حيّا الله العلم
|[et_pb_section admin_label=”section” fullwidth=”off” specialty=”on”][et_pb_column type=”3_4″ specialty_columns=”3″][et_pb_row_inner admin_label=”row_inner”][et_pb_column_inner type=”4_4″ saved_specialty_column_type=”3_4″][et_pb_text admin_label=”النص”]
بقلم: عفراء معيزة
نظرت يوما إلى الهاتف الجوّال بيدي، تمعّنت فيه كثيرا كأننّي أكتشفه لأوّل مرّة، قلّبته مرارا وتكرارا بين أصابعي، فتحته ثمّ أغلقته، لمست أزراره وتصفّحت خيارات لوحته وقلت في نفسي : يا لنا من شعب مستهلك.. حتى أبسط الأشياء التي نستعملها بحياتنا اليوميّة لا نستطيع صنعها بأنفسنا.. لماذا إلى الآن لم نتحوّل من مجتمع مستهلك إلى مجتمع منتج؟
تذكّرت حينها مقالا ناقدا رأيته لأحد الأصدقاء على الفايسبوك وبقدر ما أعجبني آلمني جدّا فقد ضحكت وتنهّدت في آن واحد عندما قرأته، يلخّص ما آل إليه حالنا حيث أنّنا نستعمل كلّ منتوجات العالم المتقدّم ثمّ نلعنهم.. ففي أحداث السفارة الأمريكية بتونس حين تسبّب في حرقها مجموعة من الشّباب الغاضب المأخوذ بحميّة الغيرة على الإسلام، أخبر المقال عن مدى ضعفنا وجهلنا لما يدور من حولنا.. نصوّرهم بكاميرات من صنعهم، ننزل الصور على حواسيب استوردناها منهم، نفتح الأنترنت التي اخترعوا لنا شبكتها، ندخل على الفايسبوك الذي كبّلونا به ونرتدي ملابس كتبت عليها ماركاتهم ثمّ نرفع راية لا تغني ولا تسمن من جوع ظانّين أنّنا الأقوى..
نعم كنّا الأقوى عندما كنّا نهتمّ بالعلوم في الدّولة الإسلاميّة التي أنشأها رسول الله عليه الصلاة والسّلام والتّي استمرت في الفترات الأمويّة والعبّاسيّة… نعم كنّا الأقوى عندما كنّا نمزج بين العقل والرّوح… نعم كنّا الأقوى عندما كانت مشاعل الحضارة الفتيّة تبدّد ظلمات الجهل وتنير للبشريّة طريقها، فالسّياسات الأحادية القائمة أفقدت المجتمعات العربية -الغنيّة بالثروات الطبيعيّة والإنسانيّة والحضاريّة- أفقدتها يقظتها وحسّها الإنسانيّ ومناعتها المجتمعيّة وتموضعها الحضاريّ في عالم اليوم وهي التيّ تهدف إلى إبقاءنا ضمن العالم الثّالث..
نحن أمة “اقرأ” ولكنّنا لا نقرأ وقد فازت علينا الأمم الأخرى باتّخاذها لهاته الكلمة منهج حياة وتخاذلنا نحن في إتّباعها وإتقانها على الوجه الأمثل. أتذكّر أنه ذات يوم حينما استقلت الحافلة سمعت حديثا يدور بين شلّة من الأولاد عن موضوع ما، لم أنتبه إلى الموضوع بقدر ما جذبتني كلمة قالها أحدهم “حيّا الله العلم”… أعجبت بهذه المقولة كثيرا وجعلت أردّدها في نفسي حتى أنّني أخرجت ورقة وقلما من حقيبتي ودوّنتها.. فكّرت كثيرا بحالنا بالبلدان العربية، هل حقّا نقدّر العلم بقدر ما يقدّره الغرب؟ كان الشباب في الحافلة يتحدّثون عن كيفية “التشات” على الفايسبوك وكيف أنّ الرسائل تحفظ في البريد الوارد دون تغيير لكلّ منهم، هم حيّوا العلم الذي أتاح لشابّ معجزة مثل “مارك زكربيرج” اختراع الفايسبوك وانطلاقه ليثير في العالم زوبعة من الاهتمام.. ولكنّ السّؤال الذي جال بفكري وطرح نفسه على خاطري هو : هل يقدّر هؤلاء الشباب العلم حقّا ؟ هل يطمحون أن يكونوا مثل “زكريبرج” ؟ هل يفكّرون في مشروع نهضة للمجتمع ؟
نحتاج حقّا إلى نهضة فكريّة تقلب مجتمعاتنا العربيّة رأسا على عقب.. نحتاج إلى انقلاب فكريّ وحيرة وشكّ وتردّد وتحوّل الأمور البديهيّة إلى نظريّة وتجارب واختبارات.. نحتاج إلى زلزال وزعزعة جذريّة في أذهاننا..
قالها لي مرّة طبيب الأسنان الذي أزوره لمشكلة عندي بـ”ضرس العقل” كما يسمّونه.. قال لي أنّه يجب علينا قراءة كتب الفلسفة والفلسفة الإسلامية والتاريخ والجغرافيا وعلوم النّفس والاجتماع لكي نرتقي بفكرنا وأفكارنا فالقاع ازدحم.. لأنه ما من نهضة علميّة من دون نهضة فكريّة وأنّ هذه “الفنون” هي التي تحفّزنا وتدفعنا إلى العمل وتحدّد لنا أهدافا واضحة تكون ذات قيمة واقعيّة.. يجب علينا الانفتاح على الثّقافات الأخرى والفلسفات والرّؤى المغايرة والمخالفة للمسلّمات البديهيّة التي قد لا تكون مناسبة لزماننا..
إنّ مجتمعاتنا العربيّة بحاجة إلى تغيير جدّيّ في كثير من المسائل.. بحاجة إلى تغيير مدروس في الموارد المدرسية والجامعية.. بحاجة إلى فلاسفة ومثقّفين ومفكّرين اجتماعيّين ونفسييّن ينزلون من عروش الفلسفة والفكر إلى ضوضاء الجهل والأمّية لدى النّاس ليورّثوهم مخزونهم فيصنعون بذلك النهضة الفكريّة المنشودة من أجل ركوب الحضارة العلميّة والخروج من دول العالم الثاّلث.. نهضة بهمّة حديديّة تناشد الثّريّا.
[/et_pb_text][/et_pb_column_inner][/et_pb_row_inner][/et_pb_column][et_pb_column type=”1_4″][et_pb_sidebar admin_label=”Sidebar” orientation=”right” background_layout=”light” area=”sidebar-1″ remove_border=”off”] [/et_pb_sidebar][/et_pb_column][/et_pb_section][et_pb_section admin_label=”section”][et_pb_row admin_label=”row”][/et_pb_row][/et_pb_section]