تنظيم القاعدة بين غياب الظواهري وحرب خلافته
|بقلم: أنيس عكروتي
منذ شهر نوفمبر الماضي، تواترت أنباء غير مؤكّدة عن وفاة أيمن الظواهري. عزّزت “عزلة” هذه الشكوك، فآخر ظهور موثّق له
يعود إلى شهر فيفري من سنة 2020 وذلك في تقرير الأمم المتّحدة عن الوضع في أفغانستان والذي نُشر في شهر ماي من نفس العام. ذُكر في التقرير أنّ ” زعيم القاعدة التقى بأعضاء من شبكة حقّاني في فيفري 2020 وذلك بشأن اتفاق السلام الممضى بين الولايات المتحدة الأمريكية وحركة طالبان الأفغانيّة.
بعد أشهر بثّت مؤسسة السحاب للإنتاج الإعلامي، الذراع الإعلامي المركزي للقاعدة، فيديو تحت عنوان “صفقة القرن”. في هذا الفيديو، لم يذكر الظواهري عبارة صفقة القرن ولو لمرّة واحدة وتحدّث عن صراع محتدّ بين الصليبيين والمسلمين إضافة إلى الإشارة لمفاهيم فقهية عن الجهاد.
لم يتفاعل أنصار القاعدة حينها بشكل إيجابي مع الإصدار “الجديد” (والذي يطرح تساؤلا إن كان جديدا بالفعل) وبدا التسويق الإعلامي للخطاب باهتا ممّا يوحي بخيبة أمل لدى خلايا التنظيم ومسانديه. منذ ذاك التاريخ والقاعديّون في حيرة كبيرة من مصير زعيم التنظيم إلى أن أتت ” البشرى” أوائل شهر مارس من هذا العام.
كان من المتوقّع أن يصدر فيديو جديد يؤكّد بشكل قطعي بقاء الظواهري على قيد الحياة، ولكنّ الإصدار الذي كان تحت عنوان “الروهينجا جرح الأمّة كلّها” دام قرابة 22 دقيقة لم يتحدّث فيها الظواهري إلّا 3 دقائق و45 ثانية. المفاجأة الأبرز تمثّلت في عدم ظهور خليفة بن لادن بوجهه. إضافة إلى ذلك، فإنّه لم يكن المتحدّث الرئيسي في الشريط الّذي بثّته مؤسسة السحاب وهي أعرق شبكة إعلاميّة لتنظيم القاعدة ولكنّها أضحت منذ مدّة تناهز العقد، مجرّد واجهة دعائية للظواهري، يُلجأ إليها عند احتداد الأزمات والخلافات الداخليّة.
قدّم راو مجهول الهوية موضوع الشريط بالحديث عن المجازر المقترفة بحقّ أقليّة الروهينجا بميانمار وصمت المجتمع الدولي عن هذه الانتهاكات. الفيديو الّذي اشتُغِل عليه كثيرا في المونتاج، قدّم الظواهري في موضع ثانوي لم نعهده في حضوره الإعلامي المتكرّر منذ صعوده إلى أعلى هرم القاعدة إثر وفاة بن لادن منذ عشر سنوات.
من خلال قراءة محتوى الشريط وخاصّة المقاطع التي وردت بصوت الظواهري، نتبيّن أنّ ما جاء على لسانه لا يتجاوز الأخبار العامّة في وصف مأساة الروهينجا ولا يبدو إطلاقا أنّ تاريخ تصوير الشريط كان منذ فترة قريبة. حتّى أن زعيم التنظيم لم يشر إلى الانقلاب العسكري الذي حدث في ميانمار غرّة فيفري الماضي مشيرا إلى “حكومة ميانمار الديمقراطيّة” بل وتجاهل الانتخابات التي جرت بالبلد في 8 نوفمبر من العام الماضي.
تفصيل آخر يذكره الصحفي الفرنسي وسيم نصر المختصّ في شؤون الحركات الإسلاميّة وهو غياب عبارة “حفظه اللّه” تأكيدا على بقائه على قيد الحياة أو عبارة “رحمه الله” تأكيدا على وفاته مثل ما جرت به العادة خلال كلّ الإصدارات السابقة بما فيها الأشرطة التي ظهر فيها بن لادن.
بالعودة إلى المحتوى، على أهميّة الانتهاكات المرتكبة بحقّ الروهينجا، تجاهل الظواهري -أو لنقل شبح الظواهري- عدّة أزمات تكاد تعصف بفروع التنظيم كفرع القاعدة بالجزيرة العربية والّذي يواجه حاليا مشاكل ماليّة وانشقاقات بارزة وغموضا على مستوى القيادة، إضافة إلى آخر قلاع القاعدة بسوريا ممثّلا في تنظيم حرّاس الدين وهو الذي يتعرّض لحملة أمنيّة واسعة من هيئة تحرير الشام -جبهة النصرة سابقا- والتي فكّت ارتباطها بالقاعدة وتسعى للابتعاد عن “أجندة الجهاد العالمي”، فضلا عن المنافسة القويّة التي يلقاها التنظيم من غريمه التقليدي “تنظيم الدولة الإسلامية” على جبهات مهمّة مثل الساحل الإفريقي وجنوب شرق آسيا.
انطلاقا من هذه المعطيات، نرجّح ثلاث فرضيّات ممكنة:
– أوّلا، وهي الفرضية الأرجح في رأينا، وفاة الظواهري منذ صيف العام الماضي. وأمام حدّة الأزمات التي تواجه التنظيم وخاصّة الخلافات الداخليّة، خيّرت المجموعة القريبة من الظواهري في محور أفغانستان-باكستان-خراسان أن “تؤجل” وفاة الرجل الأوّل إلى حين حسم الخلافات.
– ثانيا، بقاء الظواهري على قيد الحياة مع احتجازه من قبل طالبان ومنعه من الظهور الإعلامي انسجاما مع رغبة الحركة في إبرام اتّفاق سلام شامل مع الحكومة الأفغانيّة الحالية.
– ثالثا، وهي الفرضيّة الأقلّ ترجيحا، بقاء الظواهري على قيد الحياة لكنّه يواجه أحد أمرين: إمّا أزمة صحيّة حادّة أو حصارا أَمنيّا يمنعه من إيصال صوته.
وفي كلّ الحالات، تبدو مركزيّة القاعدة منذ سنوات في حالة شلل تامّ ومغتربة عن مشاغل وهواجس أعضائها وأنصارها وإن لم تكن وفاة الظواهري مادّية فإنّها مؤكّدا معنويّة.
انقسمت ردود أنصار القاعدة إثر صدور الفيديو الأخير بين الردّ على أنصار الدولة الإسلامية الذين سخروا من عجز القاعدة عن إثبات حياة زعيمها وبالتالي الضحك على ذقون منتسبيه، وبين التقليل من شأن احتمال وفاة أو مقتل الظواهري واعتبار أنّ غياب أحد القيادات وإن كان بأهميّة رأس التنظيم لن يشكّل عائقا أمام مواصلة عمليّاتهم.
وهنا نستشفّ تفكير أعضاء القاعدة في مرحلة ما بعد الظواهري ومحاولة امتصاص الاهتزازات التي ستنجرّ عن وفاته خصوصا مع التنافس الشديد على منصب قائد أبرز التنظيمات الجهاديّة.
يبدو المصري محمّد صلاح الدين زيدان، الملقّب بسيف العدل، الأوفر حظّا لخلافة الظواهري، وهو مواليد 11 أفريل من سنة 1960 وقد عمل سابقا بالجيش المصري.
زيدان وعلى عكس الظواهري والمجموعة المصريّة المنشقّة عن جماعة الإخوان المسلمين والمنضمّة لاحقا لحركة الجهاد الإسلامي، التحق مباشرة بتنظيم القاعدة، وقد كان معارضا بارزا للاندماج بين مجموعتي بن لادن والظواهري، ولكنّها ظلّ وفيّا لقيادة التنظيم (أسامة بن لادن) ومحترما لخياراته رغم اختلافه معه في عدّة ملفّات.
لعب سيف العدل دورا بارزا في تحويل القاعدة من بعض المقاتلين السابقين في المعركة ضدّ السوفيات بأفغانستان أواخر سبعينات القرن الماضي إلى المنظمّة الجهاديّة الأخطر في العالم والأكثر تماسكا. وقد عُرف بحسّه الأمني وخبرته العسكرية وقراءته الجيّدة للأحداث حيث كلّفه بن لادن بالتنسيق مع إيران ونجح في إيجاد مأوى آمن لقيادات التنظيم وعائلاتهم ومنهم حمزة بن لادن، إضافة إلى ذلك استبق الهجوم الأمريكي على أفغانستان ونقل قيادات وازنة إلى طهران، علما وأنّه كان معارضا لهجمات 11 سبتمبر لما سينجرّ عن ذلك من ضرب لمعاقل القاعدة الرئيسية في أفغانستان وتأثير ذلك على نجاعة التنظيم واستمراريته.
كان سيف العدل على رأس مجموعة من عناصر القاعدة ممّن وافقت إيران على تدريبهم على استعمال المتفجرات وتفخيخ المباني في معسكرات تابعة لحزب الله في سهل البقاع بإشراف مباشر من عماد مغنيّة القيادي البارز في الحزب والذي تمّ اغتياله سنة 2008. آتت هذه التدريبات أكلها سنة 1998، حين قامت القاعدة بتفجير مبنيي السفارتين الأمريكيتين بنيروبي ودار السلام بتدبير وإشراف مباشر من سيف العدل.
رغم ثبوت إقامته بإيران منذ مدّة، تظلّ أنشطة سيف العدل الحالية غامضة، مع ذلك طُرِح اسمه بقوّة في معركة خلافة الظواهري خصوصا وأنّه يتمتّع بسمعة طيّبة وثقة كبيرة لدى قيادات القاعدة.
تدلّ كلّ المؤشّرات على خطورة الرجل وقدرته على إعطاء نفس جديد للقاعدة لكن هل ستقبل المجموعة القريبة من الظواهري أن تبايعه، لا سيّما مع وجود أسماء أخرى مثل خالد البطرفي زعيم فرع التنظيم بالجزيرة العربية واليمن أساسا، والمغربي محمد أباتي صهر الظواهري والسعودي سلطان العارف؟
صدر هذا المقال في مجلّة حروف حرّة، العدد الثاني، أفريل 2021، ص ص. 4-5.
لتحميل كامل العدد: http://tiny.cc/hourouf2