العمل حياة
|بقلم: عفراء معيزة
لا يخفى علينا ما عانته الطّبقة العاملة إثر الثّورة الصّناعية في رحم المجتمع الإقطاعي حيث نشأت الرّأسمالية واستغلّت بشدّة وبكلّ ما أوتيت من نفوذ بساطة العمّال ورغبتهم في العمل لا من أجل الكمال ولكن من أجل العيش والمال.
هيمنت العلاقات الرّأسمالية، وافتكّت البورجوازية أراضي الفلاحين وانتزعت منهم أقل ما يملكون لينهار الحرفيون ويبقى جيش من البطالين الذين لا يملكون شيئا سوى صحة سواعدهم وقوة عملهم التي يبيعونها بأبخس الأثمان -رغم غلائها- للرأسماليين الذين يستغلون قلة حيلتهم وعددهم الكبير. وبهذه الصورة والطريقة الاستغلالية توسعت الطبقة العاملة بسرعة كبيرة رغم أنه لم يكن يأتيهم من أرباح جهدهم ومشقة عملهم إلاّ القليل القليل بينما يذهب فائض الإنتاج إلى جيوب الرأسماليين ليزيد ثرائهم يوما بعد يوم موسّعين بذلك مشاريعهم مستغلين عمالا جدد.
لن نمرّ دون أن نذكر ما كان يعانيه العمّال في ذلك الوقت من أجور زهيدة لا تكفي إلاّ لرغيف خبز لا يسمن ولا يغني من جوع فقط لعيش يوم آخر وبيع جهدهم وعملهم لليوم الموالي. لم تكن حياتهم مثالية فقد يضطرّ بعضهم ولشدة الظروف وقسوتها مقاومة للجوع والموت البطيء أن يشغّلوا زوجاتهم وأولادهم ليصير الجميع عبيدا للرّأسماليين المتكالبين على امتصاص أية قوة كامنة في سواعد الفقراء كما يمتص مصاص الدماء الدم من فريسته لآخر قطرة تكمن فيها.
أجور ضعيفة، ساعات عمل طويلة، حالات مزرية، فقر متفاقم، ظروف عمل شاقة للغاية ولا أحد يهتم لهذه الطبقة العاملة طالما أنها تدرّ عليهم ربح جيدا، فالرأسماليون يستنزفون كل الطاقات الموجودة من أجل الكسب والربح.
وكما يقول المثل “ما من شيء يصل إلى حده إلا وانقلب إلى ضده” بدأ العمال يشعرون بقسوة العمل وظروف عيشهم والاستغلال المريب لطاقاتهم فبدؤوا مسيرتهم النضالية في سبيل العيش الكريم وتحسين أوضاعهم المادية.. ولكن قلّة وعيهم حينها لم تسبب لهم إلا السّجن أو البطالة والجوع والموت عقابا لهم على تمرّدهم. وبفشل المحاولات الأولى للعمّال بدؤوا في استخلاص الدّروس من تجاربهم واكتساب الخبرات واجتمعوا بعد أن كان كلّ واحد منهم يضرب على الطبل وحده، اجتمعوا ليناضلوا معا ويقفوا وقفة رجل واحد ضد مصاصي الدماء هؤلاء.
وجد العمّال حلاّ في منظمات نقابية بعد تجربة بدائية لم تكن موفقة وقد كانت هذه النقابات تجمع العمّال للدفاع عن حقوقهم وتحسين ظروفهم في شكل نضال اقتصادي وما من شك في أنّ الرّأسمالية تصدّت إلى هذه المنظّمات بوحشية وعاقبت كل تابع لها أو حتى من يمت لها بصلة. ولكن تحدّي العمّال للتشريعات البورجوازية وعزمهم على تحسين مستوى عيشهم لم يمنعهم من مواصلة النضال سرّا وبناء النقابات بطريقة سرية التي زادت في توسعها باجتماع مئات الآلاف حولها في حركة لا تقاوم… حينها اضطرّ الرأسماليون إلى تقديم تنازلات والقيام ببعض الإصلاحات وهكذا نشأت الحركة النقابية في العالم وكما قيل ” الكبت يولّد الانفجار” فقد ولّدت الرّأسمالية حركة عالمية.
وبما أنّ العمل الشريف والأجر الكافي والنظيف هما الطريق السليم لبناء الحضارة وعمارة الأرض وتحقيق العدل بين الناس كان يوم العمال أو ما يسمى بعيد الشغل هذا الاحتفال السنوي هو رمز للوحدة بين العاملين في كل مكان. فمما لا شك فيه أن للعمل أهمية كبرى بالنسبة للفرد والمجتمع فهو غاية إنسانية وواجب اجتماعي في الحياة وهو في نفس الوقت من القيم الدينية التي تصل إلى مستوى العبادة، فالبعمل يعبّر الإنسان عن وجوده وينهض برسالته في الكون وكما قال تعالى “وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ ۖ وَسَتُرَدُّونَ إِلَىٰ عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ” (التوبة 105)
Please follow and like us: