هل تحرر العراق فعلا ؟
|عندما يصبح إنزال علم المستعمر موعدا لتنكيس كل الرايات، فمعنى ذلك أننا عشنا أسوأ إستعمار على الإطلاق في التاريخ، دخل بمباركة العالم بأسره وانتهك الأعراض وزرع الأرض بالفتن أمام صمت العالم بأسره، وسيخرج الآن بعد أن أحرق الأرض بما فيها أمام تواطؤ العالم بأسره.
الأمريكيون قرّروا منذ خمسة أيام أن يغادروا العراق شكلا بعد تسع سنوات عجاف أعادت العراق إلى ما قبل الحضارة الآشورية.
بقطع النظر عن الأدلة الواهية التي دخلت على أساسها القوات الأمريكية إلى العراق و التي ثبتت عدم صحتها فيما بعد و بقطع النظر عن ارتكاب النظام السابق لانتهاكات و تجاوزات بحق الشعب من تضييق للحريات و كتم للأفواه و غيرها…نتساءل : هل تغير الوضع في العراق فعلا ؟
ألم نشاهد بأم أعيننا عمليات تعذيب وحشية و انتهاكات ضد الانسانية يعجز اللسان الفصيح عن وصفها ، قامت بها الداخلية العراقية في ” العهد الجديد ” ؟؟
هل الإعلام العراقي الحالي حر و موضوعي أم أنه يخضع للرقابة و للسياسات الطائفية ؟؟
هل خرج القضاء العراقي من جلباب السلطة الحاكمة أم أنه ظل مجرد أداة في أيدي المتربعين على العرش ؟؟
هل من المعقول أن العراق و هو مهد الحضارات يتدنى فيه الوضع الاقتصادي إلى مستويات تضاهي دولا فقيرة مثل التشاد و النيجر ؟؟
فوزير الدفاع الأمريكي “ليون بانيتا” الذي سافر إلى العراق شكر الجنود الأمريكيين، لأنهم ساعدوا العراقيين في التحرر من “الديكتاتورية” والتمتع بحلاوة “الديمقراطية” دون أن يتحدث عن الثمن الذي قبضته بلاده مقابل هذه “الهدية الإنسانية”، ولا عن الثمن الذي دفعه العراق بانفجار الهدية بين يديه، ورئيس الوزراء العراقي نوري المالكي الذي سافر إلى الولايات المتحدة الأمريكية في أغرب علاقة بين مستعمِر ومستعمَر طلب النصيحة والخبرة من الذي نسف تاريخ العراق وأشعل فتيل الفتنة وتسبّب في مقتل مليون عراقي وتيتيم وتشريد وإعاقة الملايين، وخرج بعد أن تأكد أن لا مستقبل للعراق، وإذا كان الغربيون هم أصدق الناس مع شعوبهم، فإنهم في المقابل هم أكذب الناس مع بقية الشعوب، فوزير الدفاع الأمريكي من بغداد بعد أن كذب وهو يتحدث عن تحرير العراق ومساعدة شعب كان تحت نير الديكتاتورية، صدق وعده عندما سلّم لذوي كلّ جندي قتل أثناء الاحتلال قرابة النصف مليون دولار من ريع الغنائم البترولية التي جنتها الولايات المتحدة الأمريكية من رحلتها الطويلة إلى بلاد الرافدين، وإذا كان العرب هم أكذب الناس مع شعوبهم فإنهم أصدق الناس مع بقية الشعوب، فالمالكي من واشنطن بعد أن صدق وهو يتحدث عن صداقته القوية مع أمريكا، وتعهده بأن يبقى وفيا لها، كذب على العراقيين وهو يقول أن مستقبلهم سيكون أحسن من سنوات النظام البعثي البائد. مصيبة العراق ليست في الاستعمار الذي عمّر تسع سنوات تمكّن فيها من تمزيق البلاد وتركه أشبه بالجثة التي لا روح فيها، وإنما في هذا الانسحاب الذي لا أحد ابتهج به، وستكون نكتة لو فكّر العراقيون في أن يجعلوا الخامس عشر من ديسمبر عيدا وطنيا يحتفلون فيه باستقلالهم، لأن الواقع يؤكد أن ما حدث في العراق ليس استعمارا جديدا بدأ شكلا وتواصل مضمونا إلى أن تجف آبار النفط، وربما تجف معها أرواح العراقيين الذين اكتشفوا ذات شتاء من عام 2003 أنهم أكراد وعرب وشيعة وسُنة فباشروا تقتيل بعضهم البعض في البصرة والموصل وكربلاء وكردستان ونسوا أن الذي ذكّرهم بهاته الأعراق والمذاهب هو مستعمرهم الذي دخل أمام أنظارهم ويوهمهم الآن بالخروج.
لست في موضع دفاع عن النظام السابق لأنه بحسب رأيي المتواضع يتحمل جانبا من المسؤولية و هذا على كل حال ليس موضوعنا اليوم لكن عندما أرى الولايات المتحدة تبقى على آلاف من الجنود لتدريب القوات العراقية كما قالوا و عندما أشاهد بكل أسى العلم الأمريكي مرفوعا على قواعد عسكرية دائمة بالعراق ، يخامرني سؤال و هو :
هل خرجت فعلا الولايات المتحدة من العراق؟
في النهاية أختم بالقول أن الشعب العراقي عظيم و أتمنى أن يتجاوز كل الخلافات السياسية و الطائفية الضيقة لمصلحة الأجيال القادمة.