظيم من أكبر معاقله في الموصل العراقية والرقّة السوريّة وبالتالي تفكّك ” دولة الخلافة”، وهو يعيش حالة من الارتباك والتصدّع الداخلي.

إثر مقتل الخليفة المتحدث الأخير أبي بكر البغدادي، تصدرّ قيادة التنظيم أشخاص مجهولون يتحرّكون افتراضيا بكنى وهويّات مجهولة. مؤخرا، وإثر مقتل زعيم التنظيم عبد الله قرداش (والذي لم يظهر في أي من الإصدارات السابقة للتنظيم)، أعلن متحدث إعلامي ” مجهول” عن تعيين ” خليفة مجهول”، حينها سارعت كتائب ومناصري ” الخلافة الإلكترونية/الإفتراضية” إلى نشر بيانات البيعة والدعم.

يذكر أن التنظيم له سوابق في هذا المسألة إذ يذكر أبو عيسى المصري الشرعي السابق بالتنظيم أنه وإثر مقتل أبي عمر البغدادي اجتمعت قيادة الجماعة (دولة العراق الإسلامية) ووضعوا اسمها وهميا للأمير الجديد الذي لم يعيّن بعد وهو “أبو بكر البغدادي” وجاؤوا بأبي دعاء السامرائي (كنية البغدادي السابقة) فقالوا له نعيّنك حتى نجد أميرا قرشيا مناسبا. فقال لهم أنا قرشي وأتاهم بنسبه فقالوا له: إذن أنت أبو بكر البغدادي!!!

منذ خسارة الأراضي الواحدة تلو الأخرى، لم يعد للتنظيم هيكل مركزي قوي وحتى الفروع تشهد تصدّعات داخليّة وصراعا قويّا على النفوذ. ويشهد تنظيم القاعدة الأمر ذاته.

بذلك انحسرت مصادر التمويل القديمة وتراجعت وتيرة التجنيد وكان لا بدّ من المراهنة على قضيّة تحظى بإجماع كبير وتعاطف جماهيري غير محدود.

ينطلق التنظيم من مبدأ “استغلال الظروف” وإعادة هيكلة نفسه وإعادة تصدّر المشهد عبر دخول الساحة الفلسطينية بقوّة.

فبعد خمس سنوات من الغياب، يصعّد التنظيم من عمليّاته في ظرف أسبوع فقط مستغلّا حالة الركود التي تشهدها هذه القضيّة وحالة التهميش التي يتعرّض لها عدد كبير من شباب “عرب إسرائيل “، جعلت بعضهم يغرق في عالمي الجريمة والإدمان على المخدّرات.

بعض المتابعين يؤكّد على أنّ التنظيمات الجهادية بمثابة الغائب الحاضر في القضيّة الفلسطينية، من حين إلى آخر تحضر شعارات تحوم حول ” القدس” نظرا لرمزيتها الدينية.

وما إن يسوء وضعها، تلجأ إلى تنفيذ بعض العمليّات مع تفاوت حدّتها لتظهر على الساحة من جديد وتعيد تشغيل ماكينة التجنيد المتعطلة.

ويبقى السؤال مطروحا: هل توجد خلايا داعشية مهيكلة في الداخل الإسرائيلي ممّا ينبئ بحدوث مزيد من العمليّات؟

 

نشر هذا المقال في مجلّة حروف حرّة، العدد 14، مارس 2022، ص. 3.

 للاطلاع على كامل العدد: http://hourouf14.tounesaf.org

Please follow and like us:

اترك رد

Verified by MonsterInsights