الكبت الجنسي والإرهاب
|بقلم: أنيس عكروتي
وأنا بصدد متابعة بعض إصدارات القسم الإعلامي لتنظيم ” الدولة الإسلامية “، لفت انتباهي مقطع مرئي (صدر في شهر نوفمبر 2016) يصوّر بكاء مقاتل ينتمي للتنظيم وهو يستجدي المسلمين (وخصوصا الشباب منهم) للنفير وملاقاة الحور العين بالجنة.
في السياق نفسه، تم تصوير مقاتل آخر بصدد لفظ أنفاسه الأخيرة وهو يستحضر ” نساء السماء “.
وهنا نجد أن المقاطع الصوتية والمرئية وحتى الخطب الدينية كثيرا ما تشير إلى هذا المعطي المغري لشباب العالم العربي والإسلامي.
حتى أن مغنّي الراب السابق التونسي ” أمينو ” والذي عرف بعد التحاقه بتنظيم الدولة الإسلامية بكنية أبي الأمين التونسي، وفي إطلالة مرئية ظهر مؤديا لأنشودة ذات لهجة خليجية بعنوان ” ألا يا لالي يا لالي طرت في خاطري وبالي “.
و هي تتغنى بالحور العين وتقارنها بنساء الأرض.
” أنا مـا قـصـدي بـنـيـة تـهـز الـوسط كالحية ” (وهنا يبرز الجانب النفسي الذي يفسر الشخصية الانفصامية لعدد كبير من شباب العالم العربي والإسلامي، الشاب الذي يريد بلوغ المتعة الجنسية ويميل للحفلات الصاخبة وكل ما يصاحبها من وسائل النشوة. ثم سرعان ما يصاب بالشعور بالندم وكره الذات والآخر.
نجده خلال لحظات انفعالية يوجه وابلا من الشتائم والنعوت الجنسية اللاأخلاقية للمرأة معتبرها كائنا شيطانيا يفسد عليه رغبته في التوبة…
و يواصل قائلا : ” حـور الـعـيـن تسبيني أيـا رباه تـعـطـيـنـي * وتثبتني عـلى الديني وبالفردوس أماشيها
كـواعـب صدرها تـبـدو إذا راحت وإذا تغدو * ومنظرها وهي تعدو تنسى الدنيا ومافيها ”
و هنا يتبين المخيال الجنسي في سرديات التيارات السلفية (وحتى بقية التيارات والمدارس والمذاهب الإسلامية) وكأننا أمام مقطع غزلي إباحي لأحد الشعراء العرب.
هذا المخيال استند إلى الأحاديث المنقولة والواصفة للجمال الجسدي للحور العين بشكل تفصيلي فيه كثير من المبالغة والإغراء الجنسي الجذاب.
و تجدر الإشارة أن هناك آراء أخرى تفيد بعدم صحة ما ذهب إليه المفسرون الأوائل بخصوص هذه المسألة.
و حسب موقع ” فكر حرّ “، فإن الآية القرآنية المثيرة للجدل كتبت بعد تنقيط حروفها بالقرآن وأصبحت ذات معنى مختلف هي (وكذلك زوجناهم بحورٍ عين).
قال علماء اللغات القديمة جميعاً أنها كلمات سريانية تقرأ بعد حذف التنقيط من الحروف: (وكذلك رَوّحناهُم بـحورِ عِين) وليس زوجناهم، ويبدو واضحاً تفسير “روحناهم” هو “أرحناهم أو رفهنا عنهم”.
والمشكلة في القراءة العربية هي في حرف (الباء) المتصلة بكلمة حور (ب حور) وتعني الباء بالسريانية: (بين)…أما (حور) في السريانية هو العنب الأبيض، و”حور” تستعمل بالعربية للدلالة على البياض، والحوراء هي الفتاة ذات البياض الواسع في العينين. وتصبح (بحور) بالسرياني (بين العنب الأبيض)
وكلمة (عين) حسب السريانية هي عين الماء أو نبع الماء قرب عرائش العنب. وليس عين امرأة حوراء جميلة…
وبذلك يصبح التفسير السرياني الكامل لهذه الآية حسب علماء اللغات السريانية الآرامية والمستشرقين هو: سنريحهم (المؤمنين) أو نرفه عنهم بين عرائش العنب الأبيض قرب نبع الماء.
و يذهب عدد من رجال الدين إلى تفاصيل أخرى، كالقول المتواتر بأن الرجل له في الجنة على الأقل حوريتان وكل حورية لديها 70 وصيفة.
الحورية حلالك والوصيفة كذلك، وإذا كنت متزوجا فعلى كل زوجة تنال 70 حورية ومعها وصيفاتها..
هذا عدا الحديث عن القوة الجنسية وقدرة الرجل في الجنة على ممارسة حياة جنسية يومية نشيطة.
كل هذه السرديات تخاطب مباشرة عاطفة الشاب المسلم وتجعله متحمسا للتسريع بملاقاة الحور العين عبر عملية انتحارية.
هذه العمليات منفذوها أغلبيتهم شباب في مقتبل العمر ونجد حتى مراهقين.
على سبيل المثال بلغ معدل أعمار منفذي عملية 11 سبتمبر من سنة 2001، 24 عاما.
و نجد عموما أن منفذي العمليات الانتحارية هم من غير المتزوجين وتتراوح أعمارهم ما بين 16 – 30 عاما أي ذروة الرغبة الجسدية الجنسية.
وغالبا ما نجد في وصايا الانتحاريين شوقا كبيرا للقاء النساء الموعودة وحسدا من بقية المقاتلين على هذه الفرصة الذهبية.
يقول المحلل النفسي «كارل يونغ»: «إن الكبت الجنسي ليس مجرد كبت غريزة، بل إن خطورته تجعل الإنسان يتدهور روحياً ومعنوياً، عذاب نفسي وإحساس عميق باليأس وانعدام القيمة، الجنس هو طاقة حيوية وإيجابية تعمل على توازن الشخص روحياً ومعنوياً، والمكبوتين جنسياً يشعرون أن مرتبتهم الإنسانية قد هبطت إلى مستوى المعوق أو المجنون».
وهنا يجد الشاب المرهق نفسيا واللامستقر اجتماعيا (خصوصا في البلدان العربية ذات معدلات البطالة العالية والتي تعاني منذ مدة من أزمة إقتصادية إجتماعية خانقة) نفسه أمام طريق مفتوح لنيل ضالته في جنة السماء فيفجر جسده ليتلاشى خلال ثوان معدودة في لحظة غليان نفسي كبير.
في هذا الإطار تطرق إبراهيم الحيدري من خلال كتابه ” سوسيولوجيا العنف والإرهاب ” إلى الأبعاد المفسرة لظاهرة العنف.
من ناحية العامل النفسي أفاد بـ” أن أغلب النظريات التي تفسر ظاهرة العنف تعود إلى مؤسس مدرسة التحليل النفسي سيغموند فرويد وآراءه بصدد غريزة العدوان.و يتفق أغلب علماء التحليل النفسي بأن العنف والعدوان ليسا مجرد دافعين للتدمير أو لعقاب الذات، وإنما هما طاقة عقلية عامة ويلعبان دورا كبيرا في الصراعات العقلية وبدرجة تماثل الدافع الجنسي وما يثيره هذا الدافع من اضطرابات وصراعات نفسية وسلوكية.كما يرى علماء التحليل النفسي أن طاقة الليبيدو أي الطاقة الجنسية (فرويد) ، بامكانها الاندماج مع الطاقة العدوانية مما يوفر طاقة إضافية للأنا (الذات) .”
هذا فضلا عن العوامل الأخرى كالبيولوجية والإجتماعية…
ختاما، أرى أن إدماج الثقافة الجنسية في مسالك التدريس بمختلف مستوياته وتفعيل دور الإخصائيين الاجتماعيين والنفسيين داخل الأوساط التربوية هما أمران ضروريان للوقاية من الانجرار نحو مربعات العنف والانغلاق.