الأرض سوق قماش..و الوطن عار
|من جديد يعود “القماش” ليغزو الساحة الوطنية فيملأ الدنيا و يشغل الناس..بالأمس كان الحجاب و اليوم صار النقاب القضية..و وسط الزحام علت التكبيرات للإله و الصلوات لوجهه و الدعوات لنصرة دينه..فما عاد يسمع صوت الوطن..كأن الأرض لم تك يوما هدية السماء!
عندما كنت طالبة أزاول تعليمي بال”معهد العالي للغات” أيام حظر ارتداء الحجاب داخل المؤسسات التربوية و كان “حسونة” الحارس بالمعهد يقف كل صباح عند البوابة ليمنع المحجبات من الدخول,أدركت كم أن التمييز على أساس اللباس ينتهك إنسانيتي و إنسانية كل محجبة أخرى و يمسنا في أبسط حقوقنا و أشدها حميمية…و اليوم أتفهم جيدا ما تستشعره منقبة تمنع من حضور دروسها أو من التسجيل بالجامعة حتى..انه أكثر الاعتداءات على الحرية الشخصية انتهاكا للإنسانية!
لكن عندما يرافق ارتداء النقاب داخل المؤسسات التربوية أعمال عنف يصبح ذلك انتهاكا لإنسانية كل طالب و طالبة آخرين داخلها و يجر المعهد أو الجامعة إلى دائرة العنف جرا بل و البلاد بأسرها..
و لأن شعبا لا زال يخطو برجلي رضيع على درب الديمقراطية لا يقوى على الوقوف ثابتا في وجه دعاة الردة و أحباء الظلام…و لأن مسلما بالوراثة متعبدا على ما وجد عليه آباءه و قومه لا يقدر على مجابهة الخطاب الديني المتعصب بغير التعصب له..و لأن امرأة علموها أنها تولد لتحمل معها عبء عوراتها إلى القبر لا تستطيع أن تفتكّ لنفسها فسحة في فضاء المجتمع إلا لتقبر فيها جسدها و عقلها معا…لهذا و ذاك تكون الدعوة للتنقب دعوة للوأد..و يكون النضال في سبيل الدفاع عن حق منقبة واحدة تحريضا على العنف..و في حضرة العصي و الهراوات يختفي الإله و يحضر الطاغوت…
كنا محجبات بالأمس و لم ينبر في الجامعات “رجل ذو دين” واحد للدفاع عنا..و يوم منعني ” حسونة” من دخول المعهد لم ينصرني “أمير المؤمنين ” و “شيخ الاسلام” فيه بل جعلت فتاة ماركسية, قد توصف اليوم بأنها “كافرة”, توبخ الحارس و تدفع عني أذاه!
ماذا تريد المنقبات اليوم؟؟يردن حضور الدروس يرافقهن محارمهن..يردن إبقاء غطاء الوجه حتى أثناء الترسيم, حتى أوقات الصىلاة!أين تجد المنقبات هؤلاء المحارم المتبطلين كي يرافقوهن في الجامعة و السوق و الأماكن العامة؟أي مذهب يقضي بستر الوجه و الكفين عند الصلاة؟..و هل يعقل أن يكون إشكال النقاب إشكال قماش فحسب؟ أم أنه لا يعدو أن يكون ورقة رابحة في لعبة مؤامرة قذرة؟
ان القماش وحده لا يحمي الشرف ..و اللحية وحدها لا تصنع الرجال.. و الصلاة مع الجهل و حدها لا توصل المرء إلى القمر بل لا تصنع مجد وطن..و الدين إذا لم يصاحبه العقل كان بحق أفيون الشعوب…