عندما يفركش الجيش المصري الفنكوش الإخواني
|الحاصل معناها كنا شايخين نتفرجو ناصبين في طرح تدافع إجتماعي و لا في الأحلام، دوبلكس بل و تريبلكس في بعض الحالات : ميدان التحرير، الإتحادية أو عندك رابعة العدوية الساحة بتاع الخوانجية. تجمعات شعبية، شعارات نارية، ضرب و مضروب، دم سايل….حاصيلو دراما مصرية بأتم معنى الكلمة.
فرجة عالمية، لا كأس القارات و لا نيمار و لا والو. و شخصياً، تمنيت أن يتواصل مسلسل التدافع الاجتماعي حتى شهر رمضان ؛ تمرد و شريعة وارحل،فبحيث جو كبير و فرجة مضمونة. لكن سي السيسي ما ظهرلوش وفسدنا البيعة. و لكن حتى سي السيسي كان مخرجاً بارعاً : مهلة بثمانية و أربعين ساعة، و الناس على أحر من الجمر، و الهليكوبتر يسخن في الأجواء و زيدهم “حبة الكرز على التورطة” : الليزر الأخضر في السماء.
السيسي قال كان بعد ثمانية و أربعين ساعة جماعة تمرد و جماعة الجماعة بتاع الشرعية و مشتقاتها ما يتفاهموش، قواعد اللعبة بش تتبدل. خامرني سؤال :علاش ثمانية و أربعين ساعة بالضبط ؟ علاش مسهلهاش على روحو و على القوات المسلحة و يقول يومين بكل بساطة باش ما تقعدش الجموع تحسب بالدقيقة. قبل أن نواصل، من الحيف أن ننسى الخطاب التاريخي لمرسي، الذي أراد أن يقوم بضربة استباقية. عندما يتحدث مرسي، تتعطل لغة الكلام ونسافر معه في رحلة نحو الرداءة القصوى تتمنى خلالها أن يحصل هبوط اضطراري منذ الإقلاع. هل رأيتم بحياتكم رئيساً يتحدث على تلك الشاكلة :بلطجية، فلول، ثورجية….تقول نبار قاعد في مقهى. زد على ذلك أن خطابات مرسي قاحلة، ماسطة بدون روح : فلا شعر فيها و لا جمالية تكتسيها و لا ديباجة تحتويها.
*** *** *** *** ***
لقد نسي أو تناسى مرسي أن قطاعاً كبيراً من القوى التقدمية منحه ثقته في الدور الثاني….أصابه الزهايمر و عمت بصيرته. انتهازية حتى النخاع : تؤتمن الجماعة على الحكم لحماية الوطن من الارتداد و عودة الحرس القديم….ثم تنقض العهد : كما غنت اللهلوبة ماريا (من جماعة روبي ومشتقاتها) “إلعب إلعب”….و لكن هذا الاستخفاف بالوطن و بقواه الحية لا يمكن أن يمر مرور الكرام : تهجم وتعدي على كرامة الفنانين و نعوت بالعهر و الفسق و تواطؤ مفضوح من قبل الجماعة و مرسي. تصوروا، الجماعة وأتباعها وظفوا المسار الثوري لضرب الفنانين و الفنانات، بينما كان الإبداع الفني المجال الذي تتشكل فيه التعبيرات النقدية للواقع المصري في العمق : “ضد الحكومة”، “طيور الظلام”، “هي فوضى”….مئات الأفلام التي صنعت الوعي الشعبي المصري و جعلته مطلعاً منذ وقت مبكر على منظومة الفساد التي تسوس البلاد و الجماعة الأخرى بتنظيمها الخاص التي تتربص بها. مرسي و رفاقه ضربوا عرض الحائط بكل هذا و نظروا بعين الشامت لذلك التنكيل اللفظي بفناني مصر…و الفنانون بمصر صناع رأي عام بإمتياز (ليس كذلك الحال بتونس).
“إلهام شاهين عاهرة”….بداية العد التنازلي لحكم الإخوان !
ثم كانت محاولات بسط اليد على القضاء. منذ أن تولى مرسي “الشاطر” الرئاسة و القضاء ما فتئ يتصدى بكل شرعية و مشروعية و قانونية لمحاولات السيطرة و التجاوز القانوني المتكررة. فكان الإعلان الدستوري العجيب الذي هو في قلب إستراتيجية التمكن و التمكين و أتت بعده خطوة تعيين نائب عام جديد. و أمام صمود القضاة بدأت آليات البروباغندا الإخوانية في الاشتغال مروجة لمعطيات كاذبة في محاولة يائسة لاستمالة الرأي العام : القضاء فلول، القضاء يتدخل في الشأن السياسي….إنه الفنكوش الاخواني. فالكل يعلم أن المؤسسة القضائية في مصر كانت لها مواقف مشرفة في عهد مبارك، و في الحقيقة المسألة وجودية و ضاربة في عمق التاريخ، و المد و الجزر الذي ارتبط بها لا ينفي وجودها، فحركة البحر إلى الوراء لا و لن تشكل البتة محور تساؤل عن كينونة البحر و وجوده. جماعة الجماعة تكره الفلسفة حتى في أبسط مستوياتها.
إن صمود القوى الحية في المجتمع المصري، جعل مرسي يسعى حثيثاً لأن “يكوش” على كل شيء و من ورائه الإخوان الذين رأوا في وصولهم إلى السلطة فرصة لا تعاد للقيام بتحويشة العمر…و لكن سقط القناع مبكراً.
كل هذا و غيره من الشطحات التسلطية و “الفنكوش المفنكش” من الأكاذيب و التوظيف الخسيس للدين، عجل بسقوط الإخوان في فترة الانتقال الديمقراطي….مرسي ليس دوغول و ليس شيراك و ليس حتى برلسكوني….كل هؤلاء انتخبوا في ديمقراطيات متأصلة و شرعيتهم لا تناقش أصلاً. و لكن في مراحل معينة من فترة حكمهم واجهوا موجات غضب و كانت خياراتهم لا تتقاطع مع قناعات قطاعات كبرى من الشعب فكان حل البرلمانات و أجريت الانتخابات السابقة لأوانها أو الاستفتاءات الشعبية…فغادروا السلطة أو بقوا فيها وفق معادلة مختلفة تماماً عن الوضع السابق.
إن الشرعية الديمقراطية لا يمكن أن تستبيح بأي حال من الأحوال إرادة الشعوب و يتحتم على كل سلطة تحترم نواميس المنظومة الديمقراطية أن تضع نفسها تحت الاختبار الشعبي عندما يتعلق الأمر بقضايا محورية مصيرية ذات انعكاسات على مستقبل الوطن أو عندما تواجه زخماً و حراكاً شعبياً مستمراً و متمسكاً بمطالبه. و لكن هيهات فآذان الإخوان موصدةٌ و عن الحق عيونهم زائغة…الشرعية كلمة يلوكونها دون إدراك للمعاني المستبطنة فيها و للشروط المحددة لها.
*** *** *** *** ***
“لا تقلي ضاع حكمي من يدي” هذا ما حصل للإخوان بعد عام واحد من الوصول إلى الحكم و بعد عشرات السنين من التربص و التأهب لاقتناص اللحظة المناسبة. و لكن تلك هي الحقيقة كاملة الأوصاف
تدخل الجيش مرةً أخرى، الثالثة في تاريخ مصر : الأولى كانت ثورة تقدمية تحررية قادها الضباط الأحرار، الثانية كانت دوراً غامضاً و لكن يبدو أساسيا لحد كبير في عزل مبارك و ما تبعه بعد ذلك من إدارة سيئة للأمور، أما الثالثة فهي مبنية على تناقضات كبرى : بين وقوف إلى جانب إرادة أغلبية الشعب المنتفضة و عزل (مرةً أخرى) لرئيس تم اختياره (و لأول مرة) في إطار عملية انتخابية توفرت فيها على ما يبدو المعايير و الشروط الدنيا للشفافية و المصداقية. الشعب اختار الإخوان حتى لا يعود الأزلام فخان الإخوان العهد و الأمان و صرخت الناس “ارحل” الآن فجاء العسكر و عزل “الريس” المختال قبل فوات الأوان… العسكر أدرى بشؤون الوطن و من أنذر فقد أعذر !… هذه هي “الحدوتة” بكل بساطة.
مجريات الأحداث تذكرنا بالثغرة في حرب 6 أكتوبر، ثغرة شارون التي حولت بشائر نصر عظيم إلى نصف هزيمة. إنها انتكاسة المسار الديمقراطي التي بدأت منذ أن شرع الإخوان في تنفيذ مشروع التوغل و التغول في أجهزة الدولة، و العمل بمبدأ أهل الثقة قبل أهل الكفاءة و استهداف المثقفين والفنانين و القضاة الخ…و كان الفصل الأخير في هذه الدراما المصرية تعنت مرسي و عنجهيته (هذا أكيد) و تدخل السيسي و الجيش (ألم يتسرع العسكر؟).
*** *** *** *** ***
ما أصعب أن تهوى امرأة****يا ولدي ليس لها عنوان
يبدو أن الديمقراطية لم تجد لها إلى حد الآن عنواناً في الأوطان العربية، و ما حصل في مصر أكبر دليل على ذلك.
بين فنكوش الإخوان و فركشة الجيش المصري يبقى الحلم معلقاً، عسى أن لا ينقلب إلى كابوس دائمٍ مستديم.