امرأة بلا حبّ
|بقلم: عائشة القلالي
لا تدري إن كان يوما سعيدا أم حزينا الذي التقته فيه. لم تكُن قد تعافتْ بعد من وجع ناظم، حبيبها.
الألم كان أكبر من أن تتحمّله. وقلبُها ما عاد يتّسع لوجع جديد.
لاَحَظ اضطرابها، وقرأ الحزن الذي سرعان ما بان على وجهها. بقيَ يُحدّق بها، وهي مستلقية على الأريكة وتنظر إلى السقف في شرود عميق. لم ينتظر كثيرا ليسألها عن سبب بكائها وهالة الحزن التي كادت تُخفي تفاصيل وجهها. دون أن تلتفت إليه، تناولت سيجارة من حقيبتها وراحت تحكي له ما رأت بنبرة حزينة.
مثل طفلة كانت، بوجع امرأة بَكَتْ، وبحرقة أنثى تحدّثت.
أي امرأة هذه التي تجمع كل هذه الصفات مرة واحدة !
رقيقة رغم جرحها… مثيرة رغم وجهها الباكي… أبيّة رغم حزنها… تتحدّث قليلا ثم تصمتُ لترسُم ابتسامة خجولة ثم تغرق في صمتها من جديد.
كان كلّما تحدّثت يستمع إليها بتركيز كبير دون أن يصرف نظره عنها، وإذا صمتت يُراقب كل حركاتها الأنيقة، ويَغرق في عينيها العائمتين في السقف وقد أثقلهما الحزن.
بَقِيَا كذلك إلى أن رمى المساء بضلاله عليهما واختبأت الشمسُ خلف البحيرة المقابلة. فأوصلها إلى بيتها وتواعدا على لقاء قريب.
تعدّدت لقاءاتهما بعد ذلك، فظنّت أن القدر أرسله لينسيها ما كان قبله، اعتقدت أن الحب قد ابتسم لها أخيرا.. لم تكن تعلم أن خيبة جديدة تنتظرها، وأن القدر يُحبّ دائما أن يواجهها بمفردها..
من فرط نشوتها نَسِيَتْ أن تبحث في معنى علاقتها به، فاتها أن تسأل نفسها ماذا تُريد وماذا يُريد.
كانت فقط تحتاج ليد تمتدّ إليها وتنتشلها من الدوّامة التي رماها فيها ناظم… كانت تبحث عن حضن دافئ تختبئ فيه من قسوة قدرها ومن برد الذكريات، عن رجل يُشعل لهيب أنوثتها ويُعيد ترميم قلبها الذي انكسر قبل الأوان..
لم تكن قوية بما يكفي لتتحمّل وجعها ولم يكن لديها من القدرة ما يكفي لتُلَمْلم نفسها بمفردها.. لذلك لم تبحث كثيرا عمّا يربطها بهذا الرجل الذي ظهر فجأة، وبقي أكثر ممّا ينبغي.. ولكنها كانت تنتظر أمرا ما، صوت ما بداخلها يقول إن خيبة جديدة بانتظارها عند منتصف الطريق.
كانت تعلم أن طرقاتها أقصر من أحلامها. أن لا مكان لأحلامها في هذا العالم السخيف.
ذلك المساء، كانت المرة الأولى التي يدعوها للعشاء في شقته. لبست فستانها الأسود ورشّت عطرها، ولم تنس أحمر الشفاه. أرسل إليها العنوان في رسالة على هاتفها. صعدت المدرج بخطوات متردّدة، ولمّا وصلت دقّت الجرس بارتباك.
ما إن فتح لها الباب حتى وقعت عينها على صورة معلّقة على الحائط، كبيرة كِبر وَجَعها، حتى أنها لم تسمح لها برؤية شيء آخر، حتى هو الواقف عند الباب.
دون أن تنظر إليه، تراجعت خطوة إلى الوراء، وعينها مازالت مثبّتة على الصورة. غرقت في صمت عميق، أنين حاد يصفّر في أذنها كصوت ريح الخريف التي عصفت بقلبها لتهدم ما بنته من جديد.
دون أن تنطق بحرف، دون أن تنظر إليه، نزلت المدرج وغادرت. وصورة زفافه المعلقة عرض الحائط لم تغادر ذهنها بعد.
أدركت حينها أنه كان عليها أن تتخلّص من غبائها العاطفيّ قبل أن تستسلم لريح الخريف العاصفة. أدركت أخيرا، أنها امرأة بلا حب. بلا حضن صغير يسع قلبها الدافئ. بلا أمل يحمل يرتق جرحها الغائر دون أن يترك نزيفا جديدا.