”نساء الخلفاء الأمويين“ لبثينة بن حسين: مادّة ثريّة تنتظر الغوص فيها
|بقلم: حمزة عمر
يزداد الاهتمام شيئا فشيئا في الحقل الأكاديمي التونسي بالمواضيع ذات العلاقة بالدور الذي لعبته النساء تاريخيا في مختلف المجالات، وخصوصا المجال السياسي. وتهدف مختلف هذه الكتابات بشكل عام إلى إعادة تقييم هذا الدور بشكل مغاير للكتابات الكلاسيكية التي عادة ما يتم استبطان أنها ذات طابع ذكوري.
يعد كتاب بثينة بن حسين المعنون “نساء الخلفاء الأمويين (قراءة جديدة)” الصادر عن منشورات الجمل في 2014 بالكثير في هذا الصدد، لا سيّما والباحثة تعلن منذ الجملة الأولى أن الدراسات بشأنه توقفت منذ أربعينات القرن الماضي. كما يُعلن التقديم الذي كتبه محمد الشريف الفرجاني أنّ قيمة هذا العمل تكمن في أنّه “ينسّب ما صار ملتصقا بالإسلام وبالحضارة العربية في علاقة بوضع المرأة”.
ينقسم هذا الكتاب إلى ثلاثة أقسام: دور نساء الخلفاء داخل الأسرة، علاقتهنّ بالسلطة، نشاطهنّ في الفضاء العام. وفي كلّ قسم من هذه الأقسام، خُصّص جزء للحديث عن دور الزوجات وآخر للحديث عن دور الجواري، مع تحرّر نسبي من هذا التقسيم في القسم الثالث.
لا يمكن إنكار الجهد الكبير المبذول لجمع الأخبار المتناثرة في عدد من كتب التاريخ والتراث القديمة حول نساء الخلفاء الأمويين، التي لم تعن بشكل خاص بهذا الموضوع. كما أنّ هذه الأخبار المتناثرة بوّبت بشكل منهجي، كما ذُكر سابقا، يجعل من اليسير على الباحثين في المستقبل الرجوع إليها واستغلالها، لا سيّما وقد ألحق البحث بجدول تلخيصي مهمّ يحدّد قائمة نساء الخلفاء الأمويين ووضعيتهنّ وانتمائهنّ القبلي أو الجغرافي، وإن كان هذا الجدول ليكون أكثر نفعا لو ألحقت به خانة تعدّد من أنجبته هؤلاء النساء، ولو حذفت منه الأسطر حول اللواتي لم يعرف اسمهنّ أو نسبهنّ ولا كان لهنّ دور مذكور في متن الكتاب.
فيما عدا هذا الجهد في الجمع والتبويب، يعسر علينا أن نعثر في هذا البحث عمّا يمكن أن نعتبره فعلا قراءة جديدة. فهذه العبارة تفترض استقراء ما ذكرته مختلف الأخبار، التي لا تمثّل منفردة أكثر من طرائف مسجّلة على هامش التاريخ الرسمي، لإثبات وجود دور حقيقي ممنهج أو شبه ممنهج للنساء موضوع البحث. لا نرى في طيّات الكتاب إلا شخصيات منفردة حاولت ممارسة دور ما، عادة ما يكون عرضيّا، في سياسة الخلفاء وذلك رغم محاولات التعميم والتضخيم التي كثيرا ما تكون انطلاقا من حوادث فرديّة قد لا تعني شيئا ذا بال. مثلا، تُقدّم نائلة بنت الفرافصة زوجة عثمان على أساس أنها “الفاعلة الأساسية في الفتنة الكبرى” (ص. 113) فقط لأنها أرسلت أصابعها المقطوعة وقميص عثمان إلى معاوية في الشام، في حين أنّ ذلك لا يمكن أن يزيد على فعل تحريضي رمزي يقع على هامش الحدث المركزي، وهو مقتل الخليفة الصحابي الأموي.
ولئن حملت بعض الاستنتاجات عن استراتيجيات المصاهرة لدى الخلفاء الأمويين عناصر جدّة لا سيّما في التعليق على الزواج من قرشيات أو من كلبيات، فإنّ أغلب التحليلات تأتي مقتضبة وغير مبنيّة على قراءة معمّقة. فبعد إحصاء نساء عبد الملك بن مروان وأنسابهنّ، نقرأ ما يلي “وهذا ما يعتبر ظاهرة غريبة من نوعها أي الإفراط في الزواج كعنصر من عناصر التلذّذ بالسلطة. لكنّ الطلاق يعبّر عن حالة اضطراب في شخصيته”، دون أن نفهم فيما يختلف عبد الملك عن الخلفاء الآخرين (وكلهم تقريبا تزوجوا وطلّقوا مرارا) ولا نعثر على أيّ غوص في نفسية عبد الملك، الباني الحقيقي للسلالة المروانية، الموصومة بالاضطراب دون أدنى تحليل لمظاهر هذا الاضطراب وتأثيره على سياسته أو كيف يمكن أن يكون قد فتح الباب لنسائه للتأثير عليه، وهو من المفترض أن يكون المحور الرئيسي للكتاب.
كما أنّه قلّما نعثر في هذا الكتاب على نقد للأخبار أو حتى قراءة متقاطعة للأخبار التي تتشابه أو تتكرّر في المصادر مع أكثر من شخصية. على سبيل المثال، نقرأ عن حادثة أم البنين بن عبد العزيز مع وضّاح، وهي تشبه أقاصيص ألف ليلة وليلة، دون أيّ تشكيك في مصداقيتها أو طرح لفرضيّة أن تكون من صياغة خصوم بني أميّة، وهي التي تمسّ من صورة زوجة خليفة (الوليد) شديد الوطأة على أعداء دولته وأخت خليفة (عمر بن عبد العزيز) شكّلت صورته الأيقونية مصدر إزعاج للعباسيين فيما بعد. نجد غياب التعامل النقدي كذلك مع قصّة مقتل عبدة ونبوءة هشام بن عبد الملك في ذلك، وهو خبر يأخذ حيّزا من الكتاب يفوق بكثير أهميّته بالنسبة إلى الموضوع الرئيسي، خصوصا بالنظر إلى نزعته الأسطوريّة الواضحة الّتي تجعل من هشام مطّلعا على الغيب!
يُوفّر الكتاب مادة ثريّة حسنة الجمع والتبويب، على أنّ النتائج المستخلصة من هذه المادة لا ترتقي إلى مستوى الأهداف المرسومة والمأمولة في فاتحته. ولعلّ هذا العمل سيكون باكورة بحوث أخرى تنقّب في هذه المادة لتقديم خلاصات مازالت تقبع تحت السطح إلى حدّ الآن حول هذه الفترة المهمّة في التاريخ العربي الإسلامي.
نشر هذا المقال في مجلّة حروف حرّة، العدد 12، فيفري 2022، ص. ص. 8-9.
للاطلاع على كامل العدد: http://hourouf12.tounesaf.org