تكنولوجيا النانو تغيّر حياتنا
|بقلم: سارة لافي
نقف اليوم على أعتاب ثورة علمية هائلة لا تقل عن الثورة الصناعية التي نقلتنا من عصر إلى عصر، تكنولوجيا النانو أو التكنولوجيا متناهية الصغر؛ وهي تقوم على استخدام الجزيئات في مختلف الصناعات بمواصفات جديدة وبتكلفة أقل. وأول من قام بالتفكير في موضوع النانو، هو عالم الرياضيات الأميركي فون نييمان الذي حصل على جائزة نوبل فى عام 1959.
كما تم إدخال مصطلح التكنولوجيا النانوية لأول مرة عام 1974، وذلك من قِبل الباحث الياباني نوريو تانيغوشي عندما حاول بهذا المصطلح التعبير عن وسائل وطرق تصنيع وعمليات تشغيل عناصر ميكانيكية وكهربائية بدقة ميكروية عالية.
ولكن الموضوع ظل خامداً إلى عام 1986 حينما ألف عالم الرياضيات الأميركي اريك دريكسلر كتاباً اسمه “محركات التكوين” Engines of Creation الذي اعتُبر البداية الحقيقية لعلم النانو تكنولوجيا، لذلك يعتبر عالم الرياضيات الأميركي اريك دريكسلر هو المؤسس الفعلي لهذا العلم.
وفي عام 1991، اكتشف الباحث الياباني سوميو ليجيما الأنابيب النانوية المؤلّفة فقط من شبكة من الذرات الكربونية.
دخلت هذه الصناعة حيز التطبيق في مجموعة من السلع باستعمال نانو جزيئات الأكسيد، خاصة في مواد التجميل والمراهم المضادة للأشعة، فهذه النانو جزيئات تحجب الأشعة فوق البنفسجية كلها ويبقى المرهم في الوقت نفسه شفافاً ويستعمل في بعض الألبسة المضادة للتبقع، أي إنه في الأيام المقبلة سيتسنى لنا اقتناء ملابس لن نضطر إلى غسلها أبداً؛ لأنها غير قابلة للاتساخ.
كما أعلن العلماء أنه عبر تكنولوجيا النانو يمكن علاج مرض السرطان عن طريق جزيئات الذهب، وسقف الاختراعات الخارقة للعادة لن يتوقف عند هذا الحد، لذا فإن الحديث عنها يطول .
ومن ناحية أخرى، أبدى العديد من العلماء والمختصين مخاوفهم من هذه التكنولوجيا المريبة؛ لأن النانو جزيئات صغيرة جداً إلى الحد الذي يمكّنها من التسلل وراء جهاز مناعة الإنسان، كما يمكنها تخطي حاجز دم الدماغ وهو ما يشكل خطراً على حياة البشرية. دونك، فإن أكبر التي أبداها المختصون تتعلق بالنانو روبوت ذاتي التكاثر، حيث يمكنه التكاثر بلا حدود والسيطرة على الكون.
لكن، ما أثار دهشتي في الواقع هو ليس هذه التكنولوجيا في حد ذاتها أو الوعود بالثورة التي ستحدثها على مستوى التطور الإنساني كله أو حتى مخاطرها. ما أثار دهشتي واستغرابي هو “الإنسان”، هذا الكائن القادر على تغيير واقع البشرية والكون، يقف عاجزاً أمام وضع نهايات للحروب والنزاعات العرقية والإثنية والطائفية. فهل تجمعنا بشريتنا في أشياء وتفرقنا في أخرى؟!
قدرة الإنسان اليوم تعجز عن إيقاف حمام الدم في بؤر التوتر في العالم الذي يسيّره ويطوّعه كيفما شاء باختراعاته المذهلة.
هل لأن الذات البشرية مقدسة في أماكن وفي مناسبات ومستباحة في أخرى؟ أعتقد أن حتى تطورنا وتقدمنا لم ينسنا فوارقنا واختلافاتنا وأنانيتنا؛ بل إنه أسهم في تفكيك الروابط بيننا واتساع الهوة بين البلدان والمجتمعات والأفراد.
لذا، إلى جانب تكنولوجيا النانو، البشرية في حاجة ماسة إلى تكنولوجيا أكثر حداثة، تبث قيماً مهددة بالانقراض، في حاجة إلى بث جرعات مركزة من الحب والسلم والتسامح والتعايش… في أرجاء الكون.