مشاكسات #1: هل للدولة سلطة على أجسادنا؟
|بقلم: سوسن فري
نظّمت جمعيّة تونس الفتاة الحلقة الأولى من منتدى مشاكسات يوم 26 مارس 2022 بتونس العاصمة. وقد طرحت هذه الحلقة الإشكالية التالية: هل للدولة سلطة على أجسادنا؟
أشار الحاضرون إلى أنّ هذه الاشكالية تطرح على مستويين. المستوى الأول يتعلق بالمصلحة العامة، إذ يقتضي الأمر أن يقوم الجميع بالتلقيح نظرا للضعف الذي تعانيه المؤسسات الصحية في تونس، حيث كشفت لنا جائحة كورونا عن الصعوبات الهيكلية التي يعرفها القطاع، إذ تفاجأ التونسيون بأن الدولة لا تملك أكثر من بضع مئات من أسرّة الإنعاش في كامل مستشفيات الجمهورية. وعليه فالسبب الصحي له مشروعيته.
أما المستوى الثاني فيتعلق بحرية الجسد، فإجبارية التلقيح تنتهك مبدأ حرية الفرد وتحدّ من سلطته على جسده، ويعتقد البعض أنّ هذه الممارسة تستطيع ان تندرج في خانة ما يطلقون عليه “محاكمات الجسد”. حيث يهيّأ للدولة في هذا المستوى أنها الطرف المخول له داخل المجتمع ان يقرر المصلحة العامة، فتتيح لنفسها من خلال اجهزتها القمعية ومن خلال احتكارها للعنف الشرعي اخضاع الأجساد. ويعتقد أصحاب هذا الرأي ان هذه الممارسة هي مدخل للقمع ومن الممكن أن تؤسس في المستقبل لبنى ذات طبيعة اضطهادية.
يشير اصحاب هذا الرأي أن لكل مستوى وجاهته. ولذلك فهم لا يرفضون مبدأ اجبارية التلقيح في المطلق، ولكن يرفضون ان تضبط الدولة، ككيان قانوني ينظم المجتمع، هذا الأمر باعتبارها جهازا قمعيا من وجهة نظرهم.
في المقابل يشجب متحدثون آخرون إجبارية التلقيح حيث يعتبرون أنه لا يجوز للدولة أن تقرر نيابة عن مواطنيها. فالواقع في تونس يثبت بأننا كتونسيين لدينا قابلية خضوع رهيبة واستعداد أصلي لتسليم أنفسنا للسلطة. فالترحيب الشعبي الواسع بما حدث من استيلاء رئيس الجمهورية على كافة مقاليد السلطة ليلة الخامس والعشرين من جويلية يثبت بأن الشعب متعطش إلى صورة الأب الذي يمسك لوحده بزمام الأمور ويدرك مصلحتنا أكثر منا ويعلم جيدا أين يأخذنا وكيف يدير شؤوننا، وما ضعف المشاركة في الاستشارة الوطنية الإلكترونية إلا برهنة من المواطنين عن عدم رغبتهم في خوض تجربة التفكير الجماعي في المشروع السياسي الذي سيحكمهم في المستقبل، وتعبير صريح عن رغبتهم في تسليم السلطة كاملة إلى رئيس الجمهورية ليقرر بدلا عنهم الأنسب لهم.
في محاولة لتفكيك العوامل المحددة لجنوح التونسيين إلى سلطة الفرد الواحد، أشار أصحاب هذا الرأي إلى أن مشروع التحديث الذي انطلق في تونس مع الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة إثر الاستقلال، كان مشروعا فوقيا وقسريا، لم يحرص على التجذر قاعديا بين عموم فئات الشعب التونسي، فجعل التنشئة السياسية للأفراد غير متشكلة بشكل سليم. فاعتبار الدولة جهازا علويا فوق المجتمع يفصح عن تمثل التونسيين لمفهوم الدولة، التي يستبطنون أنها أدرى منهم بمصلحتهم. وهذا مرتبط في احدى جوانبه بتاريخ السلطة في الثقافة العربية الاسلامية.
هذا التحديث العنيف الذي مارسته دولة الاستقلال، من خلال جهازها القمعي وجهازها الايديولوجي، جعل التونسيون يكونون تصورا عنها مرتبطا بالأساس بالتسلط والهيمنة. ويعتقد أصحاب هذا الرأي أن الطريقة الفوقية والاعتباطية التي فرض بها مرسوم إجبارية الاستظهار بجواز التلقيح في الفضاء العام في الاشهر الفارطة تعتبر شكلا فجا من أشكال تعمل الدولة التسلطي مع مواطنيها.
كما تطرّق البعض الآخر من المتحدثين إلى قرار دائرة المحكمة الإدارية بالمنستير الصادر في 23 مارس 2022 القاضي بعدم شرعيّة فرض جواز التلقيح لمخالفته قاعدتي التناسب والضرورة المضمنتين في الفصل 49 من الدستور وأشاروا الى أن الوضع السياسي الاستثنائي الذي تعرفه تونس إثر تجميد عمل البرلمان وتنظيم السلطة من خلال تنظيم مؤقت واقتصاره على فرض التشريعات عن طريق إصدار مراسيم رئاسية أدى الى عدم خوض نقاش مجتمعي حول المسألة ولم يسمح بتداوله داخل اروقة البرلمان وفي وسائل الاعلام وبقية مكونات الفضاء العام.
وفي محاولة لمناقشة أشمل تتجاوز السياق التونسي لعلاقة الدولة بأجساد الأفراد، أشار المتحدثون إلى أن الرقابة على أجساد المواطنين ليست شيئا طارئا على علاقة الدولة بهم، بل على العكس من ذلك تعتبر جزءا لا يتجزأ، بل ومن جوهر العلاقة التي تجمع بينهما. فالدولة الحديثة تعتبر ان السيطرة على الجسد من صميم اختصاصها، غير أن المسألة تتمظهر في كل دولة بشكل معين. كما أن السياق التاريخي الذي نعيش فيه والذي أطلق عليه عالم الاجتماع الالماني أولريش بيك اسم “مجتمع المخاطر”، جعل من الوباء ذريعة للدول لممارسة سلطتها.
كما أشاروا الى أن محاولة فهم الظاهرة في تونس من خلال ثنائية الفرض والخضوع تجعلنا نقع في مقاربة جوهرانية ثقافوية، تختزل التونسيين في كونهم ينتمون الى ثقافة تقبل في جوهرها بالاستبداد.
المشاركون في النقاش واختصاصاتهم
- أسامة سليم- فلسفة
- أنور القلعاوي- قانون
- آية بن منصور- علم اجتماع
- حمزة عمر- قانون
- خليل العربي- علوم سياسية
- سوسن فري- أنثروبولوجيا
- عماد قيدة- أنجليزية
- مالك عطيّة- اقتصاد
- محمد حدّاد- هندسة كهربائية/فلسفة
- مريم مقعدي- فلسفة
- مطاع أمين الواعر- علم اجتماع
نشر هذا المقال في مجلّة حروف حرّة، العدد 14، مارس 2022، ص. ص. 14-15.
للاطلاع على كامل العدد: http://hourouf14.tounesaf.org