رمضان شهر العبادة، أما آن الأوان…
|طالعنا رمضان و كعادة كل سنة بافتتاح سوق “الأعمال الرمضانية” و إن لم أجد مبررا وحيدا لاعتماد هذا الشهر الفضيل، شهر التقوى و العبادة موعدا لسوق الدراما و الأعمال الهزلية دون غيره، لكن هذا هو العرف السائد في عالمنا العربي و مجاراة الأعراف هي رياضة العربي منذ رفض كفار قريش الدعوة المحمدية بدعوى إتباع الآباء و الأجداد. إذا طالعنا هذا العام و نحن نتنفس الحرية بعد سنوات القهر و القمع
وإن كان لابد للمثقف من قدر فقدره مكابدة المصاعب و مراوغة سلطة المراقبة لصناعة وعي بالقضايا الوطنية لتمرير مبادئ إنسانية راقية تساهم في صناعة الكمال الإنساني المنشود…غير أن هذا ما لم يحصل فقد فوت كتاب الدراما على أنفسهم فرصة هذا التحدي و فضلوا الخنوع…. وقد كان لهم قي تاريخ بلدنا، الطويل الذي طالما تغنوا به، مادة خاما كان يمكن توظيفه للتعبير عن الواقع. و لنا في المسلسل التاريخي “الزير سالم” خير مثال على نقل وقائع الحاضر عبر التاريخ. إذا تنافست الفضائيات في جلب أكبر نسب المشاهدة غير عابئة بخصوصية هذا الشهر و لا أعلم إن كانت كاتبة هذه السطور قد نجت من هذا الفخ أم وقعت فيه رغم انتقادها لهذه الظاهرة ؟
فقد تابعت بعض حلقات مسلسل “لأجل عيون كاترين”و تابعتها بعين ناقدة كالعادة فخرجت بالملاحظات التالية: لا أخفي جدية طرح هذا العمل لأغلب المشاكل التي تنخر جسد مجتمعنا من مخدرات و دعارة و “حرقة” و بطالة …. و كلها جرائم ارتبطت بالعائلة الحاكمة التي برزت في شخص “العربي” رئيس مافيا المخدرات و تهريب الآثار و السطو على أرزاق البؤساء…إذا جاء هذا المسلسل ليفضح ما تم فضحه بل و إزاحته، فما الجدوى من التطرق لجرائم الطرابلسية بعد 14 جانفي؟ فهل أن دور الفن هو مجرد إعادة إخراج لحقائق وقع تجاوزها أم أن دوره نفض الغبار عن المستور و تمهيد الطريق لبروز الحقيقة و المساهمة في صناعة وعي وطني؟ هذا و لاحظت تبرير البغاء في قول نورة “ما فماش حتى مرا تختار الطريق هذا” فلو سلمنا جدلا بصحة كلامها، يكون البغاء حلا للمضطرين و هذا خطير جدا.
كما أن رصده لضحايا هذه العصابة فيه الكثير من الحيف فقد تم إقصاء الإسلاميين و كأنهم لم يسجنو لعشرات السنين و لم تقطع أرزاقهم و لم ينكل بهم و يشردوا …. و لم يجعل لهم نصيبهم المفروض في النضال ضد الدكتاتورية فكل من آمال و صديقها من اليسار . رغم أن هذا العمل لم ينخرط بصفة مباشرة في التجاذبات السياسية القائمة في الساحة السياسية غير أنه يستبطن هذا الصراع بين الإسلاميين و غير الإسلاميين. أما المرأة في “لأجل عيون كاترين” فهي عبء على الرجل. فحتى المثال المناضل “أمال” تبقى في حاجة إلى الرجل و لولا أبوها لما أمكنها فعل شيء. أما باقي أخواتها فهن هم ثقيل على الأب العائل الوحيد لهن، فالمتأمل في بيت “الريس نورالدين” يخيل إليه أنه يستحضر الفترات المظلمة من تاريخ المرأة في تونس خلال فترة خمسينات وستينات القرن الماضي عندما كانت تنتظر الزوج لإخراجها من سجن بيت أبيها.
و رأينا صاحب هذا العمل يحاول إثبات جدارة المرأة بالعمل عبر شخصية “قمر” فكيف تستقيم هذه النظرة مع واقعها في تونس اليوم. فهل أننا في حاجة إلى إثبات كفاءة المرأة و قدرتها على العمل إلى جانب الرجل؟ وهل أن هذه الصورة تعكس وضعية المرأة التونسية اليوم؟
كما استطلعت بعض الفضايات التونسية فخرجت بتفاهة “دار الوزير” و مجون “مكتوب 3” و إرهاب “التمساح” و أجلت متابعة “عمر” إلى ما بعد رمضان واستحسنت “بدون استئذان” و “سياسي في الفخ” و بقيت البرامج الدينية على هامش البرمجة في شهر العبادة. بقيت على حالها أيام المخلوع حين أرادها مجرد ديكور لا غير إذ انقضى رمضان آخر و شتان بين متزود من بضاعة التقوى و العبادة ومتزود من بضاعة الفضائيات.