هل فعلا كلّ شيء يحدث لغاية معيّنة؟
|بقلم: خولة القاسمي
تخيّل معي أن تكون حياتك مرتّبة وطبيعية، وكلّ شيء فيها يسير بشكل جيد، ثم فجأة ودون سابق إنذار، يحدث شيء لم تتوقّعه ولا تفهمه. وكأي شخص طبيعي يتعرّض لموقف مماثل، تتساءل بشكل تلقائي ”لماذا حدث ذلك؟”
لعلّ عبارة ‘كلّ شيء يحدث لغاية معيّنة’ من أكثر الفرضيّات الدّارجة في الحياة. قد تبدو الفكرة مستوحاة أساسا من الأديان التي تخبرنا أن لكلّ منّا قدرا مرسوما وأنّ كل ما يحدث في حياة كل منّا من خير وشر، يحدث لسبب معيّن، ولغاية قد نعلمها أو نجهلها. لكن ربما يتجاوز الموضوع فكرة القدر بما يحمله بين طيّاته. فهل يحدث كلّ شيء لغاية معيّنة فعلا؟
أعتقد أنّنا جميعا كبشر، نتعرّض بشكل مستمر لمواقف تجعلنا نتساءل عن مسبّبات حدوث الأشياء، إذ أننا نميل لفهم منطق الأشياء مما يجعلنا نربط كلّ حدث في حياتنا بغاية معيّنة، وحين لا ندرك الغاية المقصودة، نفسّر ذلك بكون ما يحدث مجرّد خطوة أساسية الخطّة التي رسمها لنا القدر.
أعتقد أنّ جزءا منّا يؤمنون بلا شكّ بكون كل شيء يحدث لغاية معيّنة لآخر رمق في حياتهم وبشكل ما يجدون ترابطا عجيبا وتفسيرا منطقيّا للغاية لكل تلك الأحداث، ولكن الآخرين يتوقّفون يوما ويفكّرون ” هل يمكن للإنسان أن يعيش مع حقيقة كون بعض الأشياء، وخصوصا السيئة منها تحدث بلا هدف؟ هل يعقل ألّا يكون هناك منطق خفي لكلّ الفوضى التي قد تحدث في حياة شخص ما وتغيّرها تماما؟”
حقيقة، لا يمكن معرفة أيّ الطّرفين على حق، أولئك الذين يؤمنون أن هناك سببًا لكل ما يحدث أو أولئك الذين يجزمون أنّ الأشياء تحدث بشكل اعتباطي؟ وعلى الأغلب كلاهما على حقّ.
جميعنا نريد أسبابا وغايات لإدراك الأمور، ويرتبط ذلك بتشكّل معنى الحياة في عقولنا. جميعنا نريد أن نؤمن أننا نعيش في عالم لا يتحوّل فيه أي من تعبنا أو ألمنا أو خيباتنا إلى هباء، نريد أن نعيش في عالم لا يضيع فيه شيء.
لعلّنا لا نريد أن ندرك أننا نعيش في عالم تحدث فيه أشياء رائعة ومأساوية في اللحظة ذاتها، وأن الحياة جميلة وغير عادلة في الآن نفسه، ولعلّنا لا نتمكّن من التعايش مع هذا التناقض، ولكنّنا ندرك في أوقات كثيرة أن هذا التناقض يسير بشكل متواز مع حياتنا.
لعلّ فكرة حدوث كلّ شيء لسبب معيّن تجعل الرّحلة أصعب، ربّما نحتاج أن نعيش ونحب دون احتساب التكلفة ودون الحاجة إلى سبب لحدوث كلّ شيء ودون التأكّد من عدم ضياع أي شيء..
ربّما يحدث كلّ شيء لغاية معيّنة، لا لأنّ تلك هي حقيقة الوضع، بل لأنّنا نمنح الأحداث سببا، ربّما نحن نخلق الأسباب ونصدّقها، لكن هذا لا يعني أنها حقيقية، بل قد تكون مجرد نسج من عقولنا وطبيعتنا البشرية المرنة وكي لا نفقد معنى هذه الحياة وكي لا نفقد الأمل.
ربّما لا يكون الافتراض الدارج لكون كل شيء يحدث لغاية معيّنة دليلاً على أن أي شيء يحدث لسبب ما، بل قد يكون مجرّد وجه آخر للأمل، ودليلا على أن الإنسان له طبع مقاوم، يجعله عند حدوث الأسوأ يفكّر ويحاول العثور على تفسير يمكّنه من مواصلة رحلته.
ورد هذا المقال ضمن مجلّة حروف حرّة، العدد الأوّل، ص. 13
كامل العدد متاح للتحميل على الرابط التالي:
https://tounesaf.org/wp-content/uploads/2021/03/Hourouf-Horra-01.pdf