ستحبني

[et_pb_section admin_label=”section” fullwidth=”off” specialty=”on”][et_pb_column type=”3_4″ specialty_columns=”3″][et_pb_row_inner admin_label=”row_inner”][et_pb_column_inner type=”4_4″ saved_specialty_column_type=”3_4″][et_pb_text admin_label=”النص”]

بقلم: فاطمة واردة

هل لي أن أقول لك صباح الخير… أحب أن أبدأ بك يومي ولو لم أرك…

بدأت صباحي وجدران غرفتي … فتحت عيني فقابلني ببياضه، ذكرني ببياض ثغرك إذ تضحك… قلت له بصوتٍ منخفضٍ “حتى أنت!”… اِبتسمت ورفعت عني غطائي… تركت الدفء خلفي لأتوجه إلى أقرب حنفيةٍ تساعدني على تدارك غفلتي… قررت الوضوء علِّي أتوب عنك… فتحت الصنبور فإذا الماء باردٌ كبرود قلبك أو أشد… تراجعت، لن أغتسل… سأستغفر كثيراً وسيغفر الله لي… أوليت المرحاض ظهري وتوجهت نحو المطبخ؛ ذلك المكان الذي تربطني به علاقة عشقٍ أبديةٍ، سَأُعَرِّفُكَ عليه حين نتزوج… ستجد معي مفهوماً جديدًا للمطبخ، ستحبه أكثر من غرفة نومنا العطرة… هنا ستعلمني الطبخ وسأعلمك الحب… سأعلمك كيف تشرب قهوتك هنا بحب وكيف نأكل المقرونة وسط الأغطية بحب، كيف تصحو صباحًا لتجد بقايا صحن “القطانيا” تحتك، لتكتشف أننا نمنا قبل أن نكمل الفيلم أو أننا أكملناه فعلاً بعد أن قررنا صنع نهايةٍ جديدة نحن من مَثَّلَهَا بكل الحب الذي سأزرعه فيك، سأعلمك كيف تكون الفوضى فن وستمارسها بحب… سوف أريك كل تفاصيل الحب الذي غاب عنك لأنك كنت تعتقد أنك ملكته… سأعلمك كيف تنام بحب وكيف تعيش بحب… سأغير مفهومك للحب، ستجرب معي حبًّا جديدًا لم يخطر ببالك يومًا… سنتجاوز فكرة الحب في غرفة النوم وتحت الأغطية… سنحب أنفسنا أولًا ثم نتبادل الحب بأنواعه… سأقرأ لك مقطعًا من رواية ولن تنبهر فَأُسمِعُكَ ما كَتَبتُ صباحًا، وعلى رداءته سيعجبك… سَتُسمِعُنِي مقطعًا موسيقيًّا وسأتظاهر بالترنم لذوقك فتضحك بدهاءٍ… تضحك لجهلي وقلة حيلتي… ولن أبالي، سأدعوك لرقصةٍ على أنغام المزود أو “الطبل القرقني”، لن توافق أعرف… ستطلب مني رقص التانغو الذي لا أجيده فأرحب بالفكرة وأرقص أنا وأنت… نرقص دون أن نضع لرقصنا عنوانًا، الأهم أننا نتشابك ونتفارق باِستمرار… سنغير النغمة إلى شرقية ذات نسقٍ سريعٍ مغرٍ، أربط شالي حول خصرك وأعلمك كيف تهزه مسايرا الموسيقى دافعًا كتفيك نحو الخلف، لن تنجح، ستسقط محاولًا تقليد راقصة مصرية شاهدتها في فيلم الليلة الماضية، شاهدتها رغم محاولاتي الفاشلة في إغماض عينيك دونها… وعوض أن أتقدم نحوك لأطمئن عليك سأضحك… سأضحك كثيرًا وهذا كل هدفك… لن نتوقف، سنرقص حتى يتعب الرقص منا فيهجرنا ولا نهجره… وكما رقصنا سويًّا سوف نصلي سويا، نصلي كل مرةٍ كأنها صلاتنا الأخيرة… نخشع لله ولا نفكر سوى فيه… تكون إمام صلاتي كما أنت إمام حياتي وأتَّبعك في القعود والسجود… أتبعك طوعا فنتعلم كيف نصلي بحب… نسجد فتخطر على بالي… أدعو لك وأطيل السجود… فتطيل أكثر ويخبرني قلبي أنك تذكرني فأبتسم وألحُّ على الله بالدعاء  أن يحفظك لي… ترى البِشْرَ في وجهي إذ نُتِمُّ الصلاة فتسألني إن كنت قد ذكرتك في دعائي فأنتبه أني نسيت أن أدعوَ لي، أبتسم ولا أجيبك… أثق أنك تعرف الإجابة… سوف نتسامر ليلاً… نتحدث طويلاً كعشاقٍ جددٍ  نسمع آذان الفجر فنقوم للصلاة ثم نعود إلى ما كنَّا عليه… نصنع فنجاني قهوة ونستمر بالحديث… نقرر أن لا ننام لليلتين متتاليتين… نتعب لكننا نسعد بالحالة التي أصبحنا عليها، كلامنا يصبح عفويًّا رغمًا عنًّا… نتحدث دون مراقبة ما نقول فتكتشف أني أخفي عنك حبا أوسع مما أظهر، بينما لا أتوق لاكتشافك أكثر… أعرف عنك ما يكفي لأعشقك عمرًا… بعد هاتين الليلتين نتحضر لاستقبال النوم؛ نُغرِقُ غرفتنا في الظلام… نغلق هواتفنا… ننعزل عن الدنيا ونستلقي جنبًا إلى جنبٍ مبتسمين فرحين باِستقبال ضيفنا الغائب من مدة… لحظات فقط ثم نغفو، نخلد للنوم في هذا العالم  لنستيقظ في عالم آخر… بعد غيبوبةٍ تدوم لساعات نصحو، أنظر إلى عينيك وقد زادهم الانتفاخ جمالاً وتعلمني أنك لازلت معجباً بي رغم السواد الذي سكن أسفل عيني… فأبتسم… نبدأ يوما جديدا وينطلق كل منا لمهامه… عند باب البيت أقبلك ونفترق… أترك فيك شيئًا من رائحتي حتى لا تتغافل عني إذ تضحك زميلتك في وجهك صباحا… أعود آخر  المساء منهكةً أستجديك تأتينا بعشاءٍ جاهزٍ هذه الليلة، ترفض وتقارنني بأمك التي كانت شديدة الحرص على تلبية رغباتكم رغم التعب والضيق الذي كنتم تتسببون لها فيه، يزداد حبي لهذه المرأة وأذكرك أني لست أمك بل اِبنتك التي قلت لها يومًا “تطلبين مني نجمةً، أعود إليك حاملاً السماء بما حوت”… تنكر علي قولي فأقوم إلى غرفتي، أغير ثيابي وأستعد لدخول مكاني المفضل من البيت… أقف وسط المطبخ أنظر حولي لا أعرف من أين أبدأ… أزفر بصوتٍ مسموعٍ وكلي أملٌ أنك ستتراجع لكنك أبداً لا تفعل… أجمع صبر الأم على عقوق أبنائها وأنطلق في مهمتي… أقدم لك الطبق وأطلب منك بكل لطفٍ أن تعيده إلى الحوض بعد الاِنتهاء من الأكل فتهز رأسك متفهما… أستلقي في فراشي أقرأ كتابا لا أفهم منه حرفا، رأسي يحترق إذ يحاول أن يجد لم فعلت تفسيرا… دون جدوى… أفهم فيم بعد أنها حركةٌ رجولية  تثبت بها علو كلمتك، كان فقط بودي أن أعرف من فكرك أن تمارس حقك في السلطة في بيتك… هل هي والدتك حفظها الله، أم أنها إحدى المتطفلات… الأحسن أن أنام حتى لا أحبك أكثر هذه الليلة… صباحًا أتجهز لرش العطر على ثيابك قبل الخروج فتقول “ليس هكذا…” … تضمني وتقول “هكذا أتعطر”… تتركني في فرحتي، تتقدم نحو الباب تفتحه مقترحًا أن توصلني إلى مقر عملي مشيا… أسايرك، أقترب منك، أمشي مرفوعة الرأس كأني أستظل برجولتك… أستمتع بوجودك حذوي، يراك الجميع معي وأذكرهن أنك لي… أتأبط ذراعك إذ ألاحظ أن إحداهن تشير إليك بعينيها وقبل أن أدخل المكتبة لشراء قلمٍ أترك بيدك حقيبة يدي التي تشير إلى أن سيدةً هنا يعنيها أمرك… عند باب المدرسة أقبلك بلا خجلٍ… أقبلك كأنك ولي أمري الذي تركني صباحا بعد أن اِشترى لي لمجةً وسيعود أخر اليوم لاستلامي… لا تعود آخر اليوم ولا أغضب… أتمشَّى بخطى ثابتة نحو البيت وعيني تخيط الشارع بالشارع على أمل أن أراك تحث الخطى نحوي… أحتفظ بما بقي من الأمل لنفسي، وأتجاهل أمرك…  كما أتجاهل أمرك في عيد زواجنا الأول… يَومَ يمر عامٌ على عقد قراننا سنجلس إلى مائدة العشاء نتبادل أحاديثنا اليومية، لا أنت تتذكر عيدنا ولا أنا أهتم… نتحول إلى غرفة الجلوس وكأي زوجين يمارسان الروتين بسعادةٍ مفرطةٍ تجلس أنت لمشاهدة التلفاز وأجلس أنا لمشاهدتك، أملأ منك ناظري ونفسي تقول “يا خالق هاتين العينين، سبحانك … سبحانك ” … أنظر في جمالك وأُعَظِّمُ خالقه، رسمك الله لي في أحسن تقويمٍ ثم أهداني إياك … أي هديةٍ بعدك أنتظر! … أحمد الله أني لم أعصه فيك وانه لم يعاقبني بك… أدعوه سرا أن لا يحرمني سمح طلعتك، أن يحفظك بقلبي حِفْظَهُ  للقرآن في قلب نبيه محمد صلوات الله وسلامه عليه… أسرح في جمالك، أتوه في تفاصيلك لكني أنتبه إذ أسمعك تقول “أحبكِ، ولن أرضى بأقل من تلك النظرة…” … أبتسم وداخلي يقول “أنا أحبك أكثر … وأكثر …” … وبغمزةٍ من عينك تدعوني إلى جانبك فأسرع إلى الاِستقرار هناك بين ضلعك ويدك التي تتركها أعلى كتفي واضعةً رأسي يسار صدرك لأسمع دقات قلبك وعليها أغفو… ستكون تلك هديتي… صدرك ذاك ملجئي الذي لا يشاركني فيه بشرٌ… ملجئي  إذ أشتاقك، إذ أفرح، إذ يضيق صدري بالعالم ضجرًا ولا أحسن التعبير… بعد أسابيع قليلةٍ تتذكر هذه المناسبة، تسألني إن أغضبني سهوك فأضرب جبيني ضاحكةً متظاهرةً أنا الأخرى بنسيان هذا الحدث الجلل… ولأن تمثيلي لن يقنعك وكاِعتذار ستهديني زجاجة عطرٍ فاخرة… أودُّ لو أنك تهديني قبلةً… أود حقا أن تكون هديتك ذا قيمة، فقارورة العطر الفاخرة والساعة الفخمة، وحتى القطع الثمينة من المجوهرات لا تشير إلى شيء ولا تسوى عندي ذرة حب…  إلا أن هذا لا يمنعني من اِستغلال هذه الفرصة… أرش الكثير منها صباحا قبل الخروج للعمل حتى أجلب اِنتباه زميلاتي من حولي وأَنتظر ذلك الإعجاب حين تقلن “ما أحلاهـ…. ”    “زوجي أهداني إِيَّاهَا” إجابةٌ سريعة لا تأويلات فيها… جارتنا العجوز تقول بعد أن ترمقك جيداً ” صبعلخير يا جـ …… ” “زوجي أهداني إِيَّاهَا”… وكم أحس لوهلةٍ أني ببغاءٌ بشريٌّ خاصةً بعد أن أرى الدهشة التي تكسو وجه المرأة وهي تبحث بعينيها عما يمكن أن تكون قد أهديتني… لإنقاذ الموقف تسحبني من يدي بعد أن ترد على العجوز تحية الصباح وألمحك بطرف عيني تحاول منع اِبتسامتك الماكرة من الظهور… أفسدك إذ أضيف إليك كل يومٍ جرعةً من الحب وشيئًا من الغرور…  لا يهمني دامت يدي في يدك، لا يهمني دمت أمسكها حلالاً طيبًا… لن أخشى في الله لومة لائمٍ، بل سأعيد الكرة مرات حتى تسحبني من يدي فأتبعك حبًّا وطواعية، لن تسألني عما دهاني، تتفهم مرضي بك ولا أظنك تتمنى لي الشفاء… تحب حبي لك ولا تعترف… يوم عيد الحب أصحو على ضَمَّةٍ وقبلة… أبتسم، وبصوتٍ يملؤه النوم وبعينين شبه مفتوحتين أقول “صباح الخير” فتقول “صباح الحب” …  أين أنت أيها الحب نكاد ننساك… ألتصق بك أكثر، أكاد أبكي فرحا… لا أنبس ببنت شفةٍ لكنك تفهم أني أريد قول الكثير فتسبقني “نحبك…” “نعرف…”، نظل على هذه الحال قليلاً… نظل في عناق محفوفين برائحة النوم… أحب أن أبقى أكثر، أحب أن أستمتع بهديتك أكثر بعد أن بدأت تتقن فن اِختيار الهدايا بحب لكني  أتركك إلى مهامي الصباحية… يمر يومي غير كل الأيام… أبتسم طول النهار بسببٍ وبلا سببٍ…  طاقة الحضن الذي أخذتها صباحا كفيلةٌ بإسعادي ما بقي من عمري… مساءً ستجمع أصدقاءنا لتعترف أمامهم أنك تحبني… لتطبع على جبيني قبلةً بينما الجميع ينظر إلينا، ستهديني حبك جهرا ليصبح عيد الحب عيدنا… سأقر لك إعجابي بحسن صنيعك  “اِحتفالك بعيد الحب هذه السنة مبهرٌ…” ، “لا أحتفل بالحب… أحتفل بك”… للحب عيدٌ عند من لا يَعشَقُ … ونحن سِنِينُنَا أعيادٌ… تقترب مني، عساك تنتظر إجابةً … لكني أصمت، أنظر في عينيك… تقترب مني أكثر فأكثر… أجد نفسي بين ذراعيك، داخلك… لا أتكلم… أسمع قلبي يرتجف وأحس يديك خلفي تضمني إليك أكثر… أسمعك تهمس لي “نحبك ونحبك ونحب نحبك … ونحب الناس تعرفني نحبك”…  أجيبك بنفس عميق مرتجفٍ… أضمك إلي أكثر ويدور بيننا حوارٌ طويلٌ من الصمت… كم أتمنى أن يقف الوقت، أن ينتظرنا هذا العالم لنعيش عناقنا… أن نقول له أيها البائس هذه لحظة حب حقيقية فقف وتأمل وحاول أن تقنع ناسك بتقليدها… قل لهم أن المتعة لحظة وأن الحب عشرة، اِشرح لكل عشاق الكون أن الحلال أطيب ولو زينت لهم نفوسهم غير ذلك وأن متعة الحرام تزول ويبقى ذنبها… كم أتمنى أن أقف في الشارع وسط المارة وأصيح بكل ما أوتيت من قوةٍ “نحبــــــــــــــــــك …” لكن الشجاعة تخذلني ويسيطر علي الحياء… أجزم أني أهواك صمتا علك بالكتمان تدوم… أخاف أن أحسدني فيك… أخاف ضياعك لأي سببٍ يكون لذلك أعلمك كيف نعيش بحبٍ وتعلمني كيف نقول “أحب”، أعلمك كيف يكون الحب بلا مناسبة، كيف تقول أحبك صمتا، سوف تفهم معي أن الحب ليس عشاءً فاخراً ليلة رأس السنة، وأن الرومانسية ليست شموعاً تحفنا وسط الظلام… أن ضوء الشمس رومانسيٌ وأن أكل الكسكسي بعد منتصف الليل رومانسية، لن ننتظر المطر حتى تمسك يدي ونتمشى، بل سنختار يوما مشمسا لنمشي ساعات على الأرصفة وبين الطرقات، ولن تفلت يدي، ستعرف أن الفنادق بيوتٌ مصنوعةٌ من حجرٍ كبيتنا أو أقل قيمةً، أنها ليست أكثر من “4 حيوط ” مزركشة باِبتسامة الخادم وخدمة عامل النظافة… وأنها لا تمت بصلةٍ للتجديد، ولا بخدمتها ولا بأجواء الموسيقى التي تكررها… ولا حتى بمسبحها المعقم، سأغير مفهوم التحضر لديك إذ  أدعوك إلى رحلةٍ جبليةٍ مع الأصدقاء لأيامٍ ثلاث، سنجرب المبيت في خيمةٍ في قلب الغاب أو على ضفاف النهر، إن كنت ستسألني فأنا لن أخاف مادمت معك، سنتحلق حول النار وسيمد الجميع أيديهم بحثاً عن الدفء بينما ألتصق أنا بك وأضع يدي بين يديك… سأنظر في عينيك… وسأدفأ… ستعلمني السباحة في الشتاء، سأجاريك… سأضع مقدمة أصابعي في الماء، أشهق وأعود إلى الوراء… تدفعني أمامك ببطء مشجعًا إياي على التقدم ولكني أرتجف… يعلو صوتي بصيحاتٍ متقطعةٍ… ستدفعني للأمام أكثر غير مبالٍ، ستضحك لعدم تحملي… ولكني سأنجح أخيرا في التأقلم… بدايةً سأتنفس بصعوبةٍ، سأرتجف كثيرًا… ستقربني منك… فمي يصطك، أنظر إليك  ولا أجيد التعبير… أقترب منك أكثر، أتمسك بك وأرفع قدمي عن القاع…  ستتحرك بي وسط البحر بحثا عن القليلٍ من الدفء… كل ما في يرتعش خاصةً قلبي… نخرج من الماء مسرعين إلى أقرب منشفة ثم ركضًا إلى السيارة… سوف نرتجف، نرتجف كثيرا ونضحك أكثر… نضحك ونتعاهد على إعادة الكرّة… سأشجعك على دخول البحر ليلًا… سنختار ليلةً يكتمل فيها القمر، سنمتلك الليل وسنسبح… سنولي وجوهنا شطر القمر ونحدثه… جئناك عاشقين أيها القمر، جئناك سابحين ولن نتراجع عنك حتى نحدثك عنا… قصتنا أيها القمر أننا عشاق… أننا من عِشْقِنَا عَشِقْنَا الحياة حولنا وأننا أيها القمر نحبك من حبنا لبعض… نراك جميلًا لما في قلوبنا من جمالٍ، وإنك وإن غبت يبقى الكون منيرا بوجه من له بقلبي عشقٌ… سننام على سطح البحر يدي بيدك، سنواجه كحل السماء، سنعد النجوم وسأهديك نجمةً… سأسميها على اسمك وسأتفقدها كل ليلةٍ، أناديها من شرفة غرفتنا وألوح لها… سأحبك بفن… وستحب الفن معي … ستعود إلي ببطاقتي فيلم تونسي لِمَ تعلمه عن عشقي للسينما وأدعوك إلى حفل موسيقي بسيط وسط شارع الحبيب بورقيبة طمعا في تبسيط الجمال في عينيك بعد أن تفهم أن الجمال لا يسكن المهرجانات ولا المسارح الكبرى، حتى أنك تتعثر به كل يوم وقد لا تراه…  ستحب معي السينما والمسرح والموسيقى ومعك سأتعلم التمثيل والاِرتجال والتقليد، سنصنع من منزلنا ركحا نتداول عليه باستمرار، أصعد لأمثل دور مغنية مشهورة تكون أنت جمهورها الوحيد، تهتف باسمي وتمد يدك محاولا الوصول إليّ، أضحك بتكلف وأرفع يدي قصد رد التحية مُوَاصِلَةً إتقان دوري الفني… تصعد أنت لتتخذ دور الكوميدي الساخر، تمثل، تقلد، تتهكم… ولا تترك الركح حتى تراني أتلوَّى ضحكا… إسعادي سيكون غايتك بينما لا تعرف أن وجودك إلى جانبي يزرع فيَّ روح السعادة كما أزرع فيك روحا تذكرك إياي إذ أغيب عنك… كيوم تسافر وأصدقاءك إلى الصحراء للعمل، تهاتفني، تعلمني أنك وصلت…  يمر الهزيع الأول من الليل  لتفاجئني رسالتك “كلما ساورني الشوق إليكِ أقطف من السماء نجمة… وبحجم اِشتياقي إليكِ صارت السماء عتمة… أحبكِ…” … أقف مشدوهةً أمام ما تكتب… أبتسم وببلاهةٍ أقبل الهاتف، أحس أني صنعت منك شاعرا، أعيد قراءة ما كَتَبْتَ  ثم أكتب “أشتاقك …و فوق ما تتخيل أتخيلك هنا معي”… أنتظر عودتك، وبعد أسبوعٍ من الغياب… أقفز إذ أراك، يرفعني الفرح عالياً رغم وزني الثقيل… وأقبل عنقك… تفرح لفرحي ونجلس لنتحدث طويلاً… أراقبك وأنت تحدثني عما أنجزتم من مهامٍ صعبةٍ… أشبع منك ناظري، أبتسم… أبتسم كثيرا ولا أرفع عنك عيني… تسألني إن كنت قد اِشتقت إليك، أهز رأسي إيجابًا، منزلتك بقلبي أرفع من أن ينتزعها مجرد غياب… أشتاقك وأشتاق نفسي بحضورك… نتبادل نظرات الود، تقبل رأسي وتغادر نحو الغرفة كي تحط عنك رحال السفر… تغير ثيابك وتنام… تنام وقلبي لا ينام عنك… هكذا أعبر عن شوقي ولا تدري، أملأ منك عيني… تنام وأبقى أنا عند رأسك أرقبك كأم ترى اِبنها بعد غياب طال في الغربة… سيعم الهدوء المكان فقط لأن قلبينا يتخاطبان، ولو أدرك أن عزف قلبي يزعجك سأسكته… فكما أحب الحياة معك سأحب الموت لأجلك، لن تستطيع مجاراتي ولن أنتظر منك مقابلًا… كل ما أتمناه هو أن تحبني حقًا، أن تحب الحياة معي… سأتمنى أن أرضيك فأرضى عن نفسي… سأتمنى كثيرًا أن تكتفي بي دونًا عن نساء الأرض ولا أعرف إن كنت ستفعل… لن أجبرك على غض بصرك عن غيري فحتى لو لن تحبني ستخاف الله فيَّ، كلَّما ترفع عينيك لمشاهدة فتاةٍ أنيقةٍ تتذكر أن عقدك مع والدي كان على سنة الله ورسوله فتخجل من صنيعك… ستكون وفيًا رغمًا عنك حين تفهم أن الوفاء يشمل عهدك مع الله، وأن هذا الميثاق أغلظ من أن تشقه بنظرة… ثم تصبح وفيًّا طوعًا بعد أن تحبني، سأساعدك لتحبني… سأشاركك تلك التفاصيل الصغيرة التي ستشدك لممارسة الحياة صحبتي… سوف نتشارك حياةً ملؤها الحياة… وستحب ذلك، سنختار فنجاني قهوةٍ بنفس الشكل وسويًّا سوف نبدأ بها نهارنا، سيتكسر أحدها يومًا وسوف نقيم عراكًا حول فنجان من المتبقي هذا، سنتجادل طويلاً إلى أن نتشارك احتساء القهوة في نفس الفنجان كل مرةٍ، تختار عادةً أن تشرب بعدي واضعًا فمك موضع فمي اقتداءً برسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يتفنن في حبه لعائشة، ترفع عينيك نحوي لترى ابتسامتي تتسع، سنتبادل الفنجان باِستمرارٍ حتى نأتي على ما فيه وفي كل مرةٍ يفرحني صنيعك أكثر… نقرر أن لا نغير عادتنا هذه… سوف نشتري دومًا فنجانًا واحدًا نتداوله كل صباح كما سنختار كتابًا واحدًا لنتبارى من يكمله أولًا… سنتسابق لختم القرآن وحفظ الأحاديث… سأقرأ عليك سراً آيات الكرسي وأنت تتجهز للخروج من البيت صباحًا وأدعو الله أن يحفظك بحفظه أينما تكون، أوصيه بك خيرا وأتركك في أمانته، ستتلو عليَّ آيات الرحمان قبل الخلود للنوم… سأحب صوتك وترتيلك وسأغفو عليها… سأغفو قريبةً منك متمنيةً أن لا تشرق الشمس قبل أن أشبع منك… لكنك تشرق قبلها، تنهض فجرًا، وأصحو على صوتك يدعوني إلى حصة رياضةٍ صباحيةٍ، أتهمك بالجنون وأذكرك أننا بفصل الشتاء وأني لست على اِستعدادٍ لترك كل هذا الدفء خلفي… أوليك ظهري قصد التمتع بما بقي من ساعاتٍ قليلةٍ للنوم قبل الاِنطلاق للعمل لكن إصرارك يحول دون ذلك… ستساعدني في تغيير ثيابي لأني سأكون مغمضة العينين بعد وسأخرج معك للطرقات الفارغة من البشر سوى المجانين منهم أمثالنا، حيث الظلام يلملم آخر أجزائه… سأخرج فقط لممارسة هوايتك… سنعود للاِستحمام سريعا ومنه للعمل، يومٌ من النشاط يكون لك فيه الفضل الأكبر… حتى بعد العودة إلى المنزل ستختمه بإحدى هواياتك، ستدعوني إلى لعبة المحترفين أو “البرو” كما سأتعود أن أسمع منك… أنت من سيعلمني هذه اللعبة، ومعك سأحبها أكثر … تجلس على ركبتيك أمام شاشة التلفاز تركب الجهاز وتناديني “فطوم أيا نشدك في طريح برو” ، “حضر الماتش، ننشر لحوايج ونجيك …” يمر الوقت دون أن نشعر ولا ننقطع عن اللعب سوى إن جاع أحدنا فيقوم الخاسر منا لتحضير وجبةٍ تؤكل … وإن صادف وتمكنت من ربحك في العمر مرة فأنا أبدًا لا أقبل الأكل الجاهز بل أصرُّ أن تدخل المطبخ… سأستمتع بتعذيبك بحبٍ في ذلك المكان،  وسأذكرك في كل مرة بالنتيجة “يا خاسر…” مصحوبةً بضحكة شريرة… أجلس إلى جوارك، أراقبك… لكل حكمٍ رقيب، عدا حكم سجني داخلك، هو المؤبد الذي أنفذه بحب… تنهي تحضيراتك فنجلس للعشاء وحتى تثبت لي أنك فنان تسألني أجرك إزاء ما صنعت… أسألك “ما أجرك؟” تقول مبتسما “قبلتان وحضن …” …اِقتناص القبل عندك موهبة قلَّ من جاراك فيها… ولكني أضحك، أدفع الحساب أو أكثر قليلا… أدفعه عن طيب خاطر… يعجبني أسلوبك فأسايرك… أسايرك يا طفلي الكبير، أسايرك بحب… ثم نعود معًا للواقع، نعود إلى سهرة روتينية حيث أجلس أنا على المكتب أحضر دروس الغد بينما تنهمك أنت في محادثاتك الفايسبوكية التي لا يمكنك أن تقنعني أبدا أنها بريئة… سوف تتركها لأجلي ودون أن أطلب منك، سوف تتركها بإرادتك يوم تحبني… لا أحب أن أفسد المشهد، لا أحب أن أكتشف ما تخفي حتى لا أضطرك كل مرة للتبرير فأتجاوز عنك قبل أن تطلب… حتى لا أحبك أكثر… ولكني أكيدة أنك ستحبني حقا يوما ما…  ستحبني وستحب الحياة معي، ستحب كل تفصيلة من روتيننا… ستحب معي العمر بسنواته والعام بتغيراته وفصوله ستحب معي صباحات الشتاء أكثر خاصةً منها أيام العطل… سأعلمك أن رائحة النوم ليست كريهةً كما تعودت… بل ستحب أن تمضي إلى جانبي صباحا شيئا من الوقت… ستترجاني أن لا أغادرك، سوف نصحو صباحاً لنبقى في الفراش لا نتحرك بل سننعم بالدفء تحت الأغطية… سوف تختلس قبلةً صباحيةً بطعم الحلم ثم نقترب من بعض دون كلماتٍ… أضع رأسي على صدرك وتضمني إليك أكثر… سيمر الوقت دون أن نشعر وليس لأحدٍ أن يحاسبنا…  سيحلو لنا أن نشرب قهوتنا هناك على صوت السيدة فيروز “أنا لحبيبي وحبيبي إلي …” … سأعلمك كيف  تحب الكسل بجانبي… كما تحاول أن تعلمني النشاط وحب الرياضة صباحا… لن نختلف، سننشط بعد القهوة… يبدأ يومنا بعد الكافيين… سأعلمك كيف تتولى مهام تنظيف المنزل، ستتولاها بحب وسأساعدك فيها وليس العكس كما علمتك والدتك وكما أملى عليك مجتمعك… سنخلي المكان من الأثاث أولًا وهذه ستكون مهمتك… ثم نصب الماء بغزارةٍ حتى نملأ الغرفة وهذه أيضا ستكون مهمتك… ستمسك أنت الماسحة وأنا المكنسة وكأي محترفَين سنقف للغناء وسط المياه الباردة… سنختار أغنية  “المحكمة”… ستبدأ أنت “كن منصفًا يا سيدي القاضي ذنبي أنا رجلٌ له ماضي…” وسأنهي أنا ” حبيبي دع الماضي وقبلني، قبلني بين ذراعيك أنا الكل وأنا لي الحاضر والآتي …” … ستكون هذه مهمتنا المشتركة، سنتحول من أغنيةٍ إلى أخرى، سنتزحلق راقصين السلو بلا أنغامٍ… سنسقط أكثر من مرةٍ لتهورنا…  وسنمرض لأننا نقف وسط الماء حفاةً بينما الطقس باردٌ… لن نزور الطبيب سويا، سأعطيك من صحتي فلا يمسك سوء… لن يمسك سوءٌ دام الله يحفظك، لكننا سويا سنزور أماكن أخرى… إياك أن تعتقد أني قد أدعوك إلى رحلةٍ باريسيةٍ أو إلى زيارةٍ إلى معالم ألمانية، بل سأترجاك تأخذني إلى القدس… البلد الذي أحببته دون أن أطاله…سنزوره سويًا، سنقف ساعاتٍ على المعبر منتظرين إذن الكيان الصهيوني بالدخول، سنلعنهم في سرنا طويلاً حتى يأذن الله فندخلها سالمين… سأقف مشدوهةً أمام جمال تلك الأرض، وسأحزن طويلًا على ضياعها، سأمسك يدك ونتجول في أزقة حيفا وجنين، سنشاهد غروب الشمس في بحر عكا، سيكون أجمل من بحر تونس الحرة، سنجلس جنبًا إلى جنبٍ على ضفافه وسوف نعشق جمال المكان في صمتٍ… وحين تغيب الشمس ويعم الظلام المكان سأبكي، سأبكي على جمالٍ مغتصبٍ لا حق لنا فيه مع أنه ملكنا، ستمر الأيام في فلسطين سريعةً دون أن نشعر، أيامٌ لن نشاهد خلالها التلفاز لأننا سنكون في قلب التلفاز، سنرى البنادق والأسلحة في كل مكانٍ كأي أداةٍ تعودنا استعمالها في مطبخنا وسنستمع  إلى القنابل وتبادل إطلاق النار مرارًا حتى يصبح الأمر أكثر من عاديٍ كموسيقى صاخبة بحفلٍ مبتذلٍ بإحدى البارات الفخمة، ثم نستمتع بمشاهدة الدماء الملطخة على صدور بني صهيون ونشبع آذاننا بصوت صراخهم ولطمهم في جنازاتهم فندعو الله أن يكثر منها، وفي المقابل زغاريد أمهات الشهداء من أهلنا وذوينا … سوف نختم جولتنا بركعتين في المسجد الأقصى ثم نعود إلى نفس المعبر حيث يتم تفتيشنا مرةً أخرى ونخرج هذه المرة دون اِنتظار كأنهم يطردوننا، يطردوننا من أرضنا غير مدركين أننا سنعود يوما لنرى من منا صاحب الحق هنا… سنعود طال الزمان أم قصر… يومها فقط سنبكي فرحا… فرح النصر المنتظر منذ وقت طويل… سيكون فرحا مختلفا قليلا عن فرحنا بمولودنا الأول، يوم آتيك وبشر العالم في عيني سأعلمك أني أحمل في أحشائي منك قطعةً، أقف أمامك، أرفع يدي عالياً لأعبر عن فرحي وكل مشاعر الغبطة تجتمع في قلبي، تمسك يدي، تنزلها أرضًا… تقربني منك وتنظر في عيني مباشرةً لتتأكد أني لا أمزح… فرحك سيكون مضاعفًا عني… ستحضنني طويلاً وأسمعك تلهج بحمد الله… فورًا ستنطلق مراسم فرحنا، تعلو أصواتنا على بشاعتها بالغناء “مبروك، مبروك يا حياة قلبي مبروك…” ثم إلى “الدنيا حلوة وأحلى سنين…” ونواصل “اِنزاد النبي وفرحنا بيه”… تتنوع الأغاني ونخرج عن الإطار حتى نكاد ننسى موضوع الحفل، نصل الغناء بالرقص، تتحول قاعة الجلوس إلى كومةٍ من الفوضى… نتحرك يمينًا ويسارًا بلا هوادةٍ… أهم بالقفز فتمنعني… تمسك يدي تحركني إلى الأمام، إلى الخلف… تتقدم نحوي، ترفع كفي إلى الأعلى وتديرني منك إليك… تلصقني بك وتطلب مني أن أضع قدمي فوق قدميك، تضع يدك خلف ظهري لتشدني إليك أكثر… ثم تتحرك بي… تتحرك وكأنك لا تحس ثقل وزني عليك… أضحك، بل تنتابني نوبةً من الضحك فرحًا بما تصنع… نجلس أخيرًا لنسترد أنفاسنا… ستزور معي الطبيبة حتى نسمع دقات قلب صغيرنا لأول مرةٍ… مع سماعها سيخفق قلبي أكثر، يتسارع نفسي، تمسكني من يدي فأبكي … أبكي لشعور الأم والحبيبة الذي بداخلي… أبكي ولا أجد لي تفسيرًا، برفقٍ تنزلني من فوق المقعد، وفي غفلةٍ عن الطبيبة ستهمس لي “يا بكاية…” وسأسمعها “أحبكِ…” فأبتسم… أبتسم دون أن تنقطع دموعي… توصيك الطبيبة بي خيرا وتؤكد عليك أن راحة المولود من راحة الوالدة، تطمئنها ونخرج للشارع يدًا بيدٍ… في مشيتنا تلك يخطر على بالي صابر الرباعي في قوله “أتحدى العالم كلو وأنا وياك …” فأبوح لك ما يجول بخاطري، تضحك ويظهر شيءٌ من الغرور في مشيتك، تشد على يدي ويرتفع صوتك بالغناء فجأةً “أنا في ضحكتها نذوب وغرامي في هالطلة، شمس وما تعرفش غروب سحرتني يا عباد الله…” أرفع يدي إلى فمك أحاول إسكاتك، ترفع صوتك أكثر ولا ترتاح حتى تفضحنا بقلب الشارع… الكل ينظر إلينا، الكل يستغربك… فرحةٌ تدغدغني من الداخل ولا أفصح… نصل الموقف حيث وضعنا السيارة، تفتح لي الباب وأنت تدندن “أنا في ضحكتها نذوب…”، وأضحك رغمًا عني… خلال طريق عودتنا إلى المنزل تعلو أصواتنا بالنشاز، لا نهتم لبشرٍ، نغني، نصفق ونترنم لإبداعاتنا… نصل فأتكئ عليك قصد الخروج من السيارة… أتكئ عليك ولو ليس بي حاجة… أتكئ عليك حتى أحس أنك سندي… بعد فترة الحمل الأولى وبعد أن نتأكد أن الزائر رجلٌ سوف تنصحني الطبيبة بالمشي… لن يكون الأمر بتلك السهولة لكنك لن تتركني، سنخيط شوارع المدينة يدي بيدك… تتشابك أصابعنا ونسير، نسير ثلاثتنا نتبادل أحاديثنا اليومية ونقاشاتنا العادية فتسأل اِبنك عن موقفه مما تقول وتهز رأسك إعجابا برأيه وتمدحه فأضحك لطفولة عقلك… يمضي الوقت، أوقفك لأسترد أنفاسي، تأتيني بكرسي من أقرب مقهى وبرفق تجلسني عليه… تقف أمامي تضع يدك في خصرك، تدفع بطنك إلى الأمام وتفتح ساقيك قليلا ثم تتقدم بصعوبة، أفهم أنك تقلدني فأغرق في الضحك، تتمادى في فعلك حتى يضحك معنا المارة… تساعدني على الوقوف ونواصل سيرنا…كم أحس أننا فرقة بهلوانية منتقلة، أنا وأنت وروحك المستقرة داخلي… أشعر بضحكه إذ أضحك، يعجبه ما تفعل بأمه، سيتعلم منك الكثير ويا ويلي منكما… تتقدم شهور الحمل ويثقل عليك حِملُنَا شيئا فشيئا، سوف أحتاجك في كل لحظةٍ، سأناديك حين أحاول مغادرة السرير وأتكئ عليك حين أحاول الجلوس… سأخاف نزول الدرج بمفردي وستكون سندي… سنتابع تكور بطني، سنلتقط الصور ثلاثتنا يوميا ولن نشاركها بشرا وسنخاطب صغيرنا قبل ولادته بمراحل… سنحكي له عنا وعن حياتنا التي ستحلو بقدومه… سنسميه آدم حتى نبتعد به عن كل تهمة، لن نسميه محمد ولا عيسى… لن يحمل اِسم علي ولا عمر… لن نجعل من اِسمه جواز سفرٍ كيوسف أو جوزيف… ولن نجعله عنصريًّا، سيحمل آدم في قلبه كل البشرية فلا يراه الغرب متطرفًا ولن يكون لدى المسلمين مقربًا، كما لن يعتبره أهل السنة شيعيًّا ولا أهل الشيعة سنيًّا… سيختار الإسلام بفطرته وسندع له عنان حياته ليعيشها كما يريح قلبه، سنعلمه أن الدين حياة وأن الله محبة، أن نفع البشرية أهم من صلاة نافلة، أننا بديننا نؤجر على الاِبتسامة والكلمة الطيبة ونأكل من صدقاتنا… أن الله يسكن القلوب لا المساجد وأن من سكن الله قلبه عاش الدنيا وضمن الآخرة… سأحدثه عن الأنبياء والرسل، عن أخلاقهم ومعجزاتهم، عن الصادق الأمين، عن الصِّدِّيقِ برفعة أخلاقه، عن عدل الفاروق وحزمه، عن رأفة عثمان، عن حكمة علي، عن كرم الطائي، عن وفاء السموأل وهو اليهودي، سأحدثه طويلا عن الرجولة في أخلاق الرسول وصحابته… حتى إخوته الثمانية -إناثا وذكورا- الذين سيأتون بعده سيتلقون نفس التربية… تربية على أسس المبادئ والأخلاق والحريات، وسترى كيف ستقودهم فطرتهم السليمة إلى الحق… والحق أننا نشرف على الأيام الأخيرة من الحمل، يبان التعب على سحنتي أضعافا وأهجر النظر في المرآة، أراقبك باِستمرار وقلبي يلهج لله بالدعاء أن يحرم عينيك النظر إلى غير محارمك ثم أستغفر لك كثيرا إن كنت تفعل… تنقضي الشهور التسعة وأهاتفك لتسرع بأخذي إلى المستشفى، يصل أبي قبلك ومع كل ما يعتريني من ألم أنتظر مجيئك… أراك تدخل البيت بحثا عني تعلو وجهك كل علامات القلق… أشير إليك أن توقفني من مكاني، تتعاونان على أخذي للسيارة، ورغم ما أنا به إلا أني سأكون في أسعد المواقف أبدًا… على يميني بطلي الذي أحبني قبل أن أرى نور الدنيا، وعلى يساري أنت، رجلٌ رأيت نور الدنيا يوم أحببته…

نضب خيالي وعدت إلى الواقع، عدت على صوت قهوتي تفيض على الموقد، فاضت قهوتي بي ذرعًا وهي تنادي من مكانها “لن يحدث، لن يحدث…”، لَكنِّي أحِبُّك، والله أحبك، فَلِمَ لا يحدث؟

[/et_pb_text][/et_pb_column_inner][/et_pb_row_inner][/et_pb_column][et_pb_column type=”1_4″][et_pb_sidebar admin_label=”Sidebar” orientation=”right” background_layout=”light” area=”sidebar-1″ remove_border=”off”] [/et_pb_sidebar][/et_pb_column][/et_pb_section]

Please follow and like us:

اترك رد

Verified by MonsterInsights