الأمّ العزباء أو قراءة جديدة للسّقوط

يجب أن ينفس عن المرأة من ضائقة سجنها لتفهم أن لها كيانا مستقلا، و حياة ذاتية، و أنها مسؤولة عن ذنوبها و آثامها أمام نفسها وضميرها، لا أمام الرجل.
يجب أن تعيش في جو الحريّة الفسيح وتستروح رائحته الأريجة، ليستيقظ ضميرها الذي أخمده السجن و الاعتقال من رقدته، و يتولى بنفسه محاسبتها على جميع أعمالها، و مراقبة حركاتها و سكناتها، فهو أعظم سلطانا، و أقوى يداً من جميع الوازعين المسيطرين.”
ـــــــــــــ
مصطفى لطفي المنفلوطي


الزنا زنا الروح قبل الجسد..و بكارة مفضوضة ليست بالضرورة أرذل من عقل أجوف.
تسقط المرأة فتنعت بالعهر و الفجور.. و يسقط الرجل فينادى بطلا و زعيما و تدقّ له طبول الفرح في بيوت عدّة.
ظاهرة زواج الشباب التونسي من عجائز أوروبيات لا تزال تكثف حالاتها داخل نسيج مجتمعنا التونسي المسلم وسط صمت “رجال الدّين” و تآمر الأقارب و الأصحاب و مباركة الأهل و الجيران .
ذلك الشاب الذي يقضي شهورا بحالها أمام شاشة كمبيوتر مستعرضا فتوته و” رجولته” محاولا إغراء امرأة أوروبية دخلت مرحلة اليأس و انصرف عنها آخر عشّاقها إلى فتاة عشرينية..ذاك الشاب قد لا ينجح في مهمّته و لكنّه يوفّق في مسعاه غالبا رأسماله كلّ رأسماله جسده ” المكبوت” و شبابه اليائس …و هكذا تحمل الطائرة الى أرض الوطن كتلة اللّحم المترهّل المتلهفة إلى لحم طريّ فتيّ “صنع في تونس”..و يفتح الأهل لل”رزق الجديد” الباب على مصراعيه , فتدلف العجوز إلى إحدى غرف الدّار لتكون لها و لعشيقها ” خلوة مباركة” قبل عقد الزواج.
كيف يرى الناس هذا الشاب؟؟ يحسدونه ! لا أحد ينعته بالعهر أو الفجور … لا أحد يمقت فيه بيعه جسده لخما رخيصا على فراش عجوز أوروبية.. بل لا أحد ينكر ذلك الفعل بلسانه أو قلبه يوم يشاهد “العريس المحظوظ” و قد عاد الى البلد صحبة عروسه المترهّلة في سيارة فاخرة و راح يغدق على أهل بيته المال “بالعملة الصّعبة”.. يومها ترقيه والدته المحجّبة من العين لكيلا يؤذيه حسد النّاس له على النعمة الإلهية العابرة للقارّات التي حظي بها …
هذا هو المجتمع المسلم الدّين الخلوق الذي لا يرى الشرف الا في جسد البنت و لا يدرك من الفضيلة غير البكارة ..و الذي يرتكب الرذيلة كلّ يوم باسم الرجولة و يفاخر بالفضيلة باسم “محارمه”..
للرّجل أن يزني و يسقط و يبيع لحم جسده في سوق العملات الأوروبية طالما ليست له بكارة تفتضّ و لا رحم يحمل بذرة جنين” لقيط”.. و لهذا الرجل سنّ المجتمع قوانين تحميه و أعرافا تشرّفه و تبجّله و عادات تسهر على متعته ..يسقط الرجل و لا تسقط حقوقه..
أمّا المرأة فهي “عار” إلى أن يثبت العكس ( أي أن يشهد زوجها ليلة العرس بعكس ما يفترض فيها).. و لذلك كانت توأد في الجاهلية الى أن جاء الإسلام فشرّفها و نزّهها عن الشبهات و أقرّ حقوقها و حماها من الوأد لكّنه لم يحمها بعد من قبر المجتمعات ..
تسقط المرأة فيتقاذفها الرجال كرة بين أقدام شهوتهم و يستنزفون شبابها و عمرها حتّى إذا ذبلت ورود أنوثتها و أنهكها الاستغلال و الاستنزاف تركوها و نسوا أمرها.. و ربّما خلّف بعضهم عندها أجسادا صغيرة أخرى بريئة لا ذنب لها سوى كونها ثمار خطيئة غيرها.. و حملت هي وزرها..
تلك المرأة قد تذبح من الوريد إلى الوريد انتقاما لشرف العائلة ..و إلاّ فينبذها الأب و الأخ و العمّ و الجار و تغلّق دونها أبواب البيوت و لا يعود يبتسم في وجهها ابتسامة صادقة أحد و تتناقل الألسنة أخبارها و تتصدّر أفعالها – صحيحها و ملفّقها- أحاديث الصباح و المساء في الجلسات النسائية و الرجالية و تلفظها القرية و المدينة فلا تفتح لها سوى أبواب المواخير و بيوت الدّعارة..و لو أنّ الناس رحموا امرأة زلّت لما كان هذا الفساد الذي يتحدّثون عنه..
ليس للمرأة التي سقطت الحقّ في التوبة أو غيرها في فكر متحجّر لا زال يناقش حقوق المرأة التي ” لم تسقط بعد”..
لكنّ للمأساة بعدا أخر..فهناك أجناس أخرى من النساء لم يملكن حتى خيار السقوط من عدمه إذ اغتصبتهنّ شهوات الوحوش من بني ادم و زرعن في أرحامهنّ أجنّة لا تعرف لها نسبا.. فلا هنّ “ساقطات” بالإرادة و لا هنّ ” غير ساقطات بعد”..لكنّهن وصمة عار لذويهنّ .. و لأنّ العار لا “يغسل إلا بالدّم” فلا بدّ من التخلّص من البنت و جنينها فور ولادته..
فهذا الوطن الذي يرزح تحت وطأة “السرّاق” و النّاهبين و القوّادة و المتآمرين و الجلاّدين و الرّاشين لم يعد يحتمل ابن زنا إضافيا واحدا..
و لذلك لا حديث لهؤلاء “المتديّنين الجدد” إلاّ عن المرأة و الجنس.. إذ لم يعد يفصلهم عن الجنّة سوى سجن “السّاقطات” جميعهنّ أو رجمهنّ و إعدام كلّ ” أولاد الحرام”..
هؤلاء المتدينون الجدد يجهلون أن وراء كلّ ” ساقطة” رجل و خلف كلّ ” غير ساقطة بعد” رجل و أنّ من جنى على اللّواتي هنّ “بين بين” رجال أيضا..
يشتمون الأمّ العزباء و يلعنونها و ينسون أن يشملوا بشتائمهم و لعناتهم ذلك الرجل الذي أسقطها قي الرذيلة أو شاركها فيها..
يرجمون الخاطئة و لا يرجمون الخطيئة..يتامرون على فتل الوليد غير الشرعي و لا يقتلون الميول “غير المشروعة” في نفوسهم و ضمائرهم النّائمة…يحمّلون المرأة أوزارهم و خطاياهم و ينهشون جسدها كلّما استطاعوا الى ذلك سبيلا..
يحبسون المرأة باسم العادة و يستنقصون منها باسم الفطرة و يراقبونها باسم الأخلاق الحميدة و يذبحونها باسم الشرف ..و شيئا فشيئا يقتلون الله فيها باسم الدين..
يا سادتي, لم تتتبّعون عورات النساء و تنسون عوراتكم؟ لم تقتلون “أولاد الحرام” و لا تقتلون الحرام فيكم؟ و لم تؤنّثون الشّرف و تذكّرون الحقوق؟؟

Please follow and like us:

اترك رد

Verified by MonsterInsights