كم يوجد من ” حماس”؟ صراع الشقوق داخل الحركة الفلسطينية
|بقلم: أنيس عكروتي
خلال الأسبوع الأخير من شهر جانفي، انتظمت بقطاع غزّة مسيرة حاشدة دعما لحركة أنصار الله اليمنية المعروفة بالحوثيين، مسيرة رفعت خلالها شعارات مناصرة للحركة اليمنية ولـ “محور المقاومة” وسُمعت فيها هتافات مناهضة للأنظمة الخليجية وأساسا للمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة.
المسيرة التي شارك فيها مقاتلون وشخصيات سياسية من حركتي حماس والجهاد الإسلامي أثارت كثيرا من الجدل داخل الشارع الفلسطيني وهي تسلّط الضوء على طبيعة العلاقة التي تجمع بين الحركتين الفلسطينيتين والنظام الإيراني.
هل تقف العلاقة في حدود الدعم العسكري الذي يتلقاه الطرفان وبذلك لا يتجاوز الإطار الفلسطيني أم أنّ الأمر أبعد من ذلك ويصل إلى نوع من التبعيّة؟
سنخصّص هذا المقال للحديث حصرا عن حركة حماس والبحث في تأثير هذه العلاقة متداخلة الأبعاد مع النظام الإيراني على وحدة الصفّ الداخلي والعلاقات الخارجية مع باقي دول المنطقة.
جاء على لسان أحمد علم الهدى، إمام مشهد بإيران وممثل خامنئي في خراسان، في إحدى خطب الجمعة منذ أكثر من سنتين أنّ ” إيران اليوم ليست فقط إيران وهي ليست محدّدة بالحدود الجغرافية، اليوم الحشد الشعبي في العراق هو إيران، حزب الله في لبنان هو إيران، أنصار الله في اليمن هم إيران… حماس في فلسطين هي إيران.. جميعهم باتوا إيران…”.
موقف شبه رسمي لم يكن بالشاذ داخل النظام الإيراني ففي أواخر شهر سبتمبر قال اللواء غلام علي رشيد، وهو أحد أبرز القادة العسكريين الإيرانيين، أنّ حركتي حماس والجهاد الإسلامي في فلسطين تعدّان امتدادا وجزءًا لا يتجزّأ من القوّة العسكرية الإيرانية، وتمثّل إلى جانب أربعة فصائل أخرى قوّة ردع تابعة لطهران ضدّ أي تهديد خارجي.
في حين أنّ حركة الجهاد الإسلامي ردّت ببيان خجول مقتضب، لمّ تكلّف قيادة حركة حماس نفسها عناء التوضيح ولو عبر تصريح رسمي موجز، ممّا يطرح التساؤل حول الهويّة السياسية للحركة خاصّة بعد ما انتصر ميثاق حماس الأخير ( غرة ماي 2017) للفلسطنة على حساب الأسلمة. أضحت ” حماس الجديدة” حركة تحرّر وطني ولم تعد تعتبر نفسها فرعا من فروع تنظيم الإخوان المسلمين وبالتالي فهي ملزمة بالاشتغال داخل الإطار الفلسطيني حصرا.
هذه العلاقة المتشابكة مع النظام الإيراني وانعكاسات ذلك على العلاقات مع مصر ودول الخليج العربي وتركيا، لم تثر الجدل داخل الشارع الفلسطيني وبصفة أكبر داخل القاعدة الحمساوية فحسب، بل خلقت شقيّن مختلفين صلب قيادة الحركة. ليس الأمر متعلّقا بالفصل بين الواجهة السياسية لحماس ومثيلتها العسكرية كما يعتقد “منظرّو القاعدة” الذين يكفرّون القيادة السياسية ويستثنون الجناح العسكري! أو كما يفعل ذلك عدد من القوميين العرب المساندين لجهود كتائب عز الدين القسام ومتخذين في الآن ذاته موقفا حادّا وعدوانيّا من المكتب السياسي لحركة حماس. بكلّ وضوح يسير كلّ من خالد مشعل (ومن معه وأساسا موسى أبو مرزوق) وإسماعيل هنية (ومن معه وأساسا محمود الزهار) في طريقين مختلفين فحين يرى الأوّل أنّ العلاقة مع النظام الإيراني يجب أن تستمرّ لكن في حدود الدعم العسكري ودون شروط وأنّ الأولوية يجب أن تتجّه نحو تطوير العلاقات مع كلّ من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة ومصر إلى جانب المحافظة على روابط الودّ والتعاون المشترك مع قطر وتركيا وبقية الدول العربية، يرى الثاني أنّ مستقبل الحركة وفلسطين مع إيران والفصائل المسلّحة المرتبطة بها، ولذلك لا بدّ من العمل على ضمان المزيد من تدفق الأموال والأسلحة عبر طهران.
قوبل وجود مشعل، الذي توجّه مؤخرا إلى لبنان إثر تجدّد الخلافات والاشتباكات داخل المخيمات الفلسطينية، بفيتو من حزب الله حيث لم يلتق مشعل بأيّ ممثّل بالحزب اللبناني على خلاف العادة، في حركة دالّة على أن طهران ومن ورائها حزب الله تتعامل مع أشخاص معيّنين داخل حماس.
مشعل أبدى امتعاضه من الأمر ومن ذهاب العلاقة بين حركته وإيران نحو مستويات أخرى تثير المشاكل الدبلوماسية مع دول عربية أخرى من ذلك مصر التي أبدت انزعاجها من ذهاب وفد رسمي لطهران لحماس يرأسه هنية لتقديم التعازي في مقتل قاسم سليماني قائد فيلق القدس أو “شهيد القدس” كمّا لقّبه هنيّة. هذا الأخير كان حاضرا كذلك في الصف الأوّل أثناء موكب تنصيب إبراهيم رئيسي كرئيس للجمهورية الإسلامية في إيران.
خطّ مشعل نلاحظ صداه في تفاعلات أغلب الفلسطينيين الحمساويين على وسائل التواصل الاجتماعي من رسائل سلبية تجاه إيران وحزب الله، ويصل الأمر حتّى إلى التكفير !!!
طالما تمّ الحرص على نفي هذه الخلافات بين رأسي قيادة الحركة الفلسطينية أو في أدنى الأحوال التقليل من حجمها حفاظا على صورة الحركة تجاه أنصارها والمتعاطفين معها ومع القضية الفلسطينية، لكنّ صراع الأجنحة أضحى أمرا واقعا جليّا خاصة مع تشابك الملفات في المنطقة، إذ أصبحت حركة حماس جزءً من لعبة المحاور حتّى وإن حرصت قياداتها على نفي هذا الأمر مؤكدة على انفتاحها على مختلف دول المنطقة حفاظا على نوع من التوازن.
وربّما يكون لهذا الانقسام تداعيات على مستقبل الوضع الفلسطيني فإيران مستمرة في التفاوض حول برنامجها النووي وبالتالي النجاح في رفع العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها ولو بصفة جزئية ومرحلية لكن المقابل سيكون حتما إيقاف الدعم العسكري لحركات مسلحة من ضمنها حركة حماس.
مصر من جهتها تريد أن تستعيد دورها التاريخي الريادي داخل فلسطين من ذلك مسكها بملف الوساطة بين طرفي النزاع في غزة خاصة فيما يتعلّق بالأسرى وبإعلان هدنة طويلة المدى، إضافة إلى ملف إعادة الإعمار الذي نجحت في افتكاكه من يد قطر.
هذا إلى جانب الاستثمارات الكبيرة التي وعدت بها الإمارات العربية المتحدة في قطاع غزة معوّلة على علاقاتها المتميزة مع الجانب الإسرائيلي ومزيد تطوير العلاقات مع أنقرة التي عبرّت بدورها على لسان الرئيس رجب طيب أردوغان عن رغبتها القوية في تحسين العلاقات مع تل أبيب..
تعمّق هذه الخلافات يثير اهتمامات المتابعين وربّما يدفع هذا الأمر نحو موجة جديدة من العنف في الشرق الأوسط كما جاء في تقرير نُشر مؤخرا بمجلّة التايمز الأمريكية.
نشر هذا المقال في مجلّة حروف حرّة، العدد 12، فيفري 2022، ص. ص. 4-5.
للاطلاع على كامل العدد: http://hourouf12.tounesaf.org