أو لم يحن أوان إعادة قراءة “الفتوحات”؟

foutou7كان الهدوء يعم المكان وصوت فيروز يصدح بأغنيتي المفضلة “اعطني الناي وغنّ” بما يكفي للاستمتاع بقهوتي الصباحية في مشرب الجامعة عندما قطع علي خلوتي صديقان نزقان وأقحماني عنوة في نقاش بيزنطي حول ما اعتبراه أمجاد ومآثر الحضارة الاسلامية من فتوحات وأدبيات لم يسبق للحضارات الانسانية السابقة أن أنجزتها فاكتفيت بابتسامة معلنة عبرها انسحابي من النقاش لتتواتر الاسئلة داخل ذهني حول ماهية العمليات التوسعية التي قام بها المسلمون؟ وهل يصح أن ندعوها بالفتوحات ؟ وما مدى تصالحها مع الموروث الثقافي والحضاري الانساني؟ لأستشف من خلالها أنّ أزمتنا أزمة مفاهيم بالأساس وأن بوابتنا للولوج الى الحضارة الكونية تكمن بطرح هذه المفاهيم ومعالجتها معالجة موضوعية بعيدا عن الطوباويات وعن العصبية العرقية المقيتة. فكيف لنا أن نعتبر العمليات التوسعية التي خاضها أجدادنا عبر التاريخ فتوحات ومآثر وجب علينا التغني والإشادة بها رغم انها كانت ولا ريب عمليات استعمارية توسعية باسم الدين حيث أنهم كانوا يقتلون ويسبون ويفتكون الثروات ويفرضون على السكان الأصليين الجزية ان لم يسلموا بل ويجبرونهم على التخلي عن لغتهم الأم فمن الحكايات التي كانت ترويها لي جدتي وتناقلتها الأجيال أن التمسك باللغة الأمازيغية في الأزمنة الاولى لما اصطلح عليه بالفتح الاسلامي لبلادنا كان يعتبر جريمة يعاقب عليها مرتكبها بشدة. فهل يعتبر هذا فتحا بربكم؟ ألم تشوه هذه العمليات تاريخنا والرسالة السماوية العظيمة التي أتى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي كانت تقوم دعوته على اللين والحجة والموعظة الحسنة فحتى الغزوات التي خاضها كانت عبارة عن عملية دفاع ورد عن هجومات سابقة تعرض لها كغزوة أحد وبدر وعندما كان يروم نشر ديننا الحنيف في بلاد أخرى كان يبعث برسائل مع الصحابة إلى الملوك والسلاطين ليقنعهم بدين الله. أما عن علاقتنا بالموروث الثقافي الإنساني، فكان فيه من العداء والرفض والخوف من الآخر والرغبة في الانكفاء على الذات الشيء الكثير فعمرو بن العاص مثلا أحرق مكتبة الاسكندرية عندما فتحها حيث أرسل للخليفة عمر في المدينة يسأله فكتب الخليفة عمر بن الخطاب إليه يقول أنّه إذا كانت هذه الكتب لا تحتوى على شيء غير المسطور في القرآن فهي كعدمها واذا كانت هذه الكتب تنافى ما جاء بالقرآن فهي ضارة ومؤذية لا يجب حفظها. إذا ففي كلتا الحالتين يجب حرقها وإبادتها من الوجود. وأمر عمرو بن العاص باستعمال هذه الذخائر والنفائس كوقود في حمامات الإسكندرية وظلت الحمامات تستخدمها كوقود لمده ستة أشهر كاملة.
ولم تكن مكتبه الأسكندرية هى الوحيدة التى حرقها العرب ولم يكن أيضا هو الخطاب الوحيد الذى أرسله عمر لحرق مكتبة، فقد جاء في كتاب كشف الظنون:” إنّ المسلمين لما فتحوا بلاد فارس وأصابوا من كتبهم، كتب سعد بن أبى وقاص إلى عمر بن الخطاب يستأذنه في شأنها وتنقيلها للمسلمين فكتب إليه عمر بن الخطاب :ان اطرحوها في الماء، فان يكن ما فيها هدى، فقد هدانا الله تعالى بأهدى منه،  وإن يكن ضلالا، فقد كفانا الله تعالى. فطرحوها في الماء أو في النار فذهبت علوم الفرس فيها”. مما مثل خسارة فادحة للإنسانية جمعاء. ولازلنا نحن المسلمين الى اليوم نشتم المغول على إغراقهم مكتبة بغداد في نهر دجلة !!.. أفلم يحن أوان المصالحة مع التاريخ والاعتراف بأخطائنا وبأننا أثرنا كغيرنا من الحضارات بالسلب وبالإيجاب على المسار الإنساني وارتكبنا في حقه من الأخطاء الشيئ الكثير رغم أننا حملة لأعظم رسالة جادت بها الحياة على البشرية، رسالة البحث عن الإنسان.

ازدحم رأسي الصغير بكل هذه الأفكار وانتبهت فجأة والنادل يذكرني بتأخري عن قاعة الدرس. فجمعت شتات أفكاري وانطلقت الى الدروس يحدوني أمل في غد أفضل وفي مصير أجمل.

Please follow and like us:

اترك رد

Verified by MonsterInsights