بروتوكولات حكماء صهيون: التخطيط لحكم العالم
|منذ نشرها لأول مرة سنة 1903 بجريدة زناميا في مدينة سانت بطرسبرغ بالإمبراطورية الروسية و مجموعة النصوص التي تعرف ببروتكولات حكماء صهيون تطرح عديد التساؤلات حول علاقتها بالحركة الصهيونية العالمية و حول مؤلفها الحقيقي.
هل هي فعلا نصوص صهيونية وقع تبنيها في المؤتمر العالمي الأول للصهيونية ببازل؟ أم هي نصوص مفبركة صنعتها المخابرات القيصرية الروسية لضرب البلاشفة المتحالفين مع اليهود الروس ضد القيصر و استند عليها البلاشفة أنفسهم بعد نجاح ثورتهم لضرب حلفائهم مثلهم في ذلك مثل هتلر و كل المناوئين لليهود؟
هل البروتكولات مخطط صهيوني سري للسيطرة على العالم أم هي فصل آخر من فصول نظرية المؤامرة و معاداة السامية؟
وإن أجمع كل المفكرون اليوم على أن هذه النصوص مفبركة ولا علاقة لها بالصهاينة على مستوى التأليف على الأقل فإنه يبدو أن مؤلف هذه النصوص قد استشعر الخطر الصهيوني و حاول كشف طريقة تفكير و عمل الصهيونية العالمية فنسب إليها 24 بروتكولا لخص فيها ما يعتقد أنه مخطط جهنمي للسيطرة و التحكم في العالم مزج فيها بين معطيات حقيقية و منطقية أحيانا و كثير من التجني و المبالغة حينا.
وسواء كان المؤلف الحقيقي لهذه النصوص هو عميل المخابرات الروسية ماثيو جولوفنسكي Mathieu GOLOVINSKI أو هو زميله بيار إيفانوفيتش راتشكوفسكي Pierre Ivanovitch RATCHKOVSKY أو هو المفكر المعادي للسامية هيرمان جويدشي Herman GOEDSCHI فإنه من الثابت أن البروتوكولات تعتبر من أهم المراجع العالمية الحديثة في العلوم السياسية لما تحتويه من تحليل مذهل للبنى الاجتماعية و لعلاقات الإنتاج و لدور الإعلام و التعليم في إعداد المجتمعات لتقبل أي فكرة أو أي تغيير مهما كان راديكاليا.
و من الملفت في البروتكولات هو شرحها و تركيزها على تجنب المواجهة المباشرة في السياسة و الاقتصاد و على ضرورة الاعتماد على العمل الخفي و طويل المدى بعيدا عن الخطب الفارغة و عن التمسك الغبي بالمكبلات الإيديولوجية التي تعتبرها البروتكولات وسائل لتنويم الشعوب فكريا لجرها لحتفها و هلاكها خاصة عندما تكون هذه الشعوب جاهلة أو تتخلى في لحظة جنون عن مداركها و تنساق وراء أوهام مزخرفة بجنون العظمة.
بل أن البروتكولات تشجع وكلائها على نشر هذه الأفكار و ترويجها لتغييب صوت العقل داخل الشعوب الأممية (الغير يهودية ) و تجييش عواطفها بحيث تصبح الأنظمة نفسها عاجزة عن مواجهة الناس بالحقيقة.
ومن ناحية ثانية تشرح البروتكولات الصفات التي يجب أن تتوفر في الحكام الموالين الذين تساعدهم الحركة الصهيونية في الوصول إلى السلطة كي يخدموا مصالحها. وأهم صفة في هؤلاء ليست العمالة و لا التبعية المباشرة للحركة كما يعتقد البعض و إنما هي اختيار أشخاص ليست لهم الكفاءة اللازمة لممارسة مهام قيادة الدولة مما يجعلهم مضطرين للاستنجاد بالحلول الاقتصادية التي تقترحها الصهيونية بقوتها المالية وبمستشاريها الذين يسيطرون على العلوم القانونية و خاصة الاقتصادية. فالحركة تعتبر التبعية مضمونة أكثر كلما كانت مبنية على الاحتياج والضرورة. ويمكن أن نقرأ في البروتكول الثاني ما يلي” وسنختار من بين العامة رؤساء إداريين ممن لهم ميول العبيد، ولن يكونوا مدربين على فن الحكم ولذلك من اليسير أن يمسخوا قطع شطرنج ضمن لعبتنا في أيدي مستشارينا العلماء الحكماء الذين دربوا خصيصاً على حكم العالم منذ الطفولة الباكرة وهؤلاء الرجال – كما علمتم من قبل – قد درسوا علم الحكم من خططنا السياسية، ومن تجربة التاريخ ، ومن ملاحظة الأحداث الجارية والأميون ( غير اليهود ) لا ينتفعون بالملاحظات التاريخية المستمرة بل يتبعون نسقاً نظرياً من غير تفكير في ما يمكن أن تكون نتائجه، ومن أجل ذلك لسنا في حاجة إلى أن نقيم للأميين وزناً“.
ويبدو من هذا المقطع الأهمية الكبرى التي يحتلها علم التاريخ في الفكر الصهيوني وازدرائه للشعوب التي تجهل التاريخ و التي لا تتعلم من ماضيها و تسير بغير هدى والتي تحترف تكرار الأخطاء و لست في حاجة لأن أقول بأن الشعوب العربية تتفوق بامتياز في هذا النوع من الجهل.
إضافة إلى ذلك تبدو البروتكولات سابقة لعصرها كنظرية سياسية تفطنت منذ بداية القرن العشرين لكون الاقتصاد سيكون المحرك الأساسي للدول وأن الاقتصاد الناجح قادر على إضفاء الشرعية على نظام جائر و ظالم في حين أن الفشل الاقتصادي قادر على محو أي شرعية مهما كانت تاريخية أو انتخابية.
وفي نفس السياق تعتبر البروتكولات أن القيادة السياسية الحقيقية هي القادرة على قيادة شعبها إلى الازدهار و على مواجهته بالحقيقة و ليست القيادة التي تنصاع للمزاج التحرري الذي يبديه أفراد ذلك الشعب. ولا تخفي الحركة الصهيونية خوفها من هذه القيادات و تفضيلها إما لأنظمة ديكتاتورية تابعة و فاسدة أو لأنظمة ديمقراطية ضعيفة و غير قادرة على القيام بالإصلاحات الكبرى التي تقتضي مواجهة الشعوب بحقيقتها و دفعها دفعا نحو سبل التقدم.
ولكن البروتوكولات لا تخلو أيضا من مبالغات كبيرة جعلت من الحركة الصهيونية مسؤولة عن كل شيء بل مسؤولة عن الشيء و نقيضه. وهي بذلك لا تختلف عن عديد الكتابات التي أطنبت في الحديث عن الماسونية و جعلتها مسؤولة عن كل ما حدث في التاريخ البشري و جعلت من الماسونيين مخلوقات شبه إلهية تتميز بقدرات هائلة ويذهب بعضهم إلى الاعتقاد بأن الماسونيين على اتصال مباشر بالشيطان و يديرون معركته ضد الله.
و يبدو أن السرية المطلقة التي تعتمدها الصهيونية و ربيبتها الماسونية في عملها و في تنفيذ مخططاتها حركت خيال الكثيرين و جعلتهم يبالغون في وصف قوة هذه الحركات حتى صدقوا أوهامهم و لم يكلفوا أنفسهم فهم الدروس الحقيقية التي تقدمها هذه الحركات و لعل أهمها هو درس العمل الدؤوب و الجدي على أسس علمية و خاصة بصمت و بهدوء بعيدا عن الجعجعة و القعقعة التي لا تعطي طحينا