تاج الكنوز في المفاضلة بين أمّ كلثوم وفيروز
|
بقلم: حمزة عمر
إعلم يا رعاك الله أنّ هذا أمر طال فيه الجدل من قديم الزمان، والناس كما علمت فريقان، فمن قائل أنّ الموسيقى عند العرب الطرب، وما سوى ذلك غير لعب، وأمّ كلثوم سيّدته لا كذب، ومن قائل أنّ الطرب صنو المنام، ولا فنّ سوى ما أذكى الأحلام، وفيروز ملكته بلا كلام. فرأينا أن نقول في ذلك فصلا، لا يترك لزاعم سوانا قولا.
وبعد فقد علمت أنّ الغناء، كلمات ولحن وتوزيع وأداء، وكلّ منهما لها في ذلك ما تكون به عن صاحبتها سابقة، والأمر جليّ لكلّ ذي ذائقة.
أمّا عن الكلمات، فقد سار شعراء الستّ في ذلك أكثر الأمر على السنن القديمات، من عين وليل وصبّ ووصال، وهجر وعتاب وبعد وآمال، أما ابنا حنّا فقد فتحا للشعر بابا جديدا، لم يكن من قبلهما مقصودا، إذ تنزّها في حقول الخيال، وجاءا برقيق غلاّت البال، وغاصا في كلّ معنى دقّ، وحازا في ذلك قصب السبق.
أما عن الألحان، فقد لحّن لأمّ كلثوم الأقطاب، من القصبجي إلى السنباطي إلى بليغ إلى عبد الوهاب، كلَ منهم وضع على أغانيها بصماته، وأسبغ عليها من بديع لمساته، فيما فيروز لم تكد تعرف لغير الأخوين لحنا، وهما وإن استخرجا من كلّ زاوية فنّا، إلا أنّ التفنّن قد يعتريه الإعياء، فتتشابه النغمات كما يشبه الماء الماء.
أمّا عن التوزيع، فالقول فيه سريع، فما تفرّد فيه أحد كما فعل الأخوان، شهد بذلك كلّ فنّان، وللست نفسها في ذلك قول فاصل، أن لا يطمع في منافستهما في ذلك آمل.
أمّا الأداء، فأخال أنّه مبعث اختلاف الآراء، فلا شكّ أنّ لأم كلثوم صوتا قويا، يهزّ النفس هادرا نقيّا، ومن في قوة الصوت إياها يجاري، ومن يشاري في ذلك أو يماري، لكن أأحسن الأداء أقواه، أم هناك خلال أخرى تجري مجراه، ففيروز إن غنّت بصوتها الّذي يتفجّر نورا، حرّكت من بواطن الروح ما كان مستورا، فترى السامع يهتزّ حبورا، أو يجبر خاطرا كان مكسورا، لا تحتاج في ذلك أن تطال أعلى الدرجات، أو تدخل في لعبة الاستعراضات.
وصفوة القول عندي أنه إن أخذت الأغاني منفردات، فلربّما وجدت ما غنّته أم كلثوم هنّ المفضلات، أما إذا رأيت في الفنّ مشروعا كاملا، لكل تفاصيل الحياة سائلا، فالكفّة إلى فيروز والأخوين هاوية، لا تُسمع في ذلك لاغية، وإلى ذلك الرأي نميل، وبه نقول.
نشر هذا المقال ضمن مجلة حروف حرّة، العدد الخامس، جويلية 2021، ص. 16.
كامل العدد متوفّر على الرابط التالي: