عندما تنظّر جريدة تونسيّة للزواج العرفي
|لفت انتباهي في الصفحة الأولى لجريدة البيان الأسبوعيّة ليوم الإثنين 5 ديسمبر 2011 العنوان التالي: ” ما رأي الشرع في الزواج العرفي؟”. والمقال الموجود بالصفحة 15 هو إجابة من الشيخ علي خنّاش على تساؤلات وردته حول الزواج العرفي، فيذكر الشيخ أنّ لهذا الزواج صورة جائزة شرعا وصورتين غير جائزتين، فيجوز هذا الزواج حسب قوله بحصول الرضا بين رجل و مرأة وأعلم بذلك وليّ المرأة بحضور شاهدين، أو تراضى رجل بالغ عاقل ووليّ المرأة ( ويبدو أنّ رضا المرأة ليس ضروريّا في هذه الحالة !) بحضور شاهدين “وذلك كلّه مع استيفاء العقد شروط الزواج الأخرى الشرعيّة وبدون تحرير وثيقة رسميّة، وعندئذ يعتبر هذا العقد زواجا جائزا شرعا وتترتّب عليه سائر أحكام الزواج الصحيح”.
ولم يشر شيخنا إلى تعارض هذا الزواج العرفي مع القانون التونسي إلا في ملاحظة أضافها، لا لينصّ على أنّ ما ذكره زواج على خلاف الصيغ الشرعيّة وهو باطل ويعتبر جنحة تفضي إلى سجن مرتكبيها ثلاثة أشهر، بل فقط ليذكّر أنّ قوانين بعض البلدان على غرار بلادنا “تقضي بعدم سماع أو عدم قبول دعوى الزوجيّة عند الإنكار إلا بوثيقة زواج رسميّة، الأمر الّذي يتعذّر معه في هذا الزواج حصول أحد الزوجين على حقوقه”. فالشيخ هنا لا يعبأ بكون هذا الزواج باطلا قانونا وموجبا بالسجن، وربّما لا يكون عالما بذلك وإن كان لا يعذر جاهل بجهله بالقانون، بل فقط ليشير إلى إمكان ضياع حقوق أحد الزوجين أمام المحاكم الّتي تطبّق القانون الوضعي رغم كون هذا الزواج “جائزا شرعا”، وكأنّي به ينتقد ضمنيّا الدولة الّتي “تحرّم ما أحلّ الله” ويطمئن السائلين أنّهم على هدى وصراط مستقيم، حتّى و إن سجنتهم هذه الدولة الّتي لا تطبّق شرع الله !
وليست هذه المرّة الأولى الّتي ينشر فيها هذا النوع من الفتاوى بجريدة تونسيّة. فكثيرة هي الأركان الدينيّة للجرائد التّي تتضمّن أسئلة من نوع “هل تعتبر امرأتي طالقا إن قلت لها كذا؟”، “هل الطلقات الثلاث في مجلس واحد تجعل الطلاق بائنا؟”(وكأنّ الطلاق لم يصر قضائيّا منذ أكثر من خمسين سنة !)…وليس من المستغرب أن نجد في قادم الأيام أسئلة على أعمدة صحفنا حول كيفيّة إعلام الزوجة الأولى بأنّ لها ضرّة أو حول شروط النكاح بملك اليمين !
مثل هذا النوع من الأسئلة يبرّر وجود مخاوف على المكاسب الواردة بمجلّة الأحوال الشخصيّة، بل يمكن اعتبار أنّها لم تصبح مكاسب بعد، بما أنّ البعض لا يعتبر وجودها أصلا ! بل أنّ هذا النوع من الأسئلة يجعل الشكوك تحوم حول إمكانيّة تحقيق دولة القانون الّتي تعني، وقبل كلّ شيء، أن يكون قانون الدولة وحده هو المطبّق على كلّ المواطنين. فما العمل إذا كانت هناك فئة من المواطنين لا تعتبر قانون الدولة وتتمسّك بتطبيق منظومة مخالفة؟ هل سنجعل الاحتكام إلى قانون الدّولة اختياريّا؟؟؟ هل ينقسم المجتمع التونسي إلى طائفتين، من يطبّقون قانون الدولة ومن يطبّقون الشريعة؟؟
لا ألوم الشيخ على إجابته، فقد أجاب بمقتضى علمه وبمقتضى المنظومة الفقهيّة الّتي لا يمكن له أن يفكّر إلا في إطارها، بل ألوم الجريدة الّتي نشرت هذا الجواب، بل ووضعته في صفحتها الأولى لجلب القرّاء. وأقلّ ما يمكن للدولة فعله، للتصدّي لهذه الظاهرة، هو منع نشر مثل هذه الأجوبة على الجرائد وتغريم من يخالف هذا المنع، وذلك أضعف الإيمان.