الثورة الفكرية بعد ثورة الكرامة والحرية
|رحل نظام الدكتاتورية وها نحن اليوم انتخبنا نظاماً تحملنا فيه مسؤولية اختيارنا وبقي حال المنتخب كما عهدناه فالتصرفات والسلوكيات في المجتمع التونسي لم تتغير ولم نلتمس بوادر التغيير سواء تعلق الأمر بالتصرفات بين المحكومين أو التصرفات بين الحاكم والمحكوم. فالحرية نالها الشعب منذ أكثر من عام ولكنها تحولت إلى سلوك همجي من استغلال لهذا المناخ لتبادل السباب والشتائم، كوصول طرف إلى السلطة بطريقة عادلة وتعرضه للعراقيل من طرف من قبل قواعد اللعبة، أو عدم احترام للقوانين والقواعد البديهية والتي لا تحترم إلا بوجود رقيب عليها كالعلامات المرورية الضوئية. إن الحرية مصطلح مطلق يحمل في مفهومه الجانب الإيجابي الذي يؤدي إلى تبلور أدوات حكم و وسائل تعامل اجتماعي ترقيان بالمجتمع كما يمكن أن تؤدي نفس الحرية إلى فوضى وصراع يؤديان إلى القبول والتسليم بضرورة الاستبداد والحكم المنفرد . وبالتالي فإن الحرية ليست هدفاً في حد ذاته بقدر ما هي مناخ يفتح الباب أمام العقل والفكر لاختيار حل صائب من جملة احتمالات متعددة منها التي ترجع بنا إلى مناخ اللاحرية. لذلك فالعقل والفكر هما الهدفان الأساسيان للتغيير وليس النظام في حد ذاته. يبقى السؤال المطروح: كيف نغير العقلية والفكر ؟ صحيح بأن العقل يتأثر بالماضي و يجعل من التصرفات والسلوكيات والأفكار السابقة مثالا يجب تكريره في المستقبل خاصة عند النشأة والطفولة وهي فترة يقبل فيها العقل كل شيء مسقط دون أن تكون ملكة النقد لديه متطورة بحيث لا تجعله يميز بين الإيجابي والسلبي. وبالتالي وإن كنا ضحية إسقاطات فكرية رسخت في لاوعينا فإن ذلك لا يجب أن يقودنا إلى الاستسلام لواقعنا وحالة فكرنا المعيقة بل يجب أن نتحمل مسؤولية بناء ونشأة جيل نمرر له فكراً سليما لا يقوم على الأفكار والآراء الشخصية الملوثة التي مررت لنا، نتيجة عدة عوامل اجتماعية ثقافية تربوية من داخل الأسرة و خارجها ، بل على أفكار موضوعية (ولنكن موضوعيين وأمناء مع أبناء الجيل القادم)، حتى تكون حرية الجيل القادم متناغمة مع فكر بناء يحقق ثورة فكرية بأتم معنى الكلمة.