في أقصى التطرّف… ما علاقة التونسيين بالتيّار الحازمي في داعش؟
|بقلم: أنيس عكروتي
تزامنا مع توسّع الرقعة الجغرافية للدولة الإسلامية خصوصا على مستوى محور سوريا – العراق أواسط العقد الثاني من القرن الحالي، عرف التنظيم الجهادي تصدّعا داخليّا نتيجة لخلافات ايديولوجية عميقة كادت أن تعصف بما تمّ إنجازه من نجاحات عسكريّة ميدانيّة، خلافات هدّدت حتّى بقاء التنظيم على قيد الحياة.
انقسم التنظيم إلى تيّارين رئيسيّين، تيّار أغلبي عُرِفَ بالـ “بنعليّين” نسبة إلى تركي البنعلي الّذي كان يتولّى خطّة القاضي الشرعي للتنظيم قبل مقتله في غارة أمريكية على مدينة الرقة في أواخر شهر ماي من سنة 2017، وتيّار أقلّي عُرِفَ بالحازميّين نسبة إلى عمر الحازمي وهو شيخ سعودي لم يثبت انضمامه لتنظيم الدولة الإسلامية بشكل رسمي ولكنّ حظوته لدى بعض عناصر وأنصار “دولة البغدادي” فاقت مكانة الخليفة ومعاونيه إلى أن وصل الأمر إلى حدّه الأقصى حين صدرت الفتاوى بتكفير البغدادي وكلّ قيادات التنظيم والعناصر التّي تبايعه.
دفع دويّ صفّارات الإنذار قيادة الدولة الإسلامية تتحرّك وتقوم بحملة تطهير واسعة ضدّ الحازميّين أو من وصفهم الجناح الإعلامي الرسمي (الهيئة المركزيّة للإعلام) بالغلاة والخوارج ووجهت لبعضهم اتهامات مباشرة بالتورط في تسهيل عملية اغتيال قيادات بارزة من بينهم قاضي التنظيم تركي البنعلي ونائب الخليفة أبو محمد العدناني.
جوهر الخلاف كان حول مسألة عقائدية وهي “العذر بالجهل”، فالحازمي وأتباعه يقولون بعدم العذر بالجهل أي أنّ الشخص الذي يثبت أنّه قام بفعل شركيّ جهلا بأصول التوحيد ونواقض الإسلام لا يُعذر بجهله وتجب إدانته بالتكفير وما يتبع ذلك من عقاب.
يذهب الحازمي إلى أبعد من ذلك، إذ أنّه يكفّر “العاذر بالجهل” أي ذلك الذي يعاين قولا أو فعلا شركيّا ولكنّه يلتمس العذر للفاعل نظرا لجهله بهذه المسائل الفقهية.
وبهذا أطلق الحازميّون بندقية التكفير المتسلسل على كلّ من خالفهم الرأي في هذه المسألة وصولا إلى الخليفة نفسه.
الملفت للانتباه في هذا الموضوع ليس التصدّع الذي عرفه التنظيم ولا تفاصيل الخلاف بين الفريقين المتخاصمين بل النسبة الطاغية للتونسيين داخل الجسم الحازمي وذلك بشكل جليّ إلى أن وصل الأمر ببعض الجهاديين إلى وصف الحازميين بالجماعة التونسية.
فماهي الأسباب التي جعلت عديد الجهاديين التونسيين يسلكون طريق الغلوّ القصووي؟
إنّ الكثير من السوريين على وجه الخصوص ينظرون إلى الجهاديين التونسيين باعتبارهم الأكثر تطرّفا مقارنة بمقاتلين أجانب من جنسيّات ليس فقط بسبب ظهورهم في عدّة أشرطة مرتكبين أعمال عنف وحشيّة بل لانخراط أغلبهم في الصراع بين البنعليين والحازميين بشكل فعّال.
رغم سيرته الشخصيّة التي يلفّها الغموض وشحّ المعلومات عنه، يُعتبر عمر الحازمي من أكثر الشيوخ متابعة من قبل الشباب على الوسائط الالكترونيٍة. وقد ثبت أنّ الحازمي، الذي يقبع حاليا داخل أسوار سجون المملكة العربية السعودية، زار تونس أربع مرّات بين شهر ديسمبر 2011 وشهر ماي 2012.
تمّ تنسيق زيارات الحازمي وما نتج عنها من نشاطات من طرف ما عُرف بلجنة مساجد حيّ الخضراء وجمعيّة الخير الإسلاميّة (والتي تم اعتقال رئيسها بتهمة تمويل الإرهاب). أشرف على الهيئة المذكورة أبو مهند التونسي القيادي في أنصار الشريعة وإمام جامع الرحمة بحي الخضراء غير بعيد عن العاصمة التونسية.
اشتملت هذه الزيارات كذلك على “دورة علمية” واحدة دارت بالجامع الكبير الحمايدية بمدنين جنوب تونس بين 14و16 ماي 2012 حول شرح المؤلف المعنون بـ”أعلام السنة المنشورة لاعتقاد الطائفة المنصورة” لحافظ الحكمي.
الحازمي، الذي كان يتنقل بكل حريّة ويقال حتّى أنّه كان يدير الدعوة في تونس في ذلك الوقت، قال في أحد دروسه التي ألقاها بأحد مساجد حيّ الخضراء أنّ كلّ من يعذر بالجهل في الشرك الأكبر كافر عالما كان أم عاميا ووصل حتّى إلى تكفير المتوقف في تكفير العاذر بالجهل.
ولم يقف نشاط الحازمي على الخطب والدروس والدورات الشرعية بل ساهم في تأسيس ما سمّي بمعهد ابن أبي زيد القيرواني لعلوم الشريعة، وهو ما ساهم في تشبّع العديد من الشباب التونسيين بمناهج الغلوّ والتكفير.
لقي العديد من التونسيّين مصرعهم خلال حملة التطهير التي نفّذها تنظيم الدولة الإسلامية بحقّهم، ومنهم قيادات سابقة لتنظيم أنصار الشريعة على غرار منسّق زيارات الحازمي لتونس أبو مهند التونسي وأبو جعفر الحطاب أحد أبرز شرعيّي التنظيم وأبو مصعب التونسي. وقد بلغ عدد التونسيين الذين لقوا حتفهم بـ”نيران صديقة” قرابة 150 عنصرا بين قيادات ومقاتلين.
تجدر الإشارة إلى أنّ خطب الحازمي بتونس يمكن الولوج إليها بسهولة عن طريق اليوتيوب من خلال قنوات تابعة لأنصار الشريعة ممّا يطرح التساؤل عن جدوى الرقابة الإلكترونية ومعايير النشر، فهي مواد إعلاميّة أشبه بقنابل موقوتة لا تقل خطورة عن شرح تفصيلي لكيفية زرع عبوة ناسفة!!
وفي خضّم الصراع الدائر بين أجنحة الدولة الإسلامية، لم يكن الحازمي الزائر الوحيد لتونس بل أنّ خصمه غير المباشر تركي البنعلي القاضي الشرعي السابق للتنظيم كان في زيارة خاطفة لتونس منتصف شهر أوت من سنة 2012 والتقى خلاله بسيف الله بن حسين المكنّى بأبي عياض وذلك بالجامع الكبير بمنزل بورقيبة وجامع القصيبة ببنزرت. نجد أنّه من الغريب أنّ تركي البنعلي، الذي سبق وأن اعتقلته السلطات البحرينية سنة 2007 بتهم الانضمام إلى إحدى الخلايا الإرهابية ومحاولة تفجير مسجد يرتاده مصلّين شيعة، يزور تونس بكلّ حريّة دون أي رقابة!!
ساهمت الزيارات المتكررة للحازمي والبنعلي وشخصيات مماثلة إلى تونس في إذكاء حدّة التطرّف لدى الشبّان التونسيين، وهو تطرّف طرق حتّى مجلس نوّاب الشعب فيما بعد. لا ننسى أنّه في الثالث من مارس 2020، صرّح محمد العفاس، النائب عن ائتلاف الكرامة ، خلال جلسة عامة بالبرلمان: “ما يلزمناش نستعارو من التكفير لانو حكم شرعي”.
صدر هذا المقال في مجلّة حروف حرّة، العدد الرابع، جوان 2021، ص. ص 4-5.
لتحميل كامل العدد : http://tiny.cc/hourouf4