وهم الكبتاغون
|بقلم: أنيس عكروتي
تؤكد عدة مقالات ونشرات إخبارية أن مقاتلي ” تنظيم الدولة الاسلامية ” أساسا وبقية الجماعات الارهابية يتعاطون مخدر الكبتاغون قصد تحفيزهم على القتل الوحشي وتفجير أنفسهم وعرباتهم.
عند البحث في تركيبة هذا المخدر واستعمالاته الطبية وشبه الطبية وأبرز أسواقه الترويجية سنتبيّن معا زيف هذه التقارير.
الكبتاغون أو الفينيثايلين هو أحد مشتقات مادة الامفيتانين وهي مادة كيميائية منشطة. تم استعماله طبيا في معاجلة قلة الانتباه والتركيز خصوصا لدى الاطفال ويعرف كذلك بأنه مضاد للاكتئاب اذ يساعد على بقاء الجسم في حالة نشاط وانتعاش ويقلل الحاجة إلى النوم وكذلك الشهية للأكل كما يستعمل في اطالة مدة الجماع عند الممارسة الجنسية.
منذ سنة 1986 أدرجته منظمة الصحة العالمية بين قائمة الممنوعات لتأثيره على الدماغ رغم قلة رواجه والاقبال عليه اذ يعتبر من ضمن المنشطات أكثر منه مخدّرا.لكن في صورة الاستهلاك الزائد والمتكرر بإمكانه أن يسبب الهلوسة والدخول في حالة هستيرية من البكاء والشعور بالظلم والاضطهاد إلى جانب اضطرابات في الدورة الدموية والنظام الغذائي والنوم.
حسب آخر الاحصائيات تحتكر منطقة شبه الجزيرة العربية أكثر من 50 % من السوق الترويجية لهذا المنتوج منذ سنة 2008.
رغم أنه يباع كذلك تحت اسم الكبتاغون إلا ان عدة أقراص تصنع من مشتقات أخرى للامفيتانين.
و بالعودة للموضوع الرئيسي حول علاقة المجموعات الارهابية باستهلاك هذا المخدر نذهب مباشرة نحو افغانستان حيث استفاد تنظيم طالبان من مداخيل بيع الافيون ولم يصدر أي فتوى متعلقة بتحريم ذلك الامر (رغم اصدار فتاو بتحريم استهلاك التبغ ومواد اخرى).
تنظيم الدولة الاسلامية ولضمان مداخيل أوفر (تلبي حاجياته خصوصا اثناء اعلان تأسيس دولة الخلافة) لا يجد اشكالا في الاستفادة من تجارة المخدرات. وبالنسبة لمقاتليه لم يثبت أنهم استهلكوا هذه العقاقير المخدرة وهم ليسوا في حاجة لها.
فترويج هذا الأمر يبدو كأنه تبرير ضمني لما اقترفوه من أعمال وحشية في حين أن عقيدتهم القتالية وايمانهم العميق بأنهم على حق وأنهم يقومون بأعظم شعائر الاسلام واندفاعهم (العاطفي في ظل الفراغ الفكري)، هذه الأشياء، هي ما تحفزهم وتشجعهم على القتل والتدمير و”الانغماس “.
إثارة موضوع الكبتاغون كسبب من أهم أسباب قيام هؤلاء الشباب بتلك الأعمال لاقى تفاعلا خصوصا في المجتمعات الغربية التي لم تجد تفسيرا واضحا لتوسع دائرة الارهاب. وبالبحث عن حالات ثابتة لاستهلاك ” الجهاديين ” لانواع مختلفة من المخدرات نجد حالة أو اثنتين على أقصى تقدير.
الحالة الأولى كانت إثر تفجير إرهابي لنفسه داخل مسجد الامام الصادق بالكويت حيث تم العثور لمادة مخدرة غير معروفة بمعدته والحالة الثانية إثر هجوم باريس حيث تم الاشتباه بوجود مواد مخدرة في محيط الحادث ولكنها كانت كمية محدودة غير مؤثرة. دون ذلك لم ترد حالات اخرى مشابهة.
في ذات الإطار يذهب محللون نحو فرضية الاشهار والتسويق لمادة الكبتاغون عن طريق ربطه بالإرهابيين وذلك في ظل المنافسة الكبيرة بين مروجي المخدرات.
و حتى العثور على كميات من ذلك المنتوج بمناطق حدودية قريبة من تواجد مقاتلي الدولة الاسلامية ليس دليلا على استهلاكهم له بقدر أنه مؤشر كبير على استفادتهم من الاتجار به.
ختاما أؤكد على ضرورة البحث المعمق في ظاهرة ” الجهاد العالمي ” لتفكيكها والتصدي لها بعدة أشكال وطرق، عوض الانسياق الأعمى نحو مبررات ليست لها أي علاقة بالواقع.