كيف نفصل الرياضة عن المال؟
|كثر الحديث في هذه الأيّام عن تورط المال في تغيير مفهوم الرياضة من خلال نزع الجانب الروحي والمعنوي عنها و غمرها بالمادة و برؤوس الأموال. فالواقع يؤيد مثل هذا القول و يكفي أن نلقي نظرة على المشهد الرياضي العالمي حتى نستشف هذه الحقيقة. فلننظر مثلا إلى سوق تنقل اللاعبين والمدربين و تأثيرها على التنافس بين الأندية إذ لا فوز بالألقاب إلا للفرق الأكثر ثراء. و لقد ساهمت مرونة القوانين في تسهيل تنقل اللاعبين و على سبيل الذكر لا الحصر قانون الاتحاد الأوروبي أوائل التسعينات الذي جعل لكل لاعب ينتمي للمجموعات الأوروبية أن ينشط في أي فريق أوروبي و بالتالي فتح الأبواب أمام الفرق لانتداب ما طاب لها من اللاعبين الأوروبيين بعد أن كانت مقيدة ب3 لاعبين أجانب(على الميدان) كحد أقصى. هذا الإجراء جعل لقبا مثل كاس رابطة الأبطال الأوروبية حكرا على الفرق الأغنى عالميا بعد أن كانت فرق مثل اولمبيك مرسيليا، النجم الأحمر ببلغراد، اجاكس أمستردام، بنفيكا، بي اس في ايندهوفن وغيرها تراهن على اللقب. فالمال قلص من التنافس بشكل جدي وأضفى طابعا ماديا على النصر و الألقاب.
إلا انه لا يمكن اليوم الرجوع إلى الوراء و فصل المال عن الرياضة التي تحولت من تنافس هاوي إلى احتراف و امتهان. كما أصبحت الرياضة و خاصة في العالم المتقدم جزءا من المنظومة الاقتصادية من خلال تغير الأطر التي تمارس صلبها (الرياضة) و المرور من جمعيات إلى شركات تجارية تهدف إلى تحقيق أرباح. فقول ميشال بلاتيني وهو رئيس الاتحاد الأوروبي لكرة القدم بضرورة إرساء “روح رياضية مالية” (Fair play financier) في سوق انتقال اللاعبين لا يستقيم منطقيا باعتبار أن “الأندية” (الشركات) تتنافس على استقطاب اللاعبين بأرفع التكاليف لتحقق أرباحا من وراء الصفقات (خاصة بيع قميص اللاعب المنتدب) دون البحث كثيرا عن مردوده على الميدان.
ورغم ما ذكر سالفا فان الرياضة الهاوية يمكن أن تجد مكانها بشكل يضمن ممارستها. فيكفي أن نلقي نظرة في الدول المتقدمة و كيف توفر كل المرافق و التجهيزات لمن يرغب في ممارسة الرياضة بشكل يجعلنا لا نشك لحظة بان الرياضة حق يمارسه من أراد و ليست حكرا على عالم المال. وبالتالي، فيجب الفصل بين مفهومين: الرياضة في معناها الأوّل والعام الّذي جاءت الألعاب الأولمبية في بدايتها لتكريسه وهي رياضة تقوم على التنافس المتكافئ بين اللاعبين دون اعتبار للإمكانيات الماديّة لكلّ منهم، وهي مرفق عام وحقّ يجب على الدولة أن توفّره لكافة المواطنين على قدم المساواة، وبين الرياضة التجارية/المحترفة ولا علاقة لها (سوى من حيث النشاط الممارس) بالمعنى الأوّل وهي نشاط تجاري مفتوح لاستثمارات رؤوس الأموال وهي مجال يجب أن يبقى بعيدا عن تدخّل الدولة وعن أيّ أموال تنفقها المجموعة الوطنيّة.