قضيّة المرأة وإفلاس النخبة التونسية
|مرة أخرى أجد نفسي أتناول قضية أؤمن بأن الزمن قد تجاوزها.
إذا علت الأصوات و اكتسحت الشوارع و المنابر … دفاعا عن حقوق المرأة التي كنا قبل اليوم نفتخر بأنها اكتملت؟
وها نحن نمتع أسماعنا بمقولات لا ندري من يقف ورائها؟ عاقل أم جاهل أم متلاعب بأمن هذا البلد أم متطرف ….نظريات مثل: هذه المرأة (المحجبة) لا تشبهنــي و لا تشبه أمي و خالتي و أختي…و لو سلّمنا جدلا بهذا المعطى، فهل يصبح الذي يختلف عني ولا يشبهني رديف التخلف و الرجعية و الدخيل وغير الأصيل..
و بالنتيجة يجب شيطنته و إقصاءه…. فلم يعد الاختلاف رحمة و عنصر ثراء يتساوق مع السنّة الكونية المبنية على الاختلاف؟ فهذا القول لا يقل خطورة عن الذي يكفر فكلاهما إقصائي يسوق لمجتمع مستنسخ. الخشية كل الخشية من هذا النفس المتصاعد من الاتجاهين اليسار واليمين في شيطنة الآخر و نبذه و اقصاءه.
و عندما يستأثر الشق الأول أو ما يسمون أنفسهم” بالحداثيين” و “الديمقراطيين”، واحتكار هذه الصفات على فرض أنها متوفرة في هذه الفئة هو نوع من العنف، عندما يستأثرون بالمنابر الإعلامية و يصبحون بالتالي المحرك و الموجه للساسة بطريقة غير مباشرة أو عندما يقع الساسة تحت تأثير الحقل المغناطيسي لهذه الآلة، تزداد عزلة الشق المقابل و بالتالي نتوقع منهم رد فعل لا يمكن أن نعرف مداه دفاعا عن وجود لم يعترف به، إذا تهافت الكل على تسجيل حضورهم في منابر الدفاع المزعوم على حقوق المرأة.
و لو حاولنا فهم ما يصبو إليه هؤلاء لما وجدت شيء يذكر فخطاباتهم تحجرت عند مرحلة بناء الدولة إبان الاستقلال فلا زلنا نسمعهم يلوكون، و بعد مضي مــا يقارب القـــرن، نفـــس نظريــات أجدادهم و الحال أن المرأة التونسية لا تعاني أي نوع من التمييز ضدها و إن وجدت انتهاكات فهي لا تمثل ظاهرة و تندرج في إطار ما يعانيه هذا البلد من أمراض، فمطلبهم الوحيد الذي لا يصرحون به هو “الميراث” و تجــاوز النـــص القرآني في هذه المسألة.
إذا انقسمت النخبة التونسية اليوم إلى شق علماني يعتبر نفسه صاحب القضيــة الأصلـــي و المتكلم الشرعي باسم المرأة في مقابل نخبة إسلامية مشتتة بين قلة متطرفة و أخرى مستقيلة من تصحيح المسار و ثالثة تلهث وراء تسجيل حضورها في هذه القضية الوهمية لدحض تهمة الرجعية عنها و كأنها تستبطن عقدة ذنب نجح العلمانيون في غرسها فيهم.
ثمّ عن أي امرأة يتحدثون؟ عن المرأة في سن الطفولة؟ أم عن المرأة في سن المراهقة؟ أم عــن المرأة في سن الرشد؟..وإذا كان اهتمامهم بهذا الكائن الأنثوي في كل هذه المراحل، و هذا ما أشك فيه، فجل اهتمامهم منصبّ على افتكاك أكبر قدر من المكاسب المادية البحتة. فما هو الفـرق بيــن الطفلة المشردة و الطفل المشرد ؟ و ما هو الفرق بين المراهقة المنحرفة و المراهق المنحرف؟ فهل تمثل حقوق المرأة أولوية في تونس اليوم؟ لماذا هناك إصرار على تهميش القضايا الحارقة لهذا المجتمع؟ الذي خرج بعدة عاهات من تعاقب سنين “القحط”. أين هي قضايا الطفولة و الأسرة، هذا المختبر الذي سينتج لنا أجيال الغد؟ و بأي أوصاف نريد إنسان الغد أنثى كانت أم ذكرا، خارج قشور المظاهر؟ لماذا لا يتم التطرق إلى تفشي الفساد الأخلاقي في صفوف النساء و الرجال؟ فإحدى المصحات بتونس العاصمة ذكرت بأن قرابة 600 عملية إجهاض في الشهر تقوم بها نسوة غير متزوجات في تلك المصحة فقط؟ لماذا لم تحضي المنظومة التربوية باهتمام نخبنا و الحال أن الكل مسلّم بمرضها……؟
أين هي هذه القضايا الحارقة من اهتمام نخبنا؟ و إعلامنا؟ أم أن نخبنا المفلسة قد استقالت من هذه المهام و تصر على خوض معارك وهمية تفرق و لا تجمع؟