لماذا نحتفل برأس السنة الهجريّة؟
|تحتفل تونس اليوم، كسائر البلدان الإسلامية في الفاتح من محرّم، برأس السنة الهجرية 1435. جعلها الله مباركة على الجميع. وكالعادة، انبرى خطباء الجمعة للحديث عن هجرة الرسول الأكرم صلّى الله عليه وسلّم من مكّة إلى يثرب وأبعادها ودلالاتها ومعانيها وأثرها في تاريخ الدعوة الإسلامية، واستغلّت القنوات التلفزية الحدث لإخراج أرشيفها المعتاد من الأفلام كـ”هجرة الرسول” و”الشيماء أخت الرسول” و”الرسالة وغيرها”.
إلا أنّه من المثير للاهتمام أنّ المجمع عليه هو أنّ الهجرة النبوية المباركة لم تقع في غرّة محرّم، ولا في أيّ يوم من شهر محرّم! بل كانت في شهر ربيع الأوّل (على خلاف بين المؤّرخين في تحديد اليوم الّذي وصل فيه المصطفى وصاحبه الصدّيق إلى المدينة، وعند ابن هشام كان ذلك يوم 12 ربيع الأوّل). فالاحتفال بالهجرة في يوم من المؤكّد أنّه لا يوافق تاريخها الصحيح يبدو شيئا من العبثية بمكان. فالسنة الهجريّة إنّما سمّيت كذلك لأنّ عمر بن الخطّاب رضي الله عنه قرّر أن تكون السنة الّتي هاجر خلالها الرسول عليه الصلاة والسلام إلى المدينة بدء التأريخ (أي السنة 1). أمّا عن اختيار غرّة محرّم رأسا للسنة فيعود ببساطة إلى كون العرب في الجاهلية يعتبرونه ذاك اليوم بداية السنة في تقويمهم القمري-الشمسي، وروى إبن سيرين أنّ عمر اختار أوّل محرّم فقط لكي يكون بدء السنة بعد منصرف الحجّاج. وفي كلّ الحالات، فلا علاقة بتاتا بين غرّة محرّم وحدث الهجرة النبوية.
لم إذن نحتفل في غرّة محرّم؟ لا سيّما وأنّنا لا نستعمل التقويم القمري لا إداريا ولا “شعبيا” (والبعض لا يعرف حتّى كم بلغنا من السنين في التقويم الهجري) ولا فلاحيا (وهو لا يصلح لذلك لعدم موافقته مواعيد الفصول)… نحن لا نستعمل التقويم القمري إلا للاستدلال على مناسباتنا الدينية. ولكنّنا نحيي هذه المناسبات في مواعيدها دون لبس، فما الداعي إذن لإحياء اليوم الذي اختير (لأسباب غير دينية بالمرّة) ليكون بداية للتقويم الّذي يحوي هذه المناسبات؟ أ يبدو لنا ذلك زيادة في التمسّك بالدين؟؟؟
على أيّ حال، لا يخلو الاحتفال برأس السنة الهجرية من فوائد. فهو يوم راحة (أو ثلاثة أيّام راحة بالنسبة للطلبة والتلاميذ). وهو فرصة للتذوق الجماعي للكسكسي بالقدّيد والملوخية. وهي فوائد جمّة كما ترى، بغض النظر عن كلّ اعتبارات أخرى.
وكلّ عام وأنتم بخير.