حضور اللغة الأمازيغية في تونس : هوية عريقة وتجاهل حكومي
|بقلم: هشام الزعبي
في إطار البحث عن فضاء أرحب للهوية في البلاد التونسية داخل الزمان وداخل المكان، يندرج التطرق إلى مدى حضور البعد الأمازيغي في بلدنا مجسما في اللغة الأمازيغية التي تذهب بنا في رحلة إلى زمن ما قبل العربية في تونس- أي قبل القرن السابع ميلادي – وتفتحنا على أماكن في بلادنا تتخذ من الأمازيغية رمزا لخصوصيتها وتبحث عن آفاق للاعتراف بها من طرف المجموعة (الأغلبية) كمكوّن يثري الثقافة التونسية ويضفي على الهوية طابع الثراء والتعدد ويعطي للمواطنة معنى أشمل لا يقصي الاختلاف.
اللغة الأمازيغية
اللغة الأمازيغية هي واحدة من اللغات الأفروآسيوية وهي عائلة كبيرة من اللغات من ضمن مكوناتها التشادية والأثيوبية والمصرية القديمة .
وتسمى الأبجدية الأمازيغية بالـ”تيفيناغ” والمرجح أن هذه الكلمة تعني الفينيقية مع إضافة تاء التأنيث. وتعود أصول الأبجدية الأمازيغية إلى مرجعية قديمة جدا مثل الفينيقية والهيروغليفية.
وتنتشر اللغة الأمازيغية أساسا ببلدان المغرب العربي إضافة إلى أقليات بشمال مالي وغرب وشمال النيجر وكذلك شمال بوركينا فاسو وموريتانيا .
جغرافية الأمازيغية في البلاد التونسية
حسب تقديرات مختلفة يتراوح عدد التونسيين المتكلمين بالأمازيغية بين 40 ألف و50 ألف. وهناك بعض التقديرات التي تعطي رقم 500 ألف أمازيغي في تونس .
وأبرز تركز أمازيغي موجود في ولاية قابس حيث ما يعرف بالثالوث الأمازيغي الذي يضم ثلاث قرى متجاورة وهي تاوجوت ، تمزرط والزراوة إضافة إلى قرى تابعة لجربة مثل قلالة وسدويكش مع بعض القرى بتطاوين مثل شنني والدويرات.
ويتميز الأمازيغ في تونس بتشبثهم بلغتهم التي تمثل بالنسبة إليهم رابطا بالأجداد والأسلاف فالصغير يُلقّن الأمازيغية قبل العربية. ورغم الانفتاح على العامية التونسية إلا أن الكثير من الأمازيغ ظلوا متميزين بنوع من السياسة الحمائية ثقافيا حتى أنهم يرفضون أحيانا الزواج ممن لا يتقن الأمازيغية (بالأمازيغية تبيت أي غريب) خوفا من اندثار ثقافتهم المميزة .
حضور الأمازيغية في اللهجة التونسية
تحتوي اللهجة التونسية على عشرات الكلمات الامازيغية . ومن باب الفائدة فيما يلي قائمة ببعض الكلمات الأمازيغية التي قد نستعملها بشكل يومي دون دراية فعلية بأصلها البربري :
” للا ” : المرأة المبجلة / نانا : الجدة / شلاغم : الشوارب / بكوش : أبكم / ممي : رضيع أو طفل صغير / ينجم : يمكن له / فكرون : سلحفاة / كرومة : عنق / البسيسة / غشير /سفنارية / بلوطة .
. ومن هذا المنطلق يمكن اعتبار الشعب التونسي متكلما جزئيا بالأمازيغية. وما نلاحظه هو أن أغلب الكلمات الأمازيغية في العامية التونسية هي عبارة عن مسميات لما هو متداول مع بعض الصفات في حين تغيب الكلمات الدالة على المشاعر والمعبرة عن أمور مجردة.
تعامل السلطة مع اللغة الأمازيغية
منذ الاستقلال حاولت الحكومات تقديم الأمازيغ كسلعة سياحية مع تناسي رغبتهم في إحياء هويتهم الثقافية. فبالنسبة إلى بورقيبة، فقد كان معروفا عند الأمازيغ التونسيين بعدائه للغة الأمازيغية من وجهة نظره الساعية إلى توحيد التونسيين تحت مظلة لغة واحدة وثقافة واحدة. حيث كان الأمازيغ يتعرضون للتضييق أمام محاولاتهم لفرض لغتهم داخل الفضاء العام. كما رفضت الحكومات التونسية كل المطالب بإدراج اللغة الأمازيغية في المناهج الدراسية .
ومما نلاحظه كذلك هو الغياب التام للغة الأمازيغية في وسائل الإعلام التونسية عكس الحال في كل من الجزائر والمغرب الأقصى حيث توجد قنوات حكومية ناطقة بالأمازيغية .
وفي هذا الصدد يقول رئيس الجمعية التونسية لثقافة الأمازيغ جلول غاقي : “إن رؤساء تونس قبل الثورة قمعوا اللغة الأمازيغية بدعوى أن الحفاظ على وحدة البلاد يعتمد على لغة مشتركة “.
من جهتها تقول مهى الجويني، وهي من المدافعين عن حقوق الأمازيغ في المغرب العربي، أن ”تعامل الحكومات التونسية مع ملف الأمازيغ اتسم بالكثير من الغموض“.
بعد الثورة، أكّد دستور 2014 على الهوية العربية الإسلامية للبلاد التونسية مع تناسي البعد الأمازيغي . وفي هذا الإطار حاول الأمازيغ من خلال جمعيات المجتمع المدني مثل “الجمعية التونسية لثقافة الأمازيغ” إنقاذ اللغة الأمازيغية من الاختفاء مطالبين بمعاضدة مجهوداتهم من طرف المؤسسات الحكومية.
وفي سنة2019، عبر الأمازيغ عن رغبتهم في خوض غمار التجربة السياسية عبر حركة تمثلهم لكنهم فشلوا في الحصول على التراخيص اللازمة، حيث أعلنت حركة أكال (أكال هي كلمة أمازيغية وتعني الأرض) الأمازيغية التحول من حركة ثقافية إلى حركة سياسية ناطقة باسم الأمازيغ وقالت الحركة إنها “ستكون حزبا ديمقراطيا تقدميا اجتماعيا وأنها ستدافع عن التنوع الثقافي والحضاري في تونس وتجعل من أمازيغية شمال إفريقيا مرجعية رئيسية في تصوراتها “.
ما نخلص إليه هو التنافذ اللغوي وبالتالي الهووي بين “التونسية” و”الأمازيغية” بحيث يصبح التمييز بينهما صعبا. وهذا ما يدعونا إلى مساءلة الفصل الأول من الدستور الذي ظلّ يؤكد على بعد لغوي واحد (العربية) تتبناه الدولة وتدافع عنه في برامجها التعليمية والثقافية والإدارية وهو ما لا يرضي مطلب التعدد والاختلاف . فهل يمكن في هذا الإطار أن تكون الدولة جهازا محايدا لغويا ويرعى كل الاختلافات في اللغة وفي الأبعاد الثقافية الأخرى ؟
نشر هذا المقال في مجلّة حروف حرّة، العدد العاشر، ديسمبر 2021، ص. ص. 18-19.
للاطلاع على كامل العدد: https://tiny.cc/hourouf10