لا يجيدون التقبيل
|بقلم: نيران الطرابلسي
حين طلبت عمّتي من أمي يدي للزواج من ابنها.. لم أرفض.. أمّي لم تضغط عليّ لأوافق.. فقط أخبرتني أنّني لن أكون سعيدة معه.. وأنه أقصر منّي طولا، و أقلّ منّي معرفة.. كنت في المطبخ حين دخل عليّ نصف عارٍ، وضع يديه على خصري وهمس “ما أجملك”.. لا أعرف كيف مسكته من عنقه وقبلته.. لا أستطيع الموافقة على رجل لا يجيد التقبيل هكذا كنت أفكر.. ومنذ تلك الحادثة غيّرت اختياري.. فعلت كل شيء لكي لا أتزوجه.. أذكر أنّي حاولت إغراقه حين حاول تقبيلي في البحر.. عضضت إبهامه حين وضعها على فمي وأنا أخبره أنّي لا أريد الزواج، لأنّي مازلت طفلة تتبوّل في فراشها.. الجميع انزعج حين أعلنا انفصالنا، وحدها أمّي كانت سعيدة.. أذكر ذلك اليوم جيّدا كان عيد ميلادي التاسع عشر، اشتريت علبة سجائر لأول مرة في حياتي وقرّرت التدخين.. جلست في المقهى بعد ساعات العمل والدراسة الطويلة أقرأ رواية للمنفلوطي.. كانت تلك عادتي.. أدرس في الصباح.. أعمل في المساء، ثم أقصد مقهى “مونتيكارلو” في المنزه الثامن.. وما كنت لأتخلى عن عادتي حتى في يوم ميلادي.. لكن ذلك اليوم حدث شيء ما .. جلس بجانبي رجل بأنف صغير جدا، أكاد أجزم أنه بلا أنف، بعد أن وضع كتاب فوق الطاولة
– “أراك هنا منذ مدّة تقرئين، أردت أن أعطيك هذا الكتاب، لا أملك سواه في بيتي”..
لم أرفع عيني عن أنفه، ولم أنظر للكتاب حتى، حين همّ بالوقوف سألته:
– “ابق قليلا إن كنت تجيد التقبيل. اليوم عيد ميلادي”.
منذ ذلك اليوم صرنا حبيبين، كان يجيد كلّ شيء، التقبيل، الرقص، الغناء، الطبخ، والحب، لم أعرف في حياتي رجلا يجيد الحب مثله، رغم أنّي كنت أتضايق أحيانا من الغيرة الزائدة، إلا أني كنت سعيدة جدّا معه، صنعت له الكثير من الهدايا بيديّ، وكان لا يخجل أبدا من ربط حذائي في الشارع ومن حملي فوق كتفه والصراخ بأعلى ما يمكن “أحبك”.. حين طلب يدي للزواج وافقت دون تردد، كنت مستعدّة لتجاوز أمّي والهرب معه بعيدا، إلا أنّي لم أكن مستعدة أبدا لأتحدث معه حول كتاباتي، أكثر ما كان يزعجني رفضه كتاباتي، انفصلنا بعد سنتين للسبب نفسه، مازلت أنا أكتب بعد أن نسيت كيف أحب، أما هو فمازال يحب، ويقرأ كا أكتب دائما، نتبادل الرسائل أحيانا، وكثيرا ما نرسل نقاط متقطعة على شكل رسائل، لا نلتقي أبدا ولا أظنّ بأنّ الصدفة ستجمعنا يوما ما، من بعده كبرت كثيرا، تعرفت على عدد ليس قليلا من الرجال الذين لا يجيدون التقبيل، هم في الحقيقة لا يجيدون شيئا.. حين قرّرت أن أفقد عذريتي، لم أفكر بالرجل المناسب، ولا باليوم المناسب، حين طلب منّي صديق أن نذهب لبيته وافقت على مضض، وضعت زجاجة البيرة على الطاولة، وقلت:
– “هيّا ليس لدينا وقت” في الحقيقة، لم يكن يعرف أنّي عذراء، وما كان ليصدق ذلك لو أخبرته، لأنّ لا شيء يدلّ على أنّي إمرأة تؤمن أنّ شرفها وشرف أبيها وأخيها وجدّ عمها الأول غشاء، لا شيء يدلّ على أنّي أنتمي للنساء اللّواتي يعتقدن أن أجسادهنّ للشراء، لم أكنّ أستطيع أن أفكر بشيء، ولا إخباره بشيء، كان شغفي كبيرا، ورغبتي أكبر باكتشاف هذا الأفيون “الجنس”. تقودني رغبتي في الاكتشاف للانتحار أحيانا، أقف على أطراف أصابعي فوق سطح العمارة وكليّ يصرخ “ما هو الموت؟”. حدث كلّ شيء بسرعة، ولا أكذب حين أقول أنّي لم أشعر بشيء سوى القرف، لا يجيد التقبيل، لا يجيد انتقاء كلماته، له رائحة مقرفة جدا، كان رجلا فاشلا جدا، رغم أنّي أحببت قبل حين أفكاره، وجدتني ألعنه وأصفعه وأشتمه، في الحقيقة كانت صدمتي كبيرة جدا، بعد كلّ الكتب والروايات التي قرأتها عن الجنس، أكتشف في النهاية أنه أقرف شيء يمكنك ممارسته، ذلك اليوم حين عدت إلى منزلي، وبعد أن استلقيت فوق فراشي ونظمت أفكاري، قررت ألا أمارس الجنس مدى الحياة، وأن أكتفي بالتقبيل، وأن أعوض ممارسة الجنس، بأكل البيتزا.. لكنّ اليوم وبعد كلّ هذه الأيّام عدّلت خياري، صرت أتناول البيتزا مرّة كلّ شهر، وأمارس الحب كلّ يوم..!
نص سخيف