“في حضرة الله” للطفي بوشناق: بين العشق والفلكلور
|بقلم: حمزة عمر
لم يكن اختيار عرض لحضوره ضمن مهرجان “روحانيات” أمرا هيّنا. البرنامج دسم للغاية، ومعلوم التذاكر مرتفع (40 دينار)، بما لا يدع مجالا لحضور أكثر من عرض واحد. لطفي بوشناق كان الحلّ الآمن، باعتبار غزارة انتاجه وحرصه على الاجتهاد، وما سبق أن قدّمه في مجال الإنشاد الديني، والعنوان المغري للعرض “في حضرة الله”. كلّ ذلك، إضافة إلى شيء من الحميّة الوطنية وحرص على تشجيع “الإنتاج التونسي”، حسم الأمر لصالح حضور هذا العرض بالذات بفضاء النجمة الزهراء يوم 24 أوت.
كان التقديم يبشّر بالكثير، إذ أشير إلى تعامل لطفي بوشناق مع الشاعر السوري عماد الدين طه، ممّا أوحى بوجود اشتغال حقيقي لإعداد العرض. لكنّ ملامح الجديد لم تكن واضحة كثيرا، إذ طغت على أغلب فقرات الحفل قصائد وأزجال معروفة للجمهور (كـ”البردة” وقتلني”). وحتّى في هذه الاختيارات، لا يبدو أنّ انتقاء النصوص كان منسجما كثيرا مع ما يطرحه المهرجان، كرحلة بحث عن العشق الإلهي، ولا حتّى مع عنوان العرض ذاته. جزء كبير من القصائد كان في مدح الرسول صلّى الله عليه وسلّم (ربما كان العنوان الأنسب “في حضرة الرسول”)، دون أن ترتقي عموما إلى ذرى جمالية عالية، بل أنّ بعض الكلمات كانت أقرب إلى الركاكة كما في القصيدة التائية التي من قوافيها قوله “خمسين بالمائة” ! الإطار كان يوحي بالتسامي عروجا إلى السماء، غير أنّه انزاح من تفرّد التصوّف إلى “كليشيهات” الفلكلور، وهو ما بدا جليّا في الأغنية الختامية “انزاد النبيّ” الأكثر ملائمة لجو الأعراس منها لمهرجان يحتفي بالروحانيات. الروحانية كانت في درجتها البدائية، أو درجتها الصفر… روحانية “شعبية” لا تملأ النفوس ولا تحلّق بها عاليا.
على أنّ ذلك لا يعني أنّ العرض لم يكن ممتعا. عليك فقط أن تتقبّل الصدمة الأولى، وتخفّض من سقف انتظاراتك، وتستمتع كما في حفل “عادي”، لا حفل “روحاني”. تسلطن لطفي بوشناق، وأطرب، بل وانتقل إلى تنشيط الجمهور وقيادته في الإنشاد، وكان أداؤه في “نغنّي لنحيا” وما حفّ بها من تنويعات عشقية مميّزا. كما فاجأ الحاضرين بإلقائه لقصيدة مؤثّرة عن العراق، في حضور سفيره.
ولئن كان فضاء “النجمة” الزهراء” فضاء بديعا دون شكّ، فإنّ مكانه يستدعي بذل مجهود أكبر لإنجاح التنظيم. فمأوى السيّارات كان ممتلئا عن آخره، ممّا يضطرّ الجمهور إلى صعود ربوة سيدي بوسعيد على القدمين، ولم يكن هناك لافتات تدلّ على المدخل المخصّص للحفل (اضطررنا إلى السؤال عديد المرّات). كما أنّ وجود الفضاء وسط حيّ سكني يجعله عرضة بسهولة للتشويش، حيث أشار عضو لجنة التنظيم هشام رستم في كلمته (المطنبة) إلى اضطرار المنظمين خلال العرض السابق إلى استدعاء الأمن للتدخّل إزاء الضوضاء الصادرة عن عرس مجاور.