“قصّ الراس تنشف العروق”
|بقلم: أنيس عكروتي
“قصّ الراس تنشف العروق” هو مثل شعبي تونسي للدلالة على جدوى وفعالية تصفية رأس كيان ما حتى تنهار بقية الأجزاء…
حديثنا اليوم يتنزل في هذا الإطار وبصفة أدق عن مدى تأثير اغتيال أو وفاة أو اعتقال قيادات الجماعات الارهابية ” السلفية الجهادية ” على استقرار وصلابة التنظيم.
عموما وحسب أغلب الأمثلة التي تم درسها فإن هذه التنظيمات تغير بنيتها وهيكلتها وطرق تسييرها وآليات التواصل الداخلي حسب ظروف داخلية (الصراعات التي تشقها) أو حسب ظروف خارجية (حسب درجة التواجد الفعلي للتنظيم على الأرض خصوصا أثناء الحروب أو الملاحقة الاستخبارية).
مثلا وخلال تناولنا لتنظيم القاعدة، نرى بكل وضوح مركزية التنظيم أثناء اقامته بافغانستان تحت حكم امارة طالبان. فتمتعه بالحماية هناك سمح له بإنشاء هيكلة ترتكز على القائد ” أسامة بن لادن ” الذي يتميز بشخصية قيادية ويملك الخطابة اللازمة ليثبت نفسه ملهما لعدد كبير من الشباب (خصوصا) ومشجعا لهم للانضمام الى شبكة ” الجهاد العالمي “.
وجود الظواهري وقيادات اخرى الى جانبه في افغانستان أو في باكستان (منطقة وزيرستان)، دعم ارساء مركزية التنظيم وعزز قدرته على التواصل بالمشرفين على “الولايات” أو أمراء الحرب في أكثر من منطقة ساخنة.
لكن مع بداية الحرب الامريكية على افغانستان تم اغتيال واعتقال عدة قيادات عليا ووسطى والأهم من ذلك أنه تم اخراج حركة طالبان من الحكم وتشتيت اوصالها ودفعها بالتالي نحو حرب العصابات داخل معاقلها التقليدية (قندهار مثلا لارتباطها بالعرق البشتوني) أو للهروب نحو الجبال الوعرة.
هنا اضطرت القاعدة لتغيير بنيتها الهيكلية وأصبحت تحاكي التنظيمات العنقودية التي تتحرك في شكل مجموعات صغيرة قلما ما يرتبط بينها تواصل مباشر.
أصبح بالتالي منصب القائد منصبا ” روحيا ” يستلهم أعضاءه منه الحماس والدعم المعنوي والتشجيع نحو ” النفير”.
زد على ذلك فإن شخصية الظواهري كانت صدامية وغير قادرة على التجميع والتأليف بين عناصر التنظيم، وكلنا نتذكر ” التمرد ” الذي قام به أبو مصعب الزرقاوي أمير التنظيم في العراق الذي كان تعامله مع الظواهري يتميز بكثير من الجفاء وأحيانا حتى الحدة وعصيان الأوامر والدعوات المتكررة من الظواهري لانتهاج أساليب أقل عنفا من قطع رؤوس الرهائن على المباشر أو تفجير الاضرحة والمساجد.
نعود الآن إلى الإشكالية الاساسية المتعلّقة بتأثير غياب القيادات على نشاط التنظيم، حيث نجد انحسار كبيرا لعمليات القاعدة بعد إشهار خبر مقتل بن لادن ومن ثم عودته إلى نسق أكثر ارتفاعا بعد أكثر من سنة، من خلال هذا نستشف أهمية القائد والمحيطين به بدرجة أقل خصوصا إذا كان في حجم اسامة بن لادن.
غير بعيد عن مثال القاعدة نجد أن حركة طالبان باكستان تم ضرب هيكلتها المركزية داخليا من خلال صراعات شديدة بين قيادييها وصلت الى حد التصفية الداخلية (شهيد الله شهيد القائد السابق للتنظيم تم اغتياله بطائرة أمريكية استنادا إلى وشاية من أحد عناصر الحركة غالبا) وحتى الانشقاق (المثال نفسه شهيد الله شهيد أراد مبايعة البغدادي والانضمام الى تنظيم الدولة الاسلامية صحبة عناصر اخرى).
حركة طالبان وبعد مقتل القائد المؤسس الملا عمر (والمتغيب لفترة طويلة قبل ذلك نظرا للحرب الاميركية في 2001) كذلك لم تعرف قيادتها الاستقرار وتغيرت الاسماء في أكثر من مرة وخرجت معها أصداء الصراعات الحادة إلى العلن.
أما تنظيم البغدادي (الذي أعلن عن مقتله قبل ايام ولازال الخبر غير مؤكد) فظل محافظا إلى حد ما على هيكلته المركزية رغم خسرانه لنسبة كبيرة من الاراضي في سوريا والعراق..
هذا التنظيم شكل استثناء لما سبق طرحه فمع تركيز قيادة شاملة لأكثر من مجال (خصوصا بعد إعلان ولادة دولة الخلافة حيث أصبح شبيها بدولة الحزب – الدولة) ظل يزرع عدة عناصر وخلايا محدودة العدد وأعطاها الضوء الأخضر للقيام بعمليات فردية دون الرجوع بالنظر للموافقة الرسمية للقيادة.
و هذا ما رأيناه مجسدا في أكثر من عملية في أروبا خصوصا من تنفيذ ” الذئاب المنفردة “.
ربما مع الإعلان الرسمي عن مقتل البغدادي (ان صدق ذلك) سنتجلى مدى تأثير غيابه على تماسك التنظيم مع انني استبعد ذلك أولا نظرا للغياب المطول للخليفة عن الظهور الاعلامي وبالتالي هذا يضعف من شعبيته وثانيا لان هذا التنظيم قام ببناء هيكلة ومؤسسات أقرب إلى الدولة منها من مجرد تنظيم.