في ماهية الشيطان
|[et_pb_section admin_label=”section” fullwidth=”off” specialty=”on”][et_pb_column type=”3_4″ specialty_columns=”3″][et_pb_row_inner admin_label=”row_inner”][et_pb_column_inner type=”4_4″ saved_specialty_column_type=”3_4″][et_pb_text admin_label=”النص”]
بقلم: أنيس عكروتي
قرّرت البحث في هذا الموضوع لمّا اكتشفت أنّ هذا الشيء أو الكائن المسمّى بالشيطان (طبعا مع مراعاة اختلاف التسميات بين الأديان والحضارات) يُعتبر شخصيّة محوريّة بارزة لا تكاد تخلو منها ديانة.
مثلما تطوّر العقل البشري ،تطوّرت صورة الشيطان.فمن الملاحظ ان الانسان القديم كان يعتقد في وجود صراع حاد بين قوى الخير ( تتجسد في الآلهة او ما يسمّى بالارواح الخيّرة ) وقوى الشرّ (الأرواح الشرّيرة ويمكن ان تتجسد في شكل آلهة كذلك ).
لكن اللافت للانتباه هو المعيار الذي على أساسه التمييز بين هذه القوى ،فقبل أن تتبلور رؤية واضحة للأخلاق كان الإنسان ينظر إلى المسألة بجانبها النفعي، أي أنّ قوى الخير هي نافعة له ولذلك يجتهد كثيرا لإرضائها والتقرّب منها من خلال القرابين أو التودد الى الكهنة ( على اعتبارهم وسطاء وقادرين على التواصل مع الآلهة ) بينما قوى الشرّ يتمّ التعامل معها على أساس تفادي غضبها وتجنبّ أذاها ( مثلما نرى ذلك واضحا في عبادة الأسلاف والطوطمية والفشتية).
هذا الصراع الأبدي كان يُنظر إليه بصيغته الخارجية أي أن الإنسان لم يكن مشاركا بشكل فعّال فيه. هذا صراع بين أرواح سامية قويّة مؤثرة في الكون بينما الإنسان يرى نفسه كائنا ضعيفا يكتفي بالمراقبة وفي أقصي الحالات بالمناجاة وتقديم القرابين.
لغويا تمّ الاختلاف كثيرا في أصل كلمة شيطان التي ظهرت لأول مرة في التوراة في سفر الأيام الأول – الإصحاح 21: (… وتآمرالشيطان ضد إسرائيل).هناك من قال أن الأصل عربي على إعتباروجودالعديد من الكلمات التي يعطي مصدرها معاني والضلالة والإحتراق والبعد مثل(شط – شاط – شوط وشطن)، والبعض الآخر قال أنها عبرية وتأتي بمعنى الضد أو العدو . أما كلمة إبليس فقد رأى البعض أن أصلها يوناني من كلمة (DIABOLOS) ديابلوس وتأتي بمعنى الإعتراض والوقيعة ،والبعض الآخر يرى أنها آتية من كلمة (الإبلاس) أي اليأس التام من رحمة الله ومن العودة إلى الجنة ،ومنهم من قال إن أصل التسمية مأخوذ من (DEVIL) في اللغات السكسونية والتي تعني يفعل الشر بينما أرجع الآخرون الكلمة إلى (مغستوفليس) وهي مأخوذة من اليونانية وتعني (كراهية النور) ومصدرها هو السحر البابلي الذي وصل إلى الغرب على أيدي اليهود اليونان وهذه التسمية تمثل روحاً من أرواح النحس التي تتسلط على بعض الكواكب.
أما من ناحية المضمون فنجد القائلين بأن الشيطان كائن ينتمي لعالم آخر ( الجنّ ) وله قدرة على الاغواء وتحريك وازع الشر لدى الانسان في حين ان هناك من يرى أن الشيطان ليس كائنا واضح المعالم ولكنه مجموعه من الغرائز والعقد النفسية والرغبات المكتوبة فينا ( وهي نظرة تبناه عدد من علماء النفس على سيغموند فرويد ).
لن يتم التطرّق إلى كل الديانات لأنّ المجال لا يتسع لذلك ونخشى على القاريء من الوقوع في الرتابة ،أوّلا لأن الديانات متعددة ..ثانيا ،نظرا لأن جلّ الديانات تقريبا اتقفت على الصفات التي تنسب إلى الشيطان وإن كانت هذه الأديان تختلف في نظرتها اختلافا جزئياً أو كلياً حول مدى قدرة وإرادة الشيطان فعل الشر.
خلال البحث في الأديان القديمة نستشف أنّه لا يوجد شيطان واحد بل عدة كائنات وارواح شريرة،كل واحدة منها لها مهمة معيّنة ولكنها تشترك في صفات الخداع والخبث والإغواء وكل شيء له علاقة بسوء الأخلاق.
نجد ذلك بصفة واضحة في الديانة المندائية حيث تتعدد الشياطين ولكن الشخصية الرئيسية التي تلفت الإنتباه من بين تلك الكائنات هي الروهة (روح الشر) وهي أم كل الشياطين.
نجد ذلك ايضا في الديانات المصرية القديمة وخاصة في الحضارة الهندية وحضارات ما بين النهرين.
مع التقدم في الازمنة تمّ بلورة أول رؤية واضحة للكائن الشيطاني وذلك في الديانة الزرادشتية.
و كما سبق أن ذكرنا فهذا الصراع بين الشر والخير يدور بعيدا عن الانسان ينتهي مؤقتا بانتصار قوى الخير ومن ثم يتجدد الصراع ثانية.
شيء آخر للانتباه هو التركيز على الشخصية الأنثوية باعتبارها رمزاً من رموز الشر أو الشيطان ،ففي المندائية هناك (الروهة) وفي البابلية (تياميت) وفي الديانة الهندية (سيتالا ومايا) وفي الزرادشتية نرى (دروج) ،إضافة إلى أن معظم الشخصيات الشريرة الرئيسية في هذه الأديان هي آلهة مثل (الرب مارا) في الديانة الهندية و(الربة تياميت) في الزرادشتية و(الإله سيث) في الديانة المصرية.
و كما أشرنا فإنّه مع تقدم العصور بدأت النظرة تتغير وتحوّل الشيطان من كائن عظيم يوازي عظمة الآلهة وهو بذاته من الآلهة ( آلهة الشر ) إلى كائن أقل اهمية باعتباره مخلوقا من الله. كان يُعتبر كسائر المخلوقات إلى حين تمرّده ودخوله في صراع مع الله. ليس صراعا خارجيا بمنأى عن الانسان كما كان ذلك قديما بل أصبح الإنسان المحور الأساسي فيه والوسيلة التي يستخدمها طرفا النزاع ( نعني بذلك الله والشيطان ) لتحقيق النصر.
الشيطان هنا لم يعد ممارسا للشر بصفة مباشرة بل اصبح دوره تكتيكيا ،حيث يحاول التأثير على الانسان لدفعه الى معصية الله وفي ذلك انتصار له.
و كما قلنا فهناك شبه اجماع من كل الديانات على النزعة الشريرة للشيطان فهذا لا يمنع من وجد استثناء واضح نجده في الديانة الايزيدية وهي ذات اصول هندية.
الايزيديون ينظرون إلى الشيطان ( طاووس ملك كما يسمّونه ) نظرة مغايرة حيث يعتقدون أن الله أراد اختبار الملائكة وأمرهم بالسجود لغيره ( نعني بذلك آدم ) وقد سقطوا في الاختبار إلا الشيطان الذي رفض ذلك لأنه مخلص لله ولا يعبد غيره.
هذه النظرة دفعت البعض من قاصري النظر إلى نعت الايزيديين بعبدة الشيطان في حين أنهم يقرون بوحدانية الله.
هذا وتبقى النظرة إلى الشيطان في العصر الحديث متأرجحة بين النظر اليه ككائن يغوى الانسان ويدفعه لارتكاب الجرائم والمعاصي إلى درجة أن البعض إصبح ينسب كل أفعاله الشريرة إلى الشيطان ( كأنه يتهرب من المسؤولية) ، والنظر اليه ككائن يرمز الى التمرّد ( حتى لغويا شطن يعني تمرد ) والعصيان..و هنا نستحضر بعض المقاطع للقصيدة الخالدة لامل دنقل ” كلمات سبارتاكوس الاخيرة “:
المجد للشيطان … معبود الرياح
من قال ” لا ” في وجه من قالوا ” نعم “
من علّم الإنسان تمزيق العدم
من قال ” لا ” .. فلم يمت ،
وظلّ روحا أبديّة الألم !
ختاما ،لا تخشوا من قراءة المقال فالشياطين مسلسلة في رمضان ولن تؤذيكم.
[/et_pb_text][/et_pb_column_inner][/et_pb_row_inner][/et_pb_column][et_pb_column type=”1_4″][et_pb_sidebar admin_label=”Sidebar” orientation=”right” background_layout=”light” area=”sidebar-1″ remove_border=”off”] [/et_pb_sidebar][/et_pb_column][/et_pb_section]
مقال حيّد من حيث نعرّضه لمسألة معرفيّة على غاية من الأهميّة وتتطلّب معارف عميقة بعلم الأديان المقارن وما يصاقبه من علوم محايثة… وكان المؤمّل أن يشير الكاتب إلىمظانّ البحث في هوامش كي يعود إليها المهتمّون بالموضوع، ومن أجل إكساء المقال نصداقيّة علميّة…
وتبقى ثلاث ملاحظات:
الأولى وتتعلّق بـ(الربة تياميت) في الزرادشتية، كما يقول الكاتب والحال أنّه ذكرها بوصقها بابليّة قيل ذلك بسطرين. وللعلم، فهذه خي نفسها الإلهة (تهامة)العربيّة البابليّة.
الثانية: إشارة الكاتب إلى “الديانة الايزيدية وهي ذات اصول هندية”، وهذا لا حقيقة له حسب الدراسات التي قام بها إيزيديون ومستشرقون، وما محلّ ديانة هنديّة في عمق المنطقة العربية (العراق تحديدا)؟
الثالثة: تبقى مسألة التمايز بين الشيطان وإبليس عالقة. فهل الشيطان هو نفسه إبليس؟ وإذا كان إبليس خلق من نار، فكيف يسوغ له أن يكون من الملأ الأعلى وهو ملائكي بامتياز؟
كلّ التشجيع للأستاذ أنيس العكروتي… وننتظر منه الأفضل
تعليقكم أسعدني سيدي الكريم ؛
ملاحظاتكم قيّمة و سآخذها بعين الاعتبار..
مرحبا بكم دائما ..