الخرافة : الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
|كثيرا ما سمعنا عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كهدف يكرّس البعض حياتهم من أجله. بل وقد يصل بهم الأمر إلى اقتحام حياة الآخرين لينصّبوا أنفسهم أسيادا عليها، يأمرون بهذا ويهددون إن لم يُفعل ذاك دون أن تردعهم أخلاقهم أو دينهم أو حتى إنسانيتهم التي يجحدونها سرّا وجهرا ويتملّصون منها وكأنّها الإثم العظيم الذي يصعب التخلّص منه. الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر : عنوان أنيق، مريح ولا يستدعي شيئا من التوجّس والحذر. ولكن، لنفهم أوّلا ؛ ما المقصود بالمعروف ؟ وكيف “يُؤمر” به ؟ وما المقصود بالمنكر وكيف “يُنهى” عنه ؟ وبأيّ صفة يحقّ لنا كشركاء في الإنسانيّة أن يأمر أحدنا الآخر أو ينهاه ؟ لننطلق من عبارة قرأتها من خطبة الشيخ صلاح بدر، يقول فيها : ” إن المعاصي والمنكرات هي الداء العضال والوباء القتّال الذي به خراب المجتمعات وهلاكها وإن التفريط في تغيير المنكرات ومكافحتها والقضاء عليها من أعظم أسباب حلول العقاب ونزول العذاب ” ويضيف في نفس الخطبة : ” أيها الآباء والأمهات : طهروا بيوتكم من جميع المنكرات ” ثم يخاطب المسلمين فيقول : ” أيها المسلمون : إنكم أغلى وأعلى وأعز وأكرم من أن تهبطوا من سماء عليائكم إلى التشبه بأمم كافرة فاجرة تعيسة بئيسة حائرة شاردة تلهث وراء شهوتها وتستهيج في سبيل متعتها… فأين القائمون لله ؟ الذابون عن دينه، الذائدون عن محارمه، بمجاهدة عدوه وأهل معصيته .” ومن هنا يمكنني أن أفهم ما المقصود بالمعروف والمنكر. المنكر هو الفساد الذي ينتج عن الشّهوات والمتعة المتهيجة التي يعجز أحدنا أن يكبح جماحها. هو التشبه بـ”الأمم الكافرة الفاجرة التعيسة البئيسة الحائرة الشاردة”. والأمر بالمعروف هو الفعل الذي يرتكبه “الذابون عن دينه، الذائدون عن محارمه، بمجاهدة عدوه وأهل معصيته”. هذا ما يستنتج من خطبة شيخ هي نموذج عن خطبة حملة هذا الإيمان الذي ما فتأ ينتشر بين أوساط حديثي روّاد السّوق الدّعويّة. إذن وبناء على هذا الأساس، فإن سبب الفقر الذي لاصق حدود بعض البلدان والقرى والمنازل، وأن سبب الكوارث في أمة الإسلام، وأن هذا الكمّ المفزع من الجهل والجمود الفكريّ والتبلّد الذّهنيّ الذي جعلنا نحافظ على مكانتنا في “الذّيل” دائما عندما يتعلق الأمر بالترتيبات العالميّة المختلفة .. وغيرها من مظاهر الوهن الذي إحترفناه وأدمننا كانت جرّاء المعاصي التي صُدّرت إلينا من الأمم الكافرة. جرّاء تبرّج النّسوة مثلا وممارسة “الرذائل” بل ويصل الأمر حدّ تقنينها أحيانا، وأنّ إنتشار الدّعارة في مجتمعاتنا المشغولة والمستهلكة للرذيلة بطبعها، وأنّ شرب النّبيذ وبيعه وإستهلاكه، وأنّ إستماعنا إلى الموسيقى وإستمتاعنا بها حدّ الرّقص بجنون على أنغامها، وأنّ حكايانا العاطفيّة المسروقة، وأنّ اللّباس نلبسه وأنّ تسامحنا مع غير المسلمين أي مع الكفّار .. هذه الأسباب وحدها كانت المسؤول الرئيسيّ وربّما الوحيد على إستقرارنا في قاع العالم .هل تعلمون يا سادة أنّكم بسمومكم هذه، تنشرون المرض في عقول الناس وتنتجون الشّعوذة في مجتمعات تستكين إلى الشّعوذة لأنّها لا تكلّفهم الكثير من التفكير والجهد .كيف تتكلّون عن التبرّج وأنتم ترتكبون أسوأ دعارة وعهر فكريّ في تاريخ العقل البشريّ. تسمّمون عقول النّاس بأن أوهمتم السذّج منهم بأنّ الطّاعة والخير كافيان لزوال كلّ هذه الكوارث الّتي أورثها إيّانا أسلافكم ثمّ تقنعونهم بأنّ إرتفاع الأسعار مثلا قضاء وأنّ جوعهم قدر وإبتلاء وجب الصّبر عليه والشكّر عنه. . تتجاهلون العقل والعمل والتبصّر في الأسباب، وهذه هي الحلقة السّاقطة من خطابكم. من المخزيّ والمقرف حقا، أنّ شيوخنا ورجال ديننا في حديثهم عن المعاصي، هم لا يقصدون أبدا الفساد الإداريّ، وفساد الحكّام أو من يعتقدون في شأنهم بأنهم “أولي الأمر منّا”، الماسكين برقابنا والواجبة طاعتهم. هم لا يقصدون أبدا أن يُرهّب بإسم الدّين وأن يُقتل بإسم الدّين وأن يُجوّع بإسم الدّين ويفقّر بإسمه أيضا. المعاصي التي يعرفونها ويعملون جاهدين ومجاهدين على حقننا إيّاها جيلا بعد جيل، هي عدم إطلاق اللّحية، وعدم تقصير الثوب وعدم إرتداء الحجاب وربّما النّقاب في أيّامنا هذه، وعدم الخروج عن طوع أولي الأمر منّا، خاصة ذاك الذي يحمل بيمناه مسبحة وبشماله غانية وضعت دينه وإيمانه وكتابه وسنّته ومال شعبه تحت قدميها… وغير ذلك من المهازل الّتي أرهقنا الخوض فيها بحقّ. وتغافلوا على أنّ أكبر المعاصي الّتي قد نقترفها بسببهم هي أن نصدّق شعوذاتهم فقط لأنّها تلحّفت بشيء من القدسيّة والحساسيّة. لأنّ الحاجز النفسيّ لازال لم ينهار بين المسلم والتفكير في المسائل الدينيّة ونقدها، هو فقط يتّبع ما يتقيّؤه شيوخ الفضائيات بمقابل ماديّ، أو ما يقوله بعض ممّن يصادفهم في حياته، أولئك الذين إكتفوا بكتابين أو ثلاثة وبلحية غير مهذّبة وبعود من الأراك لا يفارق أفواههم ثمّ إنتصبوا حاكمين على مسائل شخصية بالأساس ! كنت قد تساءلت في البداية عن الصّفة الّتي يتدخّل بمقتضاها قصار الأقمصة طِوال اللّحى. وفي الحقيقة كان تساؤلا استنكاريّا لسبب بسيط لا يخفى علينا جميعا. إنّ إعتقاد هذه الفئة من المواطنين الذين لا يؤمنون بالوطن أساسا بأنّ ” الله لم يهد سواهم ” وبأنّه فوّضهم للتّرافع بإسمه في الأرض، هذا الاعتقاد الأعمى وحده كافٍ ليشرّع في نضرهم بأن يؤمرون وينهون بالأساليب غير المتاحة قبل المتاحة. طمعا في الحوريّة أوّلا، وجهادا في سبيل تطبيق شريعة ربّما خفي علينا أنّ الأمم الكافرة إتّبعتها لتكون على هذه الرّيادة المذهلة سياسيّا وإقتصاديّا وفكريّا وثقافيّا وعلميّا، أو ربّما لأنّ تلك الأمم فهمت كانت خير أمم أمرت بالمعروف ونهت عن المنكر، في انتظار إتباع بعض الحلول سواء الآنية أو طويلة المدى كالتدخّل الصّارم والجدّي لأجهزة الدّولة في إطار احترام القانون مع ضرورة أن تتحلّى المنظّمات الاجتماعيّة وجميع مكوّنات المجتمع المدنيّ بالشجاعة الكافية للتصدّي لتساهل الدّولة أمام هذه الممارسات التي ستؤدّي لا محالة إلى الاقتتال. على رأس الحلول إصلاح التعليم، علّنا ننقذ عقول الأجيال القادمة من وحش الدّمغجة ونقد الفكر الإسلامي المتمعّش من الأفكار الموجّهة نقد مباشر وشرس، كما ينبغي أن يحمي المثقّفون السّاحة الفكريّة بالأبحاث المضادّة والحجج المضادّة والنّصوص المضادّة .. أرجو أن لا يكلفنا ذلك الكثير !