فيض الخواطر في تجنيس كامو وناطر
|هي قضيّة طرحت من “الحيط”…بدا للسيّد المدرّب الوطني رود كرول أن يدعو السيّدين فابيان بشير كامو وستيفان حسين ناطر، رغم عدم تمتّعهما بالجنسيّة التونسية ساعة دعوتهما، للعب مباراة يوم الأحد ضدّ الكاميرون…مباراة رهانها الترشّح لكأس العالم، وما أدراك ما كأس العالم.
وفجأة تحوّلت المسألة إلى قضيّة رأي عام لمّا رفضت وزارة العدل الملف المستند إلى الجنسية التونسية لوالدتي اللاعبين المذكورين لتمتيع اللاعبين بالجنسية. وثارت ثائرة وسائل الإعلام تندّد بتراخي الحكومة وتضيف هذا التأخير إلى قائمة الفشل الحكومي الذريع وتترحّم على أيّام بن علي وشيبوب، عندما كان من الممكن تجنيس أيّ لاعب في ظرف 24 ساعة حتّى وإن كان خاليا من أيّ ارتباط بتونس. وأصبحت المسألة حديث كلّ برنامج رياضي أو غير رياضي، وتوالت الاتّهامات من قبل رئيس جامعة كرة القدم وأعضاده، رغم أنّ وضعيّة اللاعبين تمنعهما من اكتساب الجنسية بحكم القانون (وقد طبّقت وزارة العدل عندما وصلها الملف القانون دون أيّ حسابات) إذ لا يمكنهما، بناء على أحكام مجلّة الجنسيّة، إلا اكتسابها بحكم التجنّس. وبحكم انتفاء شرط الإقامة في تونس لمدّة خمس سنوات، فالأساس الوحيد لمنحهما الجنسيّة هو أن تكون لتجنّسهما “فائدة عظمى لتونس”، ويبدو أنّه على هذا الأساس تدخّل رئيس الحكومة (لينجي أجهزة الدولة من تهمة التقصير على ما يبدو) لتقع تسوية ملفّ اللاعبين في ظرف ساعات، ولتتنفس وسائل إعلامنا العتيدة الصعداء وتهدأ شيئا ما. وهذا لا يمنعني من طرح التساؤلات التالية:
1) باعتبار تنقيح مجلّة الجنسية في 1 ديسمبر 2010، أصبح من الممكن للمولودين من أب أجنبي وأمّ تونسية اكتساب الجنسية التونسية على أن تقع المطالبة بذلك قبل ديسمبر 2011، ممّا يعني أنّه كان لكامو وناطر، لو كان لهما أدنى تعلّق بتونس، الأجل الكافي لطلب الجنسية دون أن يطرح ذلك أدنى إشكال، لا أن ينتظرا دعوة مفاجئة من المدرب الوطني في مقابلة فاصلة. فلم لم يقوما بذلك، أم أنّ الاقتراب من الترشّح إلى كأس العالم يؤجّج شعورا وطنيا مفاجئا؟
2) من بين شروط منح الجنسيّة، حسب الفصل 23 من مجلّة الجنسيّة، أن تثبت أنّ للمعني بالأمر “معرفة باللغة العربية تتناسب ومركزه الاجتماعي”. وباستثناء حالة أن يكون للكوارجي مركز اجتماعي يبيح له أن تكون درجة معرفته باللغة العربية قريبة من الصفر، فلا أظنّ أنّه وقع التثبّت من هذا الشرط قبل منحهما الجنسيّة.
3) ما هي “الفائدة العظمى” الّتي ستحصل لتونس من وراء هذا التجنيس؟ فإذا سلّمنا جدلا (وهو ما أشكّ فيه بشدّة) أنّ تقديم مردود خارق للعادة مع المنتخب هو رفع للراية الوطنية، فلا أظنّ أنّ للاعبين المذكورين مؤهلات استثنائية حسب سيرتيهما الذاتيتين تمكّنهما من تحقيق إضافة. فكلاهما يلعب في خطّة متوسط ميدان (وهي خطّة لنا منها في تونس الاكتفاء الذاتي، والحمد لله، دون حاجة إلى التجنيس) في ناديين عاديين في بطولات متوسطة المستوى، ولا أظنّ أنّهما يفوقان لاعبينا في شيء، خاصة وأنّه يوجد لاعبون تونسيون أصالة في هذا المركز يتحرّقون للعب دقيقة واحدة مع المنتخب. كما أنّ عمري كامو وناطر (28 و 29 عاما على التوالي) يعنيان أنّه لا يوجد مجال كبير لهما لكي يقدّما إضافة في المستقبل. وبما أنّ الأمر يتعلّق بتجنيس، لا باكتساب جنسية بحكم القانون، أما كان من الأجدى تجنيس لاعبين بارزين (برازيليين مثلا كما تفعل ذلك بعض الدول الشقيقة) ؟؟؟ أم أنّ لكامو وناطر “ريحة تونسية” لا تتوفّر في غيرهما؟
4) فيما يخصّ التوقيت، لم وقعت دعوة هذين اللاعبين في هذا الظرف الدقيق؟ هل أنّهما سيجدان مكانيهما ويفرضان نفسيهما في المجموعة في ظرف أيّام حتّى أنّ الترشّح أمام الكاميرون لا يمكن أن يتمّ بغير وجودهما؟ أم أنّ الغرض هو فقط إعدادهما للمشاركة في كأس العالم في حالة الترشّح، وفي هذه الحالة لم هذه العجلة في دعوتهما؟ أما كان من الممكن تأجيل الحسم في هذا الملف إلى ما بعد الترشّح حتّى لا نمنح الجنسيّة التونسية (التي من المفترض أن تكون “عزيزة وغالية”) إلى من قد يفقدان كلّ حماس لتمثيل البلاد إذا لم نترشّح إلى كأس العالم؟ وإذا كانت الإدارة الفنيّة تتابع اللاعبين منذ فترة مناسبة، ألم يكن يجدر الإيعاز إلى اللاعبين أن يقدّما ملفّيهما في أجل معقول عوض “الجري واللهيط” في آخر لحظة؟ ثمّ أ ليس في الجامعة من يفهم في القانون ولو قليلا لكي يعلم أنّه لا يمكن للاعبين اكتساب الجنسيّة بالاعتماد على الجنسية التونسية للأمّ فيجنّب الجميع الإحراج والوقت الضائع؟
5) الهشاشة النفسيّة والذهنية للاعب التونسي تكاد تكون من المسلّمات، واعتدنا أن نسمع تبريرات غريبة للهزائم (كرائحة الحكم مثلا)، فما لنا الآن نمنح لاعبينا تعلّة يمكنهم استعمالها في حالة الهزيمة من قبيل “التركيز الإعلامي على قضيّة التجنيس شوّش تركيزنا”؟
قرار مرتجل (من الجامعة ومن الحكومة) في خضمّ “قعباجي” كبير…ويبدو أنّ الدوس على القانون وتجنيد أجهزة الدولة للعمل صباحا مساء ويوم الأحد وحتّى الاستشهاد بممارسات بن علي وشيبوب تصبح كلّها مباحة عندما يتعلّق الأمر بمصلحة كرويّة عظمى. وتظلّ كرة القدم، قبل الثورة وبعدها وإلى زمن غير محدّد، أفيونا للشعوب.
على كلّ حال، أرجو التوفيق للأخوين فابيان وستيفان، وحظّا سعيدا للمنتخب.