هل همّشت الدراسات الأكاديمية دور المرأة التونسية في مقاومة الاستعمار؟

بقلم: منصف سلطاني

لقيت المرأة التونسية اهتماما كبيرا من قبل المختصين في حقول معرفية شتى كالعلوم السياسية والاجتماعية والإنسانية، غير أن الدراسات الأكاديمية في الجامعة التونسية لم تف المرأة التونسية حقها في مسألة مقاومة الاستعمار الفرنسي خاصة في حقبة الخمسينات أي منذ اندلاع الثورة المسلحة يوم 18 جانفي 1952. وإن المتأمل في الدراسات التي حرصت على تناول نضالات الحركة الوطنية في فترة الاستعمار، لا يلاحظ وجود دراسة مستقلة حول إحدى النساء التونسيات حول دورها في مقاومة الاستعمار الفرنسية مثل شاذلية بوزقرو أو توحيدة بالشيخ أو بشيرة بن مراد وغيرهن كثيرات.

اقتصرت الدراسات التاريخية حول دور المرأة التونسية في نضالها ضد المستعمر على بعض المقالات في الصحف والمجلات والمواقع الالكترونية. أما وجود الدراسات الأكاديمية المستقلة حول هذه المسألة فهو أمر نادر ويكاد يكون منعدما في مناسبات أخرى.

سنحاول في هذه الورقة إبراز بعض المحطات النضالية التي كانت فيها المرأة التونسية في طليعة النضال إلى جانب الرجل خلال الفترة الاستعمارية. وكانت بصمة المرأة التونسية بارزة في الكثير من المحطات النضالية ضد الاستعمار الفرنسي بتونس.

حضور بارز في محطة 9 أفريل 1938 النضالية

عرفت البلاد التونسية أواخر حقبة الثلاثينات يومي 8 و9 أفريل 1938 موجة إحتجاجات ضد الاستعمار الفرنسي حيث خرج التونسيون إلى الشارع في مسيرات لمطالبة السلطة الاستعمارية بتكريس جملة من الإصلاحات السياسية وهي إقرار برلمان تونسي وتكوين حكومة مستقلة وإطلاق سراح المعتقلين في السجون وفي مقدمتهم زعيم الشباب الأستاذ بالمدرسة الصادقية علي البلهوان الذي فصل عن المهنة بتهمة تحريض الشباب على عصيان السلطة الفرنسية إثر الخطاب الشهير الذي ألقاه في مقر الحزب بعنوان ” نصيب الشبيبة في الكفاح”، دعا فيه الشباب التونسي إلى مواجهة الاستعمار الفرنسي.

سجلت المرأة التونسية حضورا بارزا في مظاهرة 9 أفريل 1938 المناهضة للاستعمار الفرنسي. وضمن هذا السياق أكد الدكتور عادل بن يوسف المختص في التاريخ المعاصر والزمن الراهن بالجامعة التونسية أن التقارير سجلت مشاركة أكثر من 50 امرأة تونسية من فئات عمرية مختلفة في هذه المحطة النضالية وكان في طليعة المشاركات في أحداث 9 أفريل 1938 بنات أخت الزعيم الحبيب بورقيبة وخديجة الطبال.

رفعت المرأة التونسية يوم 9 أفريل 1938 إلى جانب الرجل عديد الشعارات التي ترفض الوصاية الاستعمارية على الوطن وكانت زغاريدهن تعلو وسط المسيرات دعما للخطب السياسية التي ألقاها زعماء الحركة الوطنية التونسية.

لم تقتصر مشاركة النساء التونسيات فقط على محطة 9 افريل 1938 بل تواصلت في الفترات الموالية، وشاركن في كل حراك مناهضا للاستعمار الفرنسي حيث مازالت الذاكرة الجماعية في تونس تحتفظ بجهود النسوة لدعم حركة الكفاح التحريري.

مشاركة علنية في المقاومة المسلحة  منذ جانفي 1952

إضافة إلى تغييب دور المرأة التونسية في مقاومة الاستعمار في الدراسات الأكاديمية، تم تهميشهن في كتب التاريخ والبرامج الرسمية في المدارس.

وكان دور المرأة التونسية في حركة المقاومة المسلحة جليا في بداية الخمسينات حيث سجلت هذه المحطة النضالية أسماء تونسيات مناضلات صعدن إلى الجبل وساعدن المقاومين التونسيين طيلة فترة المقاومة المسلحة التي يسميها المستعمر ” حركة الفلاقة”. وسنستعرض هنا أسماء المناضلات التونسيات اللاتي لعبن دورا بارزا في حركة التحرير الوطني خاصة في الفترة التي امتدت بين 1952 و1954 (انظر الجدول أدناه).

دورها في مقاومة الاستعمار

اسم المناضلة

الصعود إلى الجبل رفقة زوجها

خضراء الزيدية

استقبال المقاومين وإيوائهم

مبروكة بنت محمد

حمل السلاح مع الأزهر الشرايطي.

تفجير جسر على وادي المالح بين قفصة وزانوش

حسينية رمضان عميد

انضمت إلى مجموعة المقاوم الأزهر الشرايطي

تجميع المعلومات ومدها للمقاومين

محجوبة الموساوي

خياطة زي المقاومين والمساهمة بالمال

ريم المسية

نقل الأخبار إلى الثوار متنكّرة تاجرة متجولة

دولة بنت محمد الصالح عميد

دعم زوجها والتعرض إلى جروح في إحدى المعارك

الطاوس حرم الأزهر الشرايطي

تمويل الثورة بالمال

زهرة نصيب دولة

المشاركة في معركة طبلبة ضد المستعمر

الاستشهاد في المعركة

آمنة براهم

لا تقتصر مشاركة المرأة التونسية في محطة المقاومة المسلحة التي اندلعت يوم 18 جانفي 1952 على القائمة الاسمية المرفقة بالجدول المصاحب، وهنّ ممّن لعبن دورا بالغ الأهمية في دعم الثورة المسلحة بالجنوب التونسي، بل هناك أسماء مناضلات وطنيات في جهات أخرى من البلاد التونسية تستوجب البحث والتدقيق.

كما تعرضت عدة مناضلات تونسيات خلال الحقبة الاستعمارية إلى النفي والاعتقال والسجن بسبب دعوتهن إلى المقاومة والنضال ضد أشكال الاستعمار وفي مقدمتهن خديجة الطبال التي نفيت إلى رمادة أقصى الجنوب التونسي وكذلك شريفة المسعدي المناضلة النقابية زوجة المناضل النقابي ورجل الدولة الأستاذ محمود المسعدي ومجيدة بوليلة التي تم تهجيرها إلى تبرسق.

رسمت النساء التونسيات مسيرة طويلة من النضال  بمشاركتهن في معركة الكفاح التحريري التي توجت بالاستقلال سنة 1956. وكانت المرأة التونسية حاضرة بقوة من خلال المشاركة في الكفاح المسلح أو في النضال السياسي والثقافي في الجمعيات والأحزاب السياسية في ظل مجتمع ذكوري تقليدي.

وإن الباحث في اختصاص التاريخ المعاصر يكاد لا يجد دراسة أكاديمية مستقلة تتطرق إلى نضالات المرأة التونسية ضد الاستعمار الفرنسي بل توثيق دور التونسيات اقتصر فقط على بعض التلميحات والمعلومات الموجزة في الصحف والمجلات والمواقع الإلكترونية فقط، ربما يعود ذلك إلى ندرة الوثائق الأرشيفية ولكن يمكن الاعتماد على الرواية الشفوية لحفظ الدور البطولي الذي قامت به التونسية في الفترة الاستعمارية.

 

المراجع

  • عليه الصغير،( عميرة)، المقاومة المسلحة في تونس الجزء الثاني ( 1939- 1956) ، المعهد الأعلى تاريخ الحركة الوطنية، تونس، 2004 .
  • تونسيات في الذاكرة : حملن السلاح واستشهدن على الميدان ونفين في رمادة وخضن أشرس المعارك “، جريدة الجمهورية، 8 مارس 2017 .

نُشر هذا المقال في مجلّة حروف حرّة، العدد 35، صيف 2024.

للاطّلاع على كامل العدد: tiny.cc/hourouf35

 

Please follow and like us:

اترك رد

Verified by MonsterInsights