انهض لم تحن ساعتك بعدُ…
|إلى امرأة …
اعترضتني يوما…
فسكنتني…
سكنتني فارقتني…
أرقتني حتى انها ابكتني…
ابكتني حتى كتبتها…
انهض لم تحن ساعتك بعدُ…
في شقة مظلمة في بقعة ما من هذه الأرض. تفتح عينيك و أنت ممدد على فراشنا. تتلمس هاتفك الخلوي ليرشدك إلى الساعة. تأخر الوقت. سيكون من العبث ذهابك إلى المكتب في مثل هذه الساعة. تتململ…تنهض و تتعثر في حوائجك المبعثرة هنا و هناك. تفوح منك رائحة الكحول…و تفوح في الشقة رائحة متعفنة.
بقايا السجائر هنا و هناك…متى ستقلع عن التدخين؟ كم مرة وعدتني؟
سوف لن تقلع عنه أبدا.
تمر إلى المطبخ تشغل آلة القهوة. لم تحبّ يوما قهوة الآلة. أنت تفضل دائما قهوتك المطهيّة على النار. تشير إلى الآلة بأن تعد كوبيْ قهوة…تدخل غرفة الاستحمام و تكتفي بغسل وجهك. لن تستحم لأنك لم تعثر على منشفة نظيفة في كل أرجاء البيت…تتقاطر منك نقط ماء لزجة على بلاط الشقة و أنت في طريقك إلى المطبخ.
تترك فنجانا و تأخذ الآخر…تسحب كرسي مكتبك و تجلس إليه. تشغل الحاسوب و تلج إلى صفحتك على الفايس بوك منها تتصفح الفضاء الخاص بي هنا. تقرأ آخر قصة كتبتُها و تضع تعليقا جديدا. تترك لي رسالة على الحائط ثم تمر سريعا على عدد من الصور الموجودة هناك.
تتصل سكرتيرتك من المكتب لتعلمك بضرورة قدومك لحل مشكل طارئ. تترك الحاسوب مفتوحا
و ترتدي ملابسك في مهل. تنزل درجات العمارة و تتذكر أنك نسيت مفتاح السيارة. أنت تتشاءم من الرجوع على الأعقاب.
تتجه إلى محطة المترو. تركب العربة في اتجاه العاصمة. يتراءى لك أنك لمحتني في القاطرة المقابلة لك…تنزل و تحاول اللحاق بي…تركب عربة متجهة عكس اتجاهك…تجوبها من أولها إلى أخرها…لست أنا و أنت تعلم أنها لست أنا…تعود إلى البيت منهكا. ترتمي على الأريكة المقابلة للتلفاز.
لا تكاد تتابع ما يدور أمامك على الشاشة. تستحضر يوم التقينا… كنتَ تقرأ شعرا في أحد النوادي الأدبية…جلست أنا قبالتك و كنت أتابعك بكل تمعن غير أنني لم أستبطن كلمة واحدة مما كنتُ تقول…
كان حبا من أول نظرة…لم نفترق منذ ذلك اليوم…تكاد تختنق بطفرة الذكريات التي تجتاحك…
غدا عيد ميلادي…تتذكر لأول مرة تاريخ ميلادي…تستعد للنزول حين تفتح أختي الباب…تلقي عليك التحية فلا تردّ أنت التحية…تغضب منك لكنها تدخل إلى غرفة نومنا. تفتح الخزانة و تبدأ في تعبئة ملابسي…أخيرا قررتَ التخلص منها. ستتكفل هي بهبتها لبعض المحتاجين.
تغلق الباب وراءك. هذه المرة لم تنس لا محفظة النقود و لا مفتاح السيارة. محل عطور فاخرة أول وجهة لك. نفس العطر المعتق من تشكيلة زهرية و الذي أدمنته منذ سنين. تلفه لك البائعة في غلاف وردي بشريط خمري. هي ألواني المفضلة.
ستترك شراء الورود و “الشوكولاطة” ليوم الغد يوم مولدي.
تذكر جيدا أنني لم أكن لأتخلى عنك. تذكر جيدا يوم ضغطتَ على يدي و لم أكن بعد قد أفقتُ من اثر المنوم. خابت أمالنا في إنجاب طفل مع انتزاع ذلك الورم الذي تربص بي. لم يكن مهما جدا أن ننجب أم لا كان الأهم أن نواصل استنباط أشياء تجمعنا أبدا. طفت فكرة التبني على سطح حياتنا لأيام ولم يكن القرار صعبا علينا. سنكفل بنتا. أنت تريدها بنتا…
لم يكن لذلك الورم أن يهزم عزيمتي…اذكر أنني صغتُ عددا من نصوصي و أنا ممدة على فراش المستشفى…عبر النافذة المطلة على حديقة المشفى كنت أسترسمنا في الممر و وضعتُ ذلك هدفا أمامي حتى لا تهزمني العلة…
كانت أول إقامة لي لمدة طويلة داخل المستشفى و أول انفصال حقيقي عنك منذ عرفتك…تعددت إقاماتي في المستشفى و في كل مرة كنا نصر و في كل مرة كنت اخرج بنص جديد و تعتبرها أنت انطلاقة جديدة…
في آخر زيارة لي للمستشفى همستَ لي بمطلع قصيدتك الجديدة.
لم يكن من السهل أن نقف في وجه هذا المرض العضال…استمتنا…حاولنا… كان كل خروج من المستشفى نصرا في حد ذاته…
عمت الفوضى حياتك و اعلم ذلك…
رتبت لك أختي بعضا من الشقة و غسلت بعضا من الشراشف و المناشف. اليوم ستستحم لأّنّ المناشف النظيفة متوفرة و رائحة البيت عطرة بعد التنظيف. تفتح الستائر ليدخل ضوء الصباح مزيحا بعضا من الغمة التي أغرقت الشقة منذ زمن.
تمر لأخذ الورود و تتخير قطعة “شكولاطة” واحدة لحكمة تعلمها أنت و خفيت عني حتى الآن.
تدخل المقبرة و أنت متأنق متعطر و تسير في خطى ثابتة على خط مستقيم.
على قبري تضع زجاجة العطر و قطعة “الشوكولاطة” التي سرعان ما تذوب من لفح الحر.
تتمدد إلى جانب قبري محتضنا باقة الزهور كأنما تصيبك إغماءة…تغمض عينيك بشدة…تبدأ في الغياب عن العالم…هاتف تخاله صوتي يصدح فيك : انهض لم تحن ساعتك بعدُ…
*منحت هذه القصّة صاحبتها الجائزة الأولى للقصّة القصيرة للأدباء الشبّان بولاية منّوبة وذلك يوم 14 أكتوبر 2011