الفكرة الأمازيغية لدى الشعوب المغاربية
|[et_pb_section admin_label=”section” fullwidth=”off” specialty=”on”][et_pb_column type=”3_4″ specialty_columns=”3″][et_pb_row_inner admin_label=”row_inner”][et_pb_column_inner type=”4_4″ saved_specialty_column_type=”3_4″][et_pb_text admin_label=”النص”]
بقلم: مصطفى لمين لعويد– عبد الرزاق يوسف – علي برتيمة*
الملخص
لقد كانت الفكرة الأمازيغية سلاحا ذا حدين، فقد أكدت القبائل البربرية منذ اعتناقها للإسلام وحمل رايته أنها أمة مسلمة لا ترغب عن إسلامها بديلا، ومع ذلك فقد ظهر الكثير من المشوشين الذين حاولوا بعث نعرات الجاهلية وخلط الإسلام والعربية مع الأصول التاريخية للبربر، وحاولوا استنهاض البربر لرفض العرب والإسلام بحجة أنهم أمة لها جذورها وامتدادها التاريخي، وما كان ذلك إلا بسبب القوة التي صارت عند البربر بعد تمسكهم بالإسلام فحاول الطامعون في هذه البلاد أن يحطموا هذه القوة خاصة أن التآلف الذي حدث بين العرب والبربر وما صاحب ذلك من رقي في الحياة الثقافية والفكرية حتى صاروا شعبا واحدا واختلطت دمائهم بالمصاهرة والنسب، فتصدى الشعب المغربي لهذه الحملات عربا وبربرا ولم يخل التاريخ من فلتات كانت آثارها وخيمة ودرسا لشعوب المنطقة حتى لا تحيد عن مبدأ الوحدة والتعاون والتمسك بالإسلام والوطن.
مقدمة
إن بلاد المغرب أرض زاخرة بالثقافة والانتماءات الحضارية والثقافية والتي سجلت حضورها التاريخي عبر الزمن من خلال شواهد التواجد الإنساني في المنطقة، لكن استمرت مختلف الحضارات التي تعاقبت على المنطقة والتي حاولت فرض سيطرتها عليهم في طمس هوية هذا الشعب وهذا حتى يتسنى لها التحكم فيه سياسيا واقتصاديا، ولكن النزعة الانتفاضية لدى شعوب هذه المنطقة حالت دون ذلك، حتى جاء الإسلام الذي خالجت تعاليمه السمحة قلوب المغاربة، وعرفوا أن هؤلاء الفاتحين ليسوا كغيرهم من المحتلين والمستعمرين، فرغم أنهم قاوموا هذا الفتح في البداية، إلا أن الرسالة التي كان يحملها الجنود المسلمين والتي تمثلت في حسن أخلاقهم وسلوكهم ومعاملتهم الطيبة لمن وقع في الأسر منهم أشعرت السكان أن هذا الدين ليس دين قمع واستنزاف للخيرات وسلب للمدخرات، فسارعوا إليه فرادى وجماعات واعتنقوا الإسلام راغبين مريدين له غير مكرهين ولا منافقين، بل إنهم صاروا دعاة وفاتحين حملوا رايته وبلغوا تعاليمه ومضوا به إلى الأندلس وأوروبا شمالا وإلى بلاد السودان وافريقية جنوبا، وظهرت خلال هذه الفترة تعايش حسن الملامح بين العرب والبربر وامتزجت الدماء بعضها ببعض، سواء دماء المصاهرة والنسب أو دماء الفتح ونشر الإسلام أو دماء الدفاع والذود عن حمى الوطن، لكن لم تلبث أن دبت الخلافات السياسية بينهم وظهرت الدويلات التي حملت معها أطماع السياسيين وحب الظهور والسلطان، فسارعت القبائل التي ترفض هذا السلوك الاستبدادي إلى محاربة الميز العنصري الممارس عليها، فدبت فكرة التمييز بين العرب والبربر خلال هذا النزاع، وكان الأجانب يذكون هذه الأفكار التي تحطم المتآلفين وتخدم مصالحهم، لكن الفكرة سرعان ما تخمد بفضل العلماء والدعاة والمصلحين، ويحصل مع كل تآلف وحدة للوطن ودحض للأجانب الطامعين في تمزيق وحدة هذا الكيان، فكانت فترات الخلاف غالبا ما تكون في مراحل التمزق كفترة الحروب الرستمية الفاطمية وكذلك فترة الحروب المرينية الزيانية أما فترات الوحدة كمرحلة الدولة الموحدية والدولة العثمانية فكانت مرحلة الود والاتفاق وانتشار مجالس العلم والدعوة والرخاء السياسي، واستمرت الأوضاع كذلك حتى جاء العهد الاستعماري الذي أعاد إحياء الفكرة الأمازيغية لدى شعوب المنطقة، محاولا تفريق وحدتهم، وقطع مصدر قوتهم.
أهمية الموضوع:
حري بنا معرفة الموضوع ودراسة جميع جوانبه وأبعاده، وتحليل موضوعه وفرز الصيغة المناسبة لجزئياته، ذلك لأنه يتعلق بالإسلام والهوية والوحدة الوطنية، امتزجت هذه العناصر الثلاثة في شكل غير منسق لتعبر عن واقع أليم انعدمت فيه وضوح الفكرة حيث صار موضوع الأمازيغية عند البعض مناقضا للإسلام، ودافع عنه بعضهم حتى أنكروا كل صلة لهم بالعرب والمسلمين وحاولوا التملص من كل رابط يجمعهم بهم، ففي هذه الدراسة سنحاول أن نبرز الدور الفاعل للأمازيغ في حماية التماسك الشعبي وإظهار سوء عاقبة الانقياد وراء الادعاءات الاستعمارية التي تسعى لتفكيك وتدمير الوحدة الوطنية، إن هذا الموضوع له بعد تاريخي يرتكز على أمرين مهمين أولهما هو الأصول العميقة، والثاني هو الانتماء الحضاري، أما أبعاده المستقبلية فهي مبنية على هذين الأصلين فمن فهم القصد الاستعماري في محاولته باللعب على وتر التاريخ لاستغلال مصالح في المستقبل، فسيفهم أن الموضوع لا يعدو أن يكون دراسة اثنولوجية، أما من غفل عن هذه النقطة فسيصبح الوضع عنده خطيرا خاصة أن المسألة تدخل في نطاق الهوية والثقافة، حتى أن بعض دعاة الحركة البربرية قالوا أن العرب مستعمرين مثلهم مثل الرومان والوندال، وهذا لاشك فيه من المغالطة ما فيه لأن العرب والبربر الذين امتزجت دماؤهم في سبيل نفس القضية والتعايش الذي يعبر عن رقي حضاري منقطع النظير ظاهر وجلي، كما أن الحقبات التاريخية والمدة الطويلة التي اختلط فيها الجنسان صار فيها الانتماء الديني والوطني والقومي واحد.
الدراسات السابقة للموضوع:
لقد توالت الدراسات في الموضوع منذ ابن خلدون فلا شك أنه أول من تحدث عن صلب هذه الإشكالية وتناولها من عدة أوجه خاصة من جهة الأصول والهوية، غير أن الشيء الذي يدعو للتأمل في تغير أحوال الزمان حيث كانت القبائل الأمازيغية تحاول ادعاء نسبتها للعرب وتنقب في فجاج التاريخ لعلها تجد صلة تربط بين الشرق والغرب، لكن في هذه الأيام نجد أن البعض يحاول طمس كل جلي ويتبرأ من كل ظاهر مهما كان عظيما، لقد عالج ابن خلدون هذا الموضوع من بعده الديني والاجتماعي والثقافي، وحاول دراسة البعد التاريخي ونقد النظريات التي تناولت موضوع أصول البربر، معتمدا على عدة مصادر، كابن الرقيق القيرواني، وابن حزم، وابن الكلبي وأبو يوسف الوراق. وقد تابع ابن خلدون في دراسته عدة مؤرخين منهم ابن العذاري في كتابه المغرب في أخبار الأندلس والمغرب، وابن حزم في جمهرة أنساب العرب، وهنا لا نريد الغوص في مصادر تحدثت عن البربر بقدر ما نحاول معرفة مصادر تكلمت عن توظيف فكرة الأمازيغية في المصالح السياسة، كانت كتب الرحالة غزيرة خاصة في القرن 16 و17 ومنها رحلة التامغزورتي ورحلة الحسن الوزان المسماة “وصف إفريقيا” ورحلة أحمد ابن عمار “نحلة الحبيب في الرحلة إلى الحبيب” ورحلة عبد الرزاق ابن حمادوش ورحلة الورجلاني “نزهة الأنظار في التعريف بفضل التاريخ والأخبار” أما القرن 18 و19 فهو عصر المؤرخين الأوروبيين خاصة والذي كان يحاول إعطاء النظرة الإنسانية للبربر ويطيل الحديث عن الهوية والثقافة والإنسانية ويبعث برسائل مشبوهة ومن أمثال ذلك ماريا مارتن ويليام شالر فظهر المؤرخون الأوروبيون من أمثال بيصونال ولوج يدي تاسي بنزعة تحاول إعادة الذاكرة الرومانية وتشيد بأمجاد البربر أما القرن العشرين فنجد كل من شارل أندري جوليان وايميل فيليكس قوتييه ودراسة حول الامازيغ في قلعة السند لطبيب فرنسي في قفصة ولمبارك الميلي دراسة طيبة في هذا المجال وتعتبر من أهم ما ورد في هذا العصر، كذلك كتاب حول عروبة البربر لسعيد ابن عبد الله اداوردي، وكتاب القبائل الامازيغية لبوزيان الدراجي وكتاب البربر لعثمان الكعاك.
إشكالية الموضوع:
ومن هنا جاء الإشكال التالي كيف أثرت الفكرة الأمازيغية في شعوب المغرب؟ وقد قادتنا هذه الإشكالية إلى تساؤلات فرعية أهمها ما مدى التداخل بين العروبة والإسلام والأمازيغية؟ وكيف تراوحت استعمالات هذه الفكرة بين السلب والإيجاب؟ ثم كيف يمكن أن تكون الفكرة سببا من أسباب الضعف تارة وسببا من أسباب القوة تارة أخرى؟
1– الأصول التاريخية للبربر ومجالهم الجغرافي
اختلف المؤرخون والانثروبولوجيون في أصول البربر التاريخية وذلك حسب الدراسات المنجزة والنتائج المتحصل عليها، فمنهم من يرجع نسبتهم إلى القبائل العربية التي هاجرت من اليمن إلى بلاد المغرب[1]، ومنهم من توصل أنهم جاؤوا من أوروبا[2]مثل برترون الذي أفضت دراسته سنة 1863 أن البربر ينحدرون من العرق السلتي وكذلك أوليفيي الذي خلصت أبحاثه في منطقة عنابة أن البربر من الإغريق الذين غزو المنطقة [3] ويذهب البعض الآخر إنهم مزيج بين هذا وذاك مع قدم النشوء والاستقرار[4]، وفي الاعتماد على معرفة أصول البربر تنقسم المصادر إلى نوعين وهما المخطوطات والروايات والثانية هي الدراسات الانثروبولوجية لعلماء اللغة واللسانيات[5]، أما النوع الأول فيشمل المصادر المصرية، إذ أن أحد النظريات تقول أن البربر حاميون مثل المصريين والسودانيين والحبشة أي أن البربر والمصريين أبناء عمومة وكانت حدودهم متاخمة لهم من الغرب فلا غرابة أن نجد أخبار البربر عند المصريين وقد كانوا يسمونهم اللوبو أو الربوو أما الوثائق المتعلقة بأخبار البربر فتسمى تاحوموو وقد درست هذه الوثائق القبائل البربرية وعاداتهم وحياتهم الاجتماعية وقد كان المصريين يطلقون عليهم عدة أسماء منها لشبط وبقن ومشوش[6] وقد كان كذلك بين المصريين والبربر حروب كثيرة. وقد ارتحل خلال العهد الفرعوني الثاني قبائل من بني كنعان والتي كانت لغتهم البونيقية فاشتهر البربر بها[7] ولم يكن بربري مثقف لا يعرفها بل إنهم ألفوا بها كتبهم مثل ما كان في كتاب ماغون القرطاجني[8].
أمّا المصادر الثانية، فهي المصادر اليونانية وأهمها كتب المؤرخ والجغرافي هيقاطوس ورغم أن الكتاب لم يصلنا منه شيء كثير عن البربر إلا أننا نجد هيرودوتس عوّل عليه كثيرا. هذا الأخير الذي زار قيريني الشحات في برقة إلى مابين ماطر وخليج تونس حيث قبائل زواوة [9] ويذكر أن البربر ينقسمون إلى قسمين قسم يقطن بالمغرب الأدنى يعتمدون على الترحال وقسم في المغرب الأوسط مستقرون في السهول ويعملون في الحراثة وقد سماهم الجيتوليون وأما أهل المغرب الاقصى فهم الفاروزيون[10] وهناك الناسامونين والماكاي والقارامونت والاوليميديين، كما نجد تأليف ايراتوشينس وهو ابن مدينة قريني الشحات الليبية وكذلك كتب افيلاس قريناي وارتيميدوس الرهاوي وغيرهم كثير لذلك فإننا نجد في الأدب اليوناني ما يسمى بالليبيقيات[11] وهي دراسة بلاد البربر أما المصادر الرومانية فقد أوضحت كثيرا مما سبقها ومن هذه الكتابات ما ذكرت أن قبائل غزولة وجازولة أقدم القبائل من الجيتوليون وعندما مات الملك اليوناني هيرقليس في اسبانيا انتشر جيشه في بقاع الأرض فانتقل الأرمن والماديون إلى شمال افريقية وخالطوا الجيتوليون وتزوجوا منهم وقد كانوا كثيري الترحال فسموهم النوميديون أي كثيري الترحال[12].
ثم تأتي المصادر العربية والتي تنقسم إلى قسمين: قسم من تأليف مشرقي وقسم من تأليف أبناء البربر. وقد ذكر في ذلك ابن حزم نفيه لكل النظريات التي تنسب البربر للعرب ومن هذه النظريات أنهم من أبناء بر بن قيس عيلان ابن مضر ابن نزار[13] وقد نقله ابن خلدون عنه ذلك[14] وقد ظهر خلال هذه الدراسات صراع حول النسب والأصول، وكذلك حول التسمية فقد سمى اليونانيون بلاد الامازيغ لوبي، أما الفينيقيين فسموهم افري وأما الرومان فهم من أطلق عليهم اسم البربر[15] ويظن البعض أن العرب هم من أطلقوا عليهم هذه التسمية[16] أنهم أطلقوه على أنفسهم بمعنى الرجل الحر مع تفريق في الجمع حيث يجمعها الرومان إلى برابرة وهم كل الشعوب الذين لا يخضعون للرومان متأسين باليونانيين وهي تعني غير مفهومي اللغة لذلك فقد شاع الاسم وقبل الامازيغ هذا الاسم وتداولوه بينهم، فتابعهم العرب على ذلك[17]أما اسم مازيغ فيرجعه بعض النسابين إلى أحد أجداد قبيلة لواته ويذكرون في ذلك أن عمر ابن العاص أرسل وفدا من لواته إلى عمر ابن الخطاب فسألهم عن نسبهم فقالوا أنهم يعودون لجدهم مازيغ[18]
2 – لمحة عن التوافق العربي البربري ودوره في بعث الحياة الثقافية
لقد امتد التوافق العربي الأمازيغي منذ الفتح الإسلامي حتى أن كثيرا من قبائل البربر ادعت نسبتها للعرب[19] وكثير منهم كزناتة وكتامة ادعوا أن أول من جاء للمغرب هو بر ابن قيس عيلان وقد سار بعض العرب في هذا السياق فنسبت العرب بعض الأشعار إلى تماضر أخت بر والتي تأسفت على هجرة أخيها في المغرب وتغير لكنته العربية ومن هذه الأشعار[20] :
لــــــتبكــي كل باكــــــية أخــــــــــــــاها***كما أبكي على بر ابن قيس
تحمل عن عشيرته فأضحى***و دون لــــقائه أنـــــــــضاء عــيس
و قولها أيضا : وشطت ببر داره عن بلادنا ***و طوح بر نفسه حيث يمما
قد نسبهم البعض إلى حمير وأنهم رحلوا عندما حل الجفاف بشبه الجزيرة واليمن وهناك رواية أخرى تقول أنهم من أبناء افريقش ابن قيس ابن صيفي وهو أحد الملوك التبابعة، إن هذه النسبة وإن كانت خاطئة كما ذكر ابن حزم وابن خلدون وإلا أنها تظهر مدى تأثر كل واحد بالآخر فلاشك أن الوضع كان مستقرا ولو كان غير ذلك لما ادعى أحد منهم نسبته للآخر[21]، ومن مظاهر هذا التوافق هو ظهور العلماء والأدباء والفاتحين من المغاربة كما أن الحياة العلمية التي نشأت في بلاد المغرب والأندلس وحمل راية الجهاد من طرف المغاربة أكبر دليل على ذلك فطارق ابن زياد كان امازيغيا وكان معظم جيشه من قبائل زواوة وكتامة[22] كما أن ظهور العلماء والفلاسفة كابن رشد وابن خلدون وأبو القاسم عباس ابن فرناس ابن مرداس كانت تدل على هذا التوافق، ولاشك أن انتعاش الحياة الثقافية وظهور المدارس الفكرية بالمعنى العام لها قد ساهم في تطور هذا التداخل حيث أننا نجد أن الامتزاج بين القبائل الهلالية والامازيغية كان يدل على قبول البربر للعرب[23] وترحابهم بهم أما صراع الكلأ والماء بين قبائل بني عامر الهلالية التي هاجرت إلى المغرب سنة 444 ه وبعض بطون صنهاجة وزناتة فليس بالخلاف الذي يحمل معناه العرقي خاصة بعد الاستقرار السياسي وزوال الزيريين ومن خلف الفاطميين من قبائل صنهاجة[24]. لقد شكّل هذا التحالف قوة لعبور الصحراء وسهل من دعوة البربر المتواجدين على حواف الصحراء الشمالية والجنوبية والسودان الغربي والأوسط[25]، غير أن بداية تشكل الدول أو ظهور النزعات السياسية أحدثت نوعا من الصراع العرقي والعصبي في المنطقة أثّر سلبا وساهم في تغير خارطة المغرب وتوزيع القبائل البربرية عليه[26]
3 – الصراع السياسي ودوره في ظهور الخلاف العربي البربري
لقد نشأت الدولة الرستمية162ه-296ه وهي أول دولة مستقلة بالمغرب الإسلامي وقد انفصلت عن الدولة العباسية بمساعدة القبائل الامازيغية خاصة أن جور الولاة وظهور المصالح الشخصية لديهم ساهم في توليد رغبة الاستقلال لدى قبائل المنطقة، تحت غطاء سلطة سياسية وجدوها في مبادئ عبد الرحمن ابن رستم[27] وهذا ما يفسر التحول الكبير للإباضية من طرف السكان والقبائل من جبل نفوسة إلى بلاد الجريد وهو ما أتاح للسكان المشاركة في حكم بلادهم وبدا واضحا ميولهم للدولة الرستمية (مع استثناءات منها بنو زيري من قبائل صنهاجة التي حالفت الفاطميين ودخلت في حرب مع زناتة) غير أن إسقاط الفاطميين للرستميين ساهم في هجرة الكثير منهم للصحراء وافريقيا، وهو ما ساهم في نقل الاباضية عن طريق القبائل البربرية لغاو وتمبكتو ومملكة غانا[28]. توزّعت هذه القبائل في مناطق وعرة هروبا من الصدام المسلح مع الفاطميين، وكما ذكرنا سابقا فإن انتقال بني هلال وبني سليم إلى المغرب قد ساهم في القضاء على الفاطميين298ه – 1058ه فانطلقت قبائل زناتة ومصمودة لتوحيد المغرب ونشر الدين الصحيح فقامت الدولة الموحدية1121-1269، ساهم هذا التوحد في نشر أنواع العلوم ورقي الحياة الثقافية والفكرية من جديد ومع سقوط الدولة الموحدية وبداية عهد الدويلات التي كانت القبائل فيها متناحرة على الأرض والحكم [29]، وتدخّل الإسبان والبرتغاليين في شؤون هذه الدويلات نشأت عداوة كبيرة وتجدد الصراع، وقد لاحظنا كيف أن توحد القبائل وتعايشها يزيد من قوة المنطقة بينما الخلاف والحرب وتدخل الأجنبي تزيدها ضعفا[30]، وبذلك تنهار القيمة الثقافية والفكرية رغم ما حققته تلك الفترة من ظهور المدارس والمراكز الثقافية[31]
4 – التواصل العربي الأمازيغي خلال العهد العثماني
يمكن تقسيم الفترة العثمانية إلى قسمين من حيث علاقة البربر بالدولة فالفكرة الأولى كانت بداية تواجد العثمانيين مرحلة صراع 1506- 1518 فقد قاومت بعض القبائل الوجود العثماني وذلك بإيعاز من الدول الأجنبية تارة ولخوفها من التدخل في شؤونها تارة أخرى كقبائل جبل كوكو[32] وقد أدى تحالف المصالح بين الدويلات والقبائل البربرية إلى اشتداد الصراع بين العثمانيين والقبائل وعلى عكس ذلك فقد أيدت القبائل العربية الوجود العثماني واستعان بهم العثمانيون على فرض سيطرتهم في المناطق الداخلية ومن ذلك القبائل المخزنية التي كانت تقوم بجمع الضرائب وتحصل على امتيازات خاصة وأهم هذه القبائل بني عامر الهلالية وعليه فقد سارت الحياة نحو الاستقرار ونشأت حياة فكرية خاصة في مناطق الشاوية وقسنطينة وجيجل والسوس حيث ظهرت تأليفات بالأمازيغية بخط عربي في شتى العلوم ومنها ما نشره لوسياني المستشرق الذي أتقن العربية والامازيغية “نظم الحوض”[33]. مع الحكم العثماني في تونس وطرابلس، حدث استقرار وتعايش وإن كان قد تخللته بعض المناوشات كثورة سيدي أحمد السعدي سنة1767و الذي دام سبع سنوات[34] ثم ثورة عبد القادر ابن الشريف الدرقاوي سنة 1777 ثم ما [35]عملت عليه دول كإسبانيا وفرنسا وانجلترا كثورة ابن الأحرش 1806التي سعى فيها ابن الأحرش بتحريض من انجلترا إلى قبائل هوارة وزواوة وجمع جيشا من الأهالي الذين عانوا من احتكارات اليهود لمواردهم[36] وقد حارب فيها الفرنسيين المتواجدين في جيجل واحتل شركة صيد المرجان كما ظهرت ثورة الزبوشي الذي عرض على ابن الأحرش توحيد قوتيهما، وخلال هذه المرحلة نلاحظ تعلق السكان بالطرق الصوفية التي صارت المحرك الرئيسي للثورات والانتفاضات. إن الطرق الصوفية التي ازدهرت في العهد العثماني كانت وسيلة للاستخدام السياسي بداية القرن 19، كالدرقاوية والرحمانية كما جمعت التيجانية في الغرب أتباعا ومريدين لها كان لهم حضور في المغرب وشنقيط وإفريقيا وقد لعب البربر دورا بارزا في نشرها، وكذلك الحال بالنسبة للقادرية [37].
5 – تحديات للفكرة الأمازيغية واستغلال الدول الأوروبية لها
لقد حاول الاحتلال الفرنسي عبثا تفريق الشعب المغاربي من خلال قوانين ومراسيم حاول من خلالها إظهار التمييز بين العرب والبربر واستمالة القبائل البربرية، والقضاء على النزعة الدينية لديهم، ومن هذه القوانين الظهير البربري، الذي صدر في 16 ماي 1930 ونص على أن إدارة المنطقة البربرية تكون تحت سلطة الحكومة الاستعمارية بينما تخضع المناطق العربية لحكومة المخزن وقد تم إنشاء محاكم على حسب العادات والأعراف البربرية وذلك بحجة أن عادات وأعراف البربر كانت قبل الإسلام، وبذلك عزلت السلطات الاستعمارية البربر عن السلطة الحاكمة وعن تطبيق الشريعة الإسلامية[38]، وقد استمرت فرنسا في تطبيق السياسة البربرية ومحاولة كسر وحدة النظام القضائي كما جاء عن المكلف بإعداد التقارير، وهذا من أجل إحداث فجوة بين العرب والبربر، فقامت السلطات بإنشاء المدارس ودراسة التاريخ العربي على أنهم غزاة وأن البربر ينتمون إلى الحضارة اليونانية التي هي أقرب للأوروبيين ولم تكل السلطات الاستعمارية في نشر هذا المفهوم من خلال المؤرخين والمنظرين الاستعماريين الذين ساهموا في بعث هذه الأفكار والترويج لها، مثل بول مارتي[39] من خلال كتاباته عن الأنساب في المغرب، رغم مقاومة المغاربة لهذه الأفكار وتمسكهم بإسلامهم وهويتهم ألا إن الاحتلال قد نجح في تسريب هذه الأفكار من خلال بعض المثقفين ثقافة فرنسية، ففي سنة 1949 واجهت هذه الأفكار تجسيدا على أرض الواقع عندما قامت مجموعة من الأمازيغ الشباب المناضلين في حزب الشعب في فرنسا بقيادة حسين آيت أحمد ومنهم علي اعميش وعمر اوصديق وعمر ولد احمودة الذين درسوا تاريخ المنطقة من منظور افريقية اللاتينية[40]، هذه الأسباب التي يراها بعض المؤرخين إضافة إلى انتخاب رشيد علي يحي لقيادة الحركة بفرنسا في نوفمبر 1948، والذي قام بتقديم أطروحات حول الهوية والوطنية ومصير الجزائر المستقلة وأخذت أفكاره تتطور وتتبلور حتى أنه شكل حركة شعبية بربرية أدت إلى ظهور حركة داخل حزب الشعب وسميت بحزب الشعب القبائلي، وأجرى استفتاء حول مصير الجزائر والهوية الجزائرية، ورغم أن النتائج كانت 28 صوت يرفض الحديث عن هذه الفكرة ولا يرى غير الجزائر جزائرية، لكن المسألة لم تتوقف عند هذا الحد فقد قام هؤلاء الشباب بالتنديد بالعروبة والإسلام ورفضهما مطلقا، وقد ازدادت هذه الفكرة مع انطلاق إذاعة تتكلم باللغة الامازيغية سنة 1948، كما أثرت الخلافات بين لمين دباغين ومصالي الحاج في زيادة اشتعالها حيث وقفوا إلى صف دباغين وطلبوا منه مساعدته في تغيير [41]أيديولوجية الحزب، لكنه رفض أي عمل ضد مصالي، وأول من تفطن لهذه الحركة أحمد بودة الذي سعى مع قيادة الحزب لحلها وتفكيك هذه الشبكة، وقد ساهمت هذه الأزمة بشكل كبير في اكتشاف المنظمة الخاصة والتي كادت أن تودي بمصير الثور للهلاك[42]
حقيقة يجب ألّا ننكر أن قبائل المغرب عرفت كيفت تستثمر أمازيغيتها وتجعلها وسيلة للوحدة فبعد الاحتلال الفرنسي للجزائر كانت دعايته الأولى هي تخليص الأهالي من الحكم العثماني[43] ورغم أن بعض القبائل قد التزمت الحياد في بداية الاحتلال إلا أنها سرعان ما توحدت ضد المستعمر عندما علمت أن أغراضه وأطماعه هي أكبر من إسقاط الحكم العثماني فسارعت لأخذ زمام المبادرة في شكل مقاومات شعبية فكانت بيعة القبائل للأمير عبد القادر[44] ومقاومة الحاج عمر ابن زعموم 1844 ضد بيجو ومقاومة بوبغلة ولالا فاطمة نسومر عند دخول الفرنسيين الاربعاء نيثيراثن 1850 [45]، كما أننا نلمس دخول هذه المقاومات تحت قيادات الطرق الصوفية زاد من تماسكها، وكذلك كان الأمر بالنسبة لتونس والمغرب، فقد كانت مقاومة بنزرت والسوس من البربر وكذلك مقاومة الريف المغربية التي كان مفجروها أيضا من مختلف الطرق الصوفية[46]
الخاتمة
لقد عرفت القبائل البربرية تمسكا بدين الإسلام وانتماءاتها الصوفية فكان لهذه الطرق دور بارز في توحيد الأتباع ضد الاستعمار وإحباط مؤامراته في تمزيق الشعب المغاربي وفي ذلك يقول دانييل ريفييه الأستاذ في جامعة السربون في كتابه “المغرب أمام امتحان الاستعمار”: إن المغاربة تمسكوا بما لم يستطع الاستعمار نزعه منهم، في إطار حديثه عن الظهير البربري ورفض المغاربة عربا وبربر له، إن مسألة الأصول التاريخية عند البربر أمر لا علاقة له بانتمائهم للإسلام، فهم شعب مسلم متمسك بالإسلام وتعاليمه وحامل رايته وهو من تولى نشره والدفاع عنه، ولا ينافي ذلك كونه شعبا قديم التواجد له تقاليده وأعرافه الضاربة في جذور التاريخ، وقد نبذ البربر ما يخالف الإسلام من عاداتهم وابقوا على ما يوافقه، وقد قيل أن قبيلة جاءت إلى عقبة ابن نافع بعد إسلامها حالقين الرؤوس واللحى فسألهم عن سبب ذلك فقالوا أنه شعر نبت في الكفر فأردنا أن ينبت لنا شعر غيره في الإسلام، وعرفوا أن الإسلام دين لا ينزع هوية الشعوب فقد أبقى على هوية بلال الحبشي وسلمان الفارسي، أما الحملة التي يقودها الأوروبيون فهي مردودة عليهم، وإلا فإن المسيحية أيضا من المشرق، فلو كانت الأديان تمحي هوية الشعوب فهم أولى، وما هذه الدعاية التي ظهرت منذ 1967 بعد إنشاء الحركة البربرية بقيادة الفرنسي جاك بيني لتحريض البربر وإبعادهم عن دينهم وتدمير الوحدة الوطنية للشعوب المغرب العربي.
*طلبة سنة أولى ماستر تاريخ المغرب العربي الحديث والمعاصر
[1] سعيد بن عبد الله الدارودي، حول عروبة البربر، منشورات الفكر، عمان، ط1، 2012،ص 8
[2] ألفريد أكتاف بل ، الفرق الإسلامية في شمال إفريقيا، دار الغرب الإسلامي، بيروت،1987، ص 28
[3] حجوي غوتيي، “تاريخ الأمازيغ”، دورية كان التاريخية، العدد العاشر،ديسمبر 2010، ص 68
[4]عثمان الكعاك، البربر، صادر عن جمعية تاوالت، الرباط، الدورة 3، 22-12-2005، ص 29
[5] سعيد بن عبد الله الدارودي، المرجع السابق، ص 12
[6]عثمان الكعاك، المرجع السابق، ص 9
[7]بوزياني الدراجي، القبائل الأمازيغية، أدوارها ومواطنها وأعيانها، ط 4، الجزائر، 2010،ص 12
[8] محمد العربي عقون، الأمازيغ عبر التاريخ دراسة في الهوية، ط1، التنوخي للطباعة والنشر والتوزيع،الرباط، 2010، ص10
[9]عثمان الكعاك: مرجع سابق، ص13
[10] محمد العربي عقون، المرجع السابق، ص 17
[11] عثمان الكعاك، مرجع سابق، ص 23
[12] Dr. Provotelle, Etude sur la tamazirt’s, zénatia de Qalaate Es –Sened à Gafsa, Ernest Leroux, Paris ,1911, p3
[13]ابن حزم الأندلسي، جمهرة أنساب العرب، المكتبة الالكترونية الشاملة، يوم 20-04-2015، ص 495.
[14]ابن خلدون، العبر وديوان المبتدأ والخبر، ج 6، دار الغرب الاسلامي، بيروت، ط 3، 2003، ص 191
[15] بوزياني الدراجي، مرجع سابق، ص 13
[16] محمد العربي عقون، مرجع سابق، ص 7
[17]بوزياني الدراجي، مرجع سابق، ص 14
[18] الطيب آيت حمودة، “مولود آيت قاسم وأبناء مازيغ”، مجلة الحوار المتمدن، العدد 3475، 02-09-2011
[19] مبارك بن محمد الميلي، تاريخ الجزائر في القديم والحديث، ج2، المؤسسة الوطنية للكتاب، الجزائر ط2، 1989، ص 208
[20] ابن خلدون، المرجع السابق، ص 124
[21] عمار بوحوش، التاريخ السياسي للجزائر، دار الغرب الاسلامي، بيروت، ط1،،1997، ص 31
[22] مبارك الميلي، المرجع السابق، ص 31
[23] أحمد توفيق المدني، هذه هي الجزائر، مكتبة النهضة المصرية، القاهرة، ط1، 2001، ص 57
[24] بوزياني الدراجي، مرجع سابق، ص 51
[25] أحمد توفيق المدني،المرجع السابق، ص 82
[26]يحي بوعزيز، أعلام الفكروالثقافة في الجزائر المحروسة،ج1، دار الغرب الاسلامي، بيروت، ط1، 1995 ص 21
[27] مبارك الميلي،المرجع سابق ص 204
[28] جوان جوزيف، الاسلام في ممالك وامبراطوريات افريقية السوداء، ترجمة مختار السويفي،ط1، دار الكتب الاسلامية، بيروت،1984، ص 48
[29]مبارك الميلي، المرجع السابق، ص 301
[30] كليل صالح، خير الدين في مواجهة المشروع الاسباني لاحتلال المغرب الاوسط، رسالة ماجستير جامعة باتنة، ص 12
[31] صالح بن قربة،”مصادر تاريخ مدارس تلمسان في العهد الزياني”، تاريخ الجزائر الوسيط من خلال المصادر، المركز الوطني للدراسات في الحركة الوطنية وثورة أول نوفمبر، طبعة وزارة المجاهدين، الجزائر،2007، ص 169
[32] اكليل صالح، مرجع سابق، ص 96
[33] أبو القاسم سعد الله، أبحاث وآراء في تاريخ الجزائر، ج4، دار الغرب الاسلامي، 1،بيروت،1996،ص207
[34] عزيز سامح التر، الاتراك العثمانيون في افريقيا الشمالية، ص526
[36] مبارك الميلي مرجع سابق ج 3، ص 253
[37] رشيدة شدري معمر، العلماء والسلطة العثمانية في عهد الدايات، رسالة ماجستير، جامعة الجزائر، ص 45
[38]علال الفاسي، الحركات الاستقلالية في المغرب العربي، مطبعة الرسالة، القاهرة، ط1 ،1948،ص121
[39]مؤرخ فرنسي اهتم بأنساب القبائل البربرية وأصولها وخاصة الصحراوية، يعتبره البعض المنظر لاحتلال موريتانيا. لديه عدة تصنيفات حول العلاقات بين القبائل العربية والبربرية في بلاد البيضان الترارزة
[40]عبد الرحمن بن ابراهيم العقون،مذكرات من وراء القضبان،ط3،الشركة الوطنية للنشر والتوزيع،الجزائر، 1959، ص ص 19، 20
[41] مجهول، ازمة جركة انتصار الحريات الديمقراطية وأثرها على اندلاع الثورة، جامعة تبسة، 2008-2009، ص 45
[42] بن يوسف بن خدة، جذور أول نوفمبر 1954، ترجمة مسعود حاج مسعود، دار الشاطبية، الجزائر،ط2 2012،ص ص211-212
[43] أبو القاسم سعد الله، محاضرات في تاريخ الجزائر بداية الاحتلال، م ون ت، الجزائر، ط 2،،1982،ص 44
[44] أبو القاسم سعد الله،الحركة الوطنية،ج1،دار الغرب الاسلامي،بيروت،ط1،،1992، ص 298
[46]علال الفاسي، مرجع سابق، ص 125
[/et_pb_text][/et_pb_column_inner][/et_pb_row_inner][/et_pb_column][et_pb_column type=”1_4″][et_pb_sidebar admin_label=”Sidebar” orientation=”right” background_layout=”light” area=”sidebar-1″ remove_border=”off”] [/et_pb_sidebar][/et_pb_column][/et_pb_section]