الرمال المتحركة و جنون التاريخ .. ما الذي يحدث في المملكة ؟
|بقلم: أنيس عكروتي
اتجهت كل العيون الاخبارية خلال الساعات الاخيرة نحو المملكة العربية العربية السعودية، هذه الساعات تعدّ الأكثر جنونا في التاريخ المعاصر للمملكة. الرمال المتحركة للربع الخالي ابتلعت العديد من منافسي محمد بن سلمان الملك القادم ( فعليا هو الحالي )، في انتظار مفاجآت أخرى. الربع الخالي يعد أكبر امتداد رملي في العالم ويحتل الثلث الجنوبي الشرقي من شبه الجزيرة العربية، ويتجزء بين أربع دول هي السعودية واليمن وعمان والإمارات، ويقع الجزء الأعظم منه داخل الأراضي السعودية. تفوق مساحتها 600 ألف كيلو متر مربع. ارتبطت المخيلة الشعبية لهذه المنطقة بعدة أساطير وقصص غريبة تتحدث عن اختفاء مستكشفي هذا المكان وذهب حتى البعض إلى ربط قصة قوم عاد ( المذكورة في القرآن ) بلغز المدينة الضائعة تحت الرمال. من داخل هذه الارض يترجل محمد بن سلمان بن عبد العزيز ولي العهد الحالي والملك القادم على مهل. بدأت الأضواء تحيط به لما كان وليا لولي العهد السابق ( الامير محمد بن نايف ) حيث قام بعدة زيارات لدول أجنبية أهمها الولايات المتحدة الامريكية. ثم وفي خطوة منتظرة، تم اعفاء ولي العهد السابق من مهامه واسنادها للامير الشاب بل وتمتيعه بعدة صلاحيات ملكية جعلته يخلف والده قبل تنحيه الرسمي. الامير محمد بن سلمان عرف بمواقف غريبة عن البيئة الحاكمة السعودية أبرزها الخطوة التي اتخذها لتحجيم دور هيئة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر وداعيا إلى تبني المملكة لخطاب ديني معتدل، معلنا بذلك القطيعة بين سلطة العائلة الحاكمة المؤسسة والعقيدة الوهابية. الليلة الفاصلة بين السبت والاحد الماضين وكما وصفتها وكالة رويترز بليلة السكاكين الطويلة، شهدت اعتقال رؤوس سياسية واعلامية وامنية ذات نفوذ واسع. العنوان الرسمي كان مكافحة الفساد واحداث اصلاحات جوهرية تهم السياسة الداخلية للمملكة وحتى الخارجية خاصة في علاقة بالصراع المحتدم مع ايران في أكثر من منطقة. ولكن اذا تمعنا جيدا في طبيعة الموقوفين وتموقعاتهم ونفوذهم نستشف أن هناك رغبة جامحة من ابن سلمان للسيطرة على كل هياكل السلطة وابعاد كل منافس محتمل ووضع يديه بقوة على امبراطوريات الدعاية الاعلامية. متعب بن عبد الله بن عبد العزيز آل سعود القائد السابق للحرس الوطني والذي كان سيخلف والده على العرش، هذا الذي كان سيكون الملك السعودي يقبع الان خلف القضبان. التعجيل بايقافه كان لغاية السيطرة على الحرس الوطني الذي يدين اعضاؤه بالولاء للملك الراحل عبد الله وابناءه من بعده. الوليد بن طلال بن عبد العزيز آل سعود لم تشفع له اكثر من الف ركعة صلاها في ليلة واحدة ( كما نشرتها وقتها صحيفة دعائية ). من مفارقات التاريخ أن الأمير الوليد بن طلال بن عبد العزيز ( وهو من بين أشهر الموقوفين ) تم سابقا ايقاف والده طلال بن عبد العزيز ونفيه بسبب مطالبته بملكية دستورية واصلاحات هيكلية، وتم إسقاط الجنسية عنه ومن ثم عاد إلى المملكة بوساطة مصرية. ” محنة ” الأب تعيد نفسها مع الابن مع الفرق في الأسباب والمواقف. هنا نجد أن محمد بن سلمان يسعى للتخلص من كل جيوب العائلة الطامحة في تولي العرش والراغبة في الانتقام خصوصا بعد الانقلاب الملكي المباغت ليلة اعفاء الامير محمد بن نايف. الامير الثلاثيني فهم جيدا التوجهات الامريكية الجديدة في مراهنتها على وجه جديد يتميز بآراء يعتبرها البعض ليبرالية خصوصا في علاقته بهيئة كبار العلماء ومختلف الهياكل الدينية التي كانت لوقت قريب تتمتع بصلاحيات واسعة. ومع تسارع الاحداث داخل المملكة برزت استقالة رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري من الرياض بالذات كأبرز مادة اعلامية تناولت بالتحليل، الحريري بدا منفعلا ووجه خطابا شديد اللهجة لايران ومن وراءها حزب الله اللبناني. وبالرجوع الى ما يحصل في المنطقة من تغيرات جيوسياسية نجد ان ايران حققت عدة انتصارات عسكرية وسياسية مقابل انتكاسات عرفتها المملكة العربية السعودية خصوصا في اليمن حيث وصلت الصواريخ البالستية مؤخرا حتى الرياض، رغم سنوات من العمل العسكري الضخم والتمويلات الكبيرة التي انفقتها المملكة على عاصفة الحزم.الا انها لم تحقق اي هدف فعلي من اهداف الحملة. في سوريا كذلك تغيرت موازين القوى لصالح المحور المقابل. عراقيا كذلك تعزز الوجود الايراني بقوة وخصوصا مع النصر العسكري الكبير الذي تحقق في الموصل ومدن أخرى بدعم رئيسي من الجنرالات الايرانية والحرس الثوري. في ظل هذا التجاذب، يبرز محمد بن سلمان برغبة كبيرة في تدخل عسكري موسع تحت اطار ” تحالف عربي ” لردع قطر وارجاعها إلى حجمها الطبيعي كما صرح مسؤولون سعوديون سامون وربما القيام بعمل مباغت ضد حزب الله اللبناني تحت اطار محاربة الارهاب والتضامن العربي ضد التدخل الايراني في الشؤن الداخلية لدول مجلس التعاون الخليجي ( السعودية والامارات اساسا ). اللافت للنظر في هذا هو الاستراتيجية الجديدة للامير السعودي في استمالة بعض الشخصيات الشيعية العربية واستقبالها بحفاوة داخل المملكة، وهذا الامر يعتبر سابقة تاريخية في الصراع السعودي الايراني الذي كان يقاد بخطاب اعلامي عدائي ضد الشيعة وبالتالي صبغ الصراع بطابع ديني مذهبي، يمثل فيه شيوخ الدين رأس الحربة. اليوم ومن الواضح ان محمد بن سلمان يريد أن ينأى بالمملكة العربية السعودية عن طبيعة هذا الصراع ويبرز كقائد سياسي براغماتي يتعامل مع الدول حسب المصالح ومدى احترامها للشؤون الداخلية. وبذلك هو يحدث شرخا ( وهو قائم بطبعه ) بين عدد من رجال الدين الشيعة العرب ونظرائهم من الفرس ( عبر اللعب على اوتار الانتماء القومي العربي ).
ختاما نبقى في انتظار الساعات والايام القادمة لعلها تحمل معها مفاجآت وانعطافات اخرى.