الأغلبية التعيسة

وأنت تنظر حولك في الكائنات البشرية المماثلة لك، ستجد أنه من الصعب تجاهل واقع أن قلة قليلة من الناس هي سعيدة ومحققة لذاتها و قائدة لحياة هادفة. أكثرهم يبدو عاجزا على التغلّب على مشاكله و ظروف الحياة اليومية. الأغلبية التي استقرّت في المتوسّط بل و دونه، سلّمت نفسها لـ”غير نسلّــكها برك”.

الاستسلام للمتوسّط أصبح طريقة حياة. و بالنتيجة فإن أحاسيس عدم التلاؤم يجعلهم -بشكل إنساني بحت- يلومون المجتمع، الناس، الظروف المحيطة و الملابسات على فشلهم و خيبات أملهم. فكرة أن الناس و الأشياء تتحكّم في حياتهم هي مغروسة بشكل كلّي في تفكيرهم و لذلك فإنه من العادي أنهم لن يستجيبوا للحجج المنطقية التي تثبت خلاف ذلك.

زُر أي قاعة شاي أو مقهى و ماذا ستسمع؟

إشاعات. تشكّيات. تذمّر. توجّع. تأسّي. غضب و خوف. سلبية.

زُر أي مطعم غداء في أي مؤسسة كبيرة و ماذا ستسمع؟

إشاعات. تشكّيات. تذمّر. توجّع. تأسّي. غضب و خوف. سلبية.

اختلس السمع إلى أي اجتماع عائلي في توقيت العشاء و ماذا ستسمع؟

إشاعات. تشكّيات. تذمّر. توجّع. تأسّي. غضب و خوف. سلبية.

أستطيع أن أواصل. المقصد هو أن الأغلبية الواسعة للبشرية هي معطّلة في هذا المستوى من الوعي. إنه مستوى الإعلام. إنه مستوى الفايسبوك. إنه مستوى أغلب الحوارات. إنه مستوى أغلب الأغاني. إنه مستوى الطاقة المنخفضة. و هذا هو نفس المستوى الذي يحفظ الناس بالضبط حيثما هم.

درس، أخذ وقتا طويلا لتعلّمه، هو أن عكس الشجاعة ليس الجبن، بل المطابقة. لعلّك أنفقت سنوات قيّمة محاولا أن تتوافق مع الموكب، لتتعلّم فقط، ربّما متأخرا، أنك لن تتوافق معه أبدا.

مالذي يجعلنا نتّبع بعضنا البعض كالأغنام؟ السبب هو أننا نحاول أن نتطابق مع الأغلبية. لقد حان الوقت لأن نكسر هذه الذهنية “الغنمية” و أن نوقف معاقبة أنفسنا لمجرّد أننا مختلفون عن عائلتنا، أصدقائنا أو أي شخص في أيما مسألة. كثير من المعاناة يمكن أن تُمحى لو أننا نرفض أن نترك حياتنا تُــشوّه بالتطابق.

التفكير في أن حياتنا موجّهة بأي شكل من شخص آخر، مجموعة، أو مجتمع، يفرض وضعا من العبودية الذهنية التي تجعلنا سجناء بملئ إرادتنا.

أفكارنا هي التي تصير المخطط الذي يجذب من الذهن اللاواعي كل العناصر لتحقيق مفاهيمنا، سواء كانت إيجابية أم سلبية. ما لدينا في حياتنا الآن هو التجلّي الخارجي لما كان يدور في أذهاننا. نحن نجذب حرفيا كل شيء يأتي إلى حياتنا، جيّد أو سيء، سعيد أو تعيس، نجاح أو فشل. و هذا يتضمّن كل أوجه تجربتنا بما في ذلك عملنا، علاقاتنا، صحّتنا أو أمورنا الشخصية. و هذا ينطبق على الوعي الجماعي أيضا.

فكّر في الأمر ! محيطك، بيئتك، عالمك- كلّها تشكّل خارجي لما تفكّر به داخليا. بأن تكتشف لماذا أنت في الحال التي أنت عليها، فإنك أيضا تجد المفتاح لأن تكون ما تريد أن تكون.

من خلال الإيحاء ( أو ما يعرف بالتنويم المغناطيسي) فإنه لا حدود لما يمكن للشخص أن يفعله، لأن قوة الخيال هي غير محدودة. هناك فكرة دارجة هي أن الإيحاء هو نوع من السحر أو من التحكّم الخارجي. في الحقيقة، فإنه لا أحد يمكن أن يُــنوَّم بدون طواعية من طرفه بما أن كل شخص يتعاون في عملية الإيحاء. الموحي هو فقط مرشد يساعده على الإسراع في الواقعة.

يستطيع شخص أن يعتقد أن شيئا ما هو حقيقي، (سواء كان حقيقيا أم لا)، و من ثم فإنه سيتصرّف كما لو أنه كذلك. سيبحث فطريا عن كل الوقائع التي تدعم الاعتقاد مهما كان خاطئا. لن يستطيع أحد أن يقنعه بخلاف ذلك إلا إذا أصبح جاهزا من خلال الدرس أو التجربة الشخصية.

إلى هنا يمكن ملاحظة أنك أنت و أنا، أساسا، النتيجة لما قيل لنا و لما علّموه إيّانا، لما بيع لنا و لما اشتري منّا.

الشخص العادي لا يصل أبدا إلى أن يقارب الكامن اللامحدود فيه لأنه يعيش تحت افتراض خاطئ و هو أنه يعرف الحقيقة مسبقا. هو يعتقد فيما أخبره به والداه، فيما علّمه إياه معلّموه، فيما حدّثه عنه أصدقاؤه، فيما قرأه و فيما شاهده في التلفاز، فيما قالته له جماعته الدينية، بدون أن يثبته حقا لنفسه.

ملايين تلو الملايين من الناس اتبعت بشكل أعمى خطاب ما يسمى بالناس “المعروفين” بدون أن تتأكد إن كانت هذه المبادئ التي ينشرها هؤلاء “الخبراء” تنفذ لحقائق الحياة. وعلاوة على ذلك فإنهم يحدّون من أنفسهم بأن يتشبّثوا بهذه المفاهيم و القيم و الاعتقادات حتى و لو كانوا قد تجاوزوها فعليا.

مهمّتك الأولى هي أن تستيقظ من الوضعية المنوّمة التي تحفظك بعيدا عن الشخص الذي تريد أن تكونه. اقرأ الجملة التالية:

الدرجة التي تتيقظ فيها ستكون في تناسب مباشر مع كمية الحقيقة التي يمكن أن تقبلها حول نفسك.

و الآن أعد قراءتها مرة أخرى ! هذا هو المفتاح الذي يقرّر إلى أي مدى ستكون قادرا على تغيير حياتك. بكلمات أخرى: اعرف الحقيقة و ستجعلك الحقيقة حرا.

و ما هي الاعتقادات؟ هي المعلومات الواعية و اللاواعية التي قبلناها كحقيقة. للأسف فإن اعتقاداتنا كثيرا ما تسجننا و تمنع عنا الوصول لما هو حقيقي. مصفاة من المفاهيم الخاطئة تحظر مرور الحقيقة فنرى فقط ما نظن أننا نريده، و نرفض أي شيء آخر.

للأسف، فإن كثيرا منا يصرف كثيرا من أيامه يتبع و يفعل ما توصّل إلى الاعتقاد بأنه يحتاج إلى فعله، بدل أن يتّبع و يفعل ما يثيره حقا و ما يجلب له الفرحة التي يفتش عنها.

ما نفشل في فهمه هو أنه عندما يكون هناك مليارات من الأشخاص يفعلون أشياء لا يريدون فعلها حقا، فإنهم يخلقون نتائج لا يريدونها، و بذلك يخلقون إحساس الحزن و التعاسة. هذه التعاسة تخلق طاقة جماعية تتجه نحو البيئة و تتسبب في دمار للكوكب الأرضي أكثر من كل الأشياء الأخرى مجتمعة. إنها مثل التوتر و الغضب الذي يتسبب في القرح. الغضب يخلق القرح، تماما كحزن الناس الذي يخلق نتائج سلبية في المحيط.

هناك عدد من الناس مهتمون بشأن البيئة في الأرض. هم يريدون إنقاذ الأنهار و المحيطات و الغابات. قد يكون هذا منصوحا به، و لكن أستطيع أن أقول لك أن الطاقة المتأتية من الأغلبية التعيسة في هذه الأرض هي ما يسمّم البيئة أكثر من كل الأشياء الأخرى مجتمعة.

سوف لن نحلّ مشاكلنا البيئية حتى نحلّ مشكلة الطاقة الحزينة. بدل أن نحاول تنظيف المحيط، نحتاج إلى تنظيف تفكير و حزن الناس الذي يتسبب في مشاكلنا البيئية.

بدل أن نحاول زرع شجرة “احتفالا” بعيد الأرض، فلنزرع في أنفسنا ما نريده نحن حقا احتفالا بأنفسنا.

 و الآن دع عنك هذا المقال، و أنصت إلى قلبك.

Please follow and like us:

اترك رد

Verified by MonsterInsights