شهرزاد الحكيمة
|بقلم: نجوى ملوحي
لم تتعود أن تفتش جيوب زوجها ولكن ها هي تفعل وقلبها يقرع مخافة أن يفاجئها….
دائما ما كانت تترفع عن مثل هذه الأشياء.. وكثيرا ما كانت تسمع من زميلاتها عن صولاتهن في جيوب الأزواج ليلا وكانت تعتبر ذلك من قبيل ضعف الشخصية وانعدام الثقة بين الطرفين. فماذا وقع حتى تغير من آرائها ومبادئها وتجاري زميلاتها فيما يفعلن؟..
جلست على الفراش وقد أغلقت الباب تتصفّح أوراقه بيد مرتجفة… لا تدري عما تبحث بالضبط… عن دليل إدانة؟…
سرحت بأفكارها بعيدا … منذ متى أحست بتغيّر زوجها؟ بابتعاده عنها وعن الأولاد..؟
تساءلت :” ما الذي يغيّر الإنسان ولماذا يتغيّر؟… ترى أين يكمن العيب؟…هل انشغلت بأولادها ومتاعبها فابتعدت هي عنه؟… هل أهملته إلى الحد الذي لم يعد يجد راحته معها وفي منزله؟… ترى هل هناك سببا آخر تجهله؟….”
سرحت بعيدا بأفكارها….
كم حدثوها عن الحب وكم آوت إلى فراشها لمجرد أن ترى فارس الأحلام… كانت تتخيله إنسانا، رجلا ، رقيقا، تضع على كتفه رأسها وتمشي معه العمر كله دون كلل… كانت تبحث عنه في وجوه معلميها وأساتذتها… كانت فتوته فتوة أبي الطيب وعاطفته عاطفة نزار الجياشة… تستطيع إلى اليوم أن تتذكر الملامح التي رسمتها لفارس الأحلام… صدره الرحب العريض تلتجئ إليه في أوقات ضعفها، عيناه الواسعتان تقرأ فيهما حبه وحنانه، يداه القويتان تجد معهما وفيهما الأمن والحماية….
عندما جاء يخطبها فتّشت فيه عن تلك الصفات… صحيح أن زواجها كان زواجا تقليديا ولكنها فتشت عمّا يرضي خيالها وعاطفتها فأحبّت عيني زوجها ويديه وصدره…
لم تعرف الحب كما في الحكايات… ولكنها أحبت زوجها وفتحت له قلبها ليكون أول من يتربع فيه ويسكنه…أحبت زوجها وأخلصت له … اليوم لو سئلت عن فارس الأحلام لتبادرت تلقائيا إلى ذهنها صورة زوجها لا غير…..
لماذا تغير زوجها اليوم….؟
لماذا لا تكون هي التي تغيّرت..؟
أتراها نسيت أنوثتها في خضم الأيام… نسيت أنها زوجة وشريكة قبل أن تكون أمّا..؟
يبدو أنها لم تفهم تلك الرسائل الصامتة التي كانت تقرؤها في عيني زوجها بين الحين والآخر…
استقامت لتتجه إلى المرآة… نظرت إلى صورتها… لا تزال رغم مرور السنين ممشوقة القوام .. صلبة النهدين…
أحسّت بحرارة تدبّ في أوصالها… زوجها كثيرا ما غازلها مداعبا نهديها… كان حياؤها يمنعها أن تظهر له بأنها تشاركه الانتشاء… وكانت سريعا ما تفلت من بين يديه… كانت نظراته تلاحقها وهي تغيّر ملابسها … وهي تستحم…
أتراه لا يزال يحبّها… يحب جسدها؟ أتراها لا تزال تثير رغبته؟ استدارت متأملة صورتها في المرآة… إنها تشبه إحدى الممثلات الأمريكيات أو ربما كانت هي أجمل لأن كل ما فيها طبيعي…
عادت إلى مكانها على الفراش… كثيرا ما لمحت الرغبة في عيني زوجها ولكنها كثيرا ما تجاهلت ذلك البريق.. لكم تفتقده اليوم…
هل فقدت رغبتها الجنسية ؟ هل انتهت حياتها الحميمة مع زوجها؟
ألهذا تغيّر زوجها؟.. أتراه ذنبها إذا؟…ألا يكفي الحب وحده؟ ألا يكفيه أن توفر له الراحة والاستقرار؟…
صحيح أنه زوجها ولكنّه أيضا رجل يبحث عن الأنثى …وهي نسيت أنوثتها ..فلماذا تلومه إذا؟..
نظرت إلى أوراقه بين يديها دون أن تراها… هاتفه الجوال مفتوح على رسالة إحداهن إليه.. رسالة كلها غنج ودلال…
قرأت كل الرسائل…تستطيع أن تقول له كلمات أكثر رقة وأكثر إثارة… تستطيع أن تبعث في مخيلته صورا وصورا… لماذا لا تفعل ؟ لماذا لا تبادر إذا كان هذا كل ما يريده؟… إنه زوجها هي، وتستطيع أن تقول وأن تفعل معه ما تشاء وما يشاء دون أن يلومها أحد… لن تتركه لغيرها حتى لمجرد معاكسة… سوف تملك أحاسيسه وكيانه كما ملكت عقله… لن تترك مكانها لأيّ كانت… إنها تحبه وستدافع عن هذا الحب بكل ما أوتيت من أسلحة… وأسلحتها هي كثيرة ومباحة….
ستلبس له كل يوم وجها… ستكون الأنثى الضعيفة المستكينة طورا لترضي فيه غرور الذكر.. والمرأة المتغطرسة القوية طورا آخر كما يحب ويشتهي… هل تستطيع امرأة أن تغتصب زوجها؟.. هي ستفعل ذلك… وسينسى معها كل النساء وسيرضى وستنتصر… ستنتصر على روتين حياتها، على الملل الذي اعتراها… ستنتصر على خجلها المرضي وستنتصر على ما عداها من النساء… ستكون الزوجة و الخليلة والصديقة والحبيبة … ستبعث الحياة من جديد في حياتها الرتيبة… إنها تمتلكه الآن ما في ذلك شك، ولكنّها ستستعمره… تستعمر كل شريان في جسمه …كل ذرّة في كيانه…
لن تقول له شيئا إذن… ولكنها ستكون كالحرباء تغير ألوانها حسب مزاجه وهواه… لن تترك له الوقت لمجرد التفكير في أنثى أخرى.. ستكون امرأة متجددة ذات ألف وجه ووجه….
أغلقت هاتفه وأعادت أوراقه إلى مكانها… نظرت إلى المرآة فرأت امرأة أخرى…امرأة جديدة في عينيها بريق إصرار عنيد..