الطب مهنة إنسانية نبيلة…إلى أن يأتي ما يخالف ذلك

tobba

بقلم وجدان المقراني

تتسم مرحلة الانتقال الديمقراطي بالدقة والخطورة، لأنها ستبني أسس النظام الديمقراطي الجديد الذي يجب أن يتم بأدنى الأضرار والخسائر وبأهم المنافع والمصالح، وتعد الإضرابات والاعتصامات من أهم الآليات الاحتجاجية التي  استعملها الموظفون للتعبير على  احتجاجهم وعدم رضاهم على أوضاعهم المهنية، وقد ازداد نسق اللجوء إلى هذه الآليات بعد ثورة 14 من جانفي، وهو يعد أمرا عاديا خلال أي فترة انتقالية، غير أن خطورته تكمن في تواصل مثل هذا النسق المرتفع دون معالجة أسبابه معالجة فعلية. علما وأن ضمان حق الإضراب لا يعني التعسف في استعماله مما يستوجب عقلنة اللجوء إليه  من خلال ضمان حق الإضراب من جهة وضمان استمرارية المرافق العامة من جهة أخرى، ويمتاز الإضراب بكونه حرية فردية تمارس على صعيد جماعي، حيث يمثل سلاحا قانونيا ناجعا يلتجئ إليه الأعوان بغية الضغط على الإدارة من خلال الاضطراب الذي يحدثه الإضراب لتحقيق مصالح خاصة للمضربين أو للاحتجاج على أمر معين يرفضون الالتزام به وهو حال  الأطباء الذين دخلوا في إضراب عن العمل من تاريخ 2 إلى 7 جانفي 2014، تنفيذا لقرار نقابة الأطباء الداخليين والمقيمين الملزم  بالإضراب عن العمل  لمدة ستة أيام بكامل جهات البلاد وذلك  احتجاجا على مشروع قانون العمل الإجباري لمدة ثلاثة سنوات بالنسبة للأطباء المختصين الذين تخرجوا حديثا.

وقد أثار إضراب الأطباء جدلا شديدا، فعلى الرغم من مشروعية المطالب المرفوعة فإنّ آثار تنفيذ الإضراب عرفت نقدا وإدانة أخلاقية نظرا لطبيعة مهنتهم الإنسانية وخطورة تنظيم الإضراب على أوضاع المرضى والحالات الحرجة، ويطرح  هنا سؤال هل من الممكن تنظيم إضراب في قطاع حساس وحيوي مثل القطاع الطبي دون إلحاق الضرر بأي مريض ؟  وقد اعتبر الأستاذ نور الدين العلوي  أن سبب احتجاج الأطباء المضربين  الذين استندوا إلى حجة افتقار الأجهزة الطبية داخل المستشفيات في المناطق الداخلية حجة واهية  “لأن المناطق الداخلية تفتقر أولا إلى أطباء مختصين وما كل التدخلات الطبية تستحق آلات وتجهيزات فضلا على أن وجود الطبيب قبل الآلة يستدعي تكملة وجوده بها وليس العكس، ووجود الطبيب يشجع المرضى على المطالبة بتوفير الآلات الطبية”، كما انتقد احتجاجهم على فرض مكان العمل على العامل واعتبرها مغالطة “لأن كل عون عمومي ملزم بالتنقل  كالمعلمين والقضاة…”، من جانبها صرحت رئيسة لجنة التشريع العام بالمجلس التأسيسي كلثوم بدر الدين أن ’’هذا المشروع من شأنه أن يضمن الصحة لجميع الجهات بالبلاد ’’، كما تمت إثارة مسألة الجهويات  باعتبار أن متساكني المناطق الداخلية هم مواطنون من درجة ثانية وهو ما يتنافى ومبدأ المساواة … ولكن ألا يحق لهؤلاء المواطنين الذين يدفعون الضرائب أن تكون لهم مستشفيات تضم أطباء مختصين ومجهزة بالآلات ؟…والى متى ينظر للمناطق الداخلية على أنها ولايات درجة ثانية أو حتى ثالثة ؟ وأي دور لعبته الثورة مادامت عاجزة على تغيير العقليات التي تحتقر متساكني المناطق الداخلية وتعتبر أن الرقي انحصر في العاصمة وفي المناطق الساحلية…… توحدتم أيها الأطباء صفا واحد ونفذتم إضرابكم… ولكن في قاعات الانتظار توجه عديد المرضى للمستشفيات العمومية بحثا عن من يسكّن لهم ألامهم  ولكن إضرابكم زادهم آلما …تكبدوا عناء السفر لكي يخضعوا للعلاج ولكنهم عادوا خائبين…كان من بينهم مرضى حالتهم حرجة وتستوجب تدخلا سريعا وكل تأجيل في معالجتهم قد يؤدي لتدهور حالتهم الصحية … أهذه هي القيم  الإنسانية  النبيلة التي تقوم عليها مهنة الطب ؟؟؟  هددتم بالإضراب العشوائي وقمتم بتنفيذه…قدمتم حلولكم البديلة ومن بينها ’’ المطالبة بتوفير مناخ عمل امن وتحسين عمل الأطباء في المناطق المحرومة وإحداث منحة مشقة ومنحة سكن ومجانية التنقل واشتراط التمتع بالعمل في المناطق الريفية والمحرومة ’’…ولكن تبين أنها شروط  وطلبات مادية مقابل ذهابكم للعمل في داخل مناطق البلاد..عبرتم على رفضكم لإجبارية التنقل واعتبرتموها اهانة في حق الطبيب وأكدتم أنكم ستتنقلون إلى المناطق الداخلية متى أردتم انتم  ذلك …ولكن الم تستنكروا غياب التجهيزات الطبية ….إذا كيف ستعاجلون المرضى في ضل غياب الآلات الطبية ؟ درستم الطب مجانا في كليات الطب كان بإمكانكم أن تلبسوا شارات حمراء  لكي تعبروا على رفضكم لمشروع قانون مازال لم يمرر بعد، كان بإمكانكم أن تبعثوا رسالات طمأنة لكل مريض داخل المناطق الداخلية تعدونه فيها ببذل كل ما في وسعكم لإرغام الدولة على توفير التجهيزات الطبية اللازمة وقبول إسعاف كل مريض في كامل تراب الجمهورية..ولكنكم اخترتم التصعيد وشخصنتم الخصومة مع وزير على أهبة الرحيل وعبرتم على رفضكم للمشروع جملة وتفصيلا دون اخذ انتظارات المرضى بعين الاعتبار ….

لا يزال إضراب الأطباء متواصلا…ولا يزال المرضى يتوافدون على المستشفيات الحكومية الخالية من الأطباء …أثبتم أن مهنة الطب هي مهنة إنسانية مادامت في مستشفيات قريبة من العاصمة فيما عدا ذلك يصبح النظر في مدى إنسانية هذه المهنة محل اخذ ورد وتصبح مصلحة الطبيب وراحته أهم بكثير من إنقاذ حياة مريض يحتاج فيها إلى طبيب بجانبه.. وقد يموت إن لم يجد الإسعافات المطلوبة…

Please follow and like us:
One Comment

اترك رد

Verified by MonsterInsights