“حرام عليكم”
|[et_pb_section admin_label=”section” fullwidth=”off” specialty=”on”][et_pb_column type=”3_4″ specialty_columns=”3″][et_pb_row_inner admin_label=”row_inner”][et_pb_column_inner type=”4_4″ saved_specialty_column_type=”3_4″][et_pb_text admin_label=”النص”]
بقلم: حمدان فاضل
” حرام عليكم… علاش تعملو في العباد هكّة… ”
تناهت هذه العبارات إلى مسامعي وأنا بمكتب البريد أستعد لقضاء شأن لي هناك. كانت العبارات لسيدة عليها وشم الأمومة وبدت على محياها مظاهر التعب والإعياء من تفاصيل الحياة… كانت كالإرهاق نفسه … قالت عباراتها والناس من حولها أموات لا أحياء…
اقترب منها أحد الموظفين محاولا تهدئتها وإفهامها النظام الجديد… لكن المرأة لم تكن لتعي نظام التذاكر والأرقام بمركز البريد… لم أفهم سرّ تذمر المرأة وشكواها في بادئ الأمر … فقد منعني شيء ما من محاولة الفهم والتعاطف مع صرخات مكلومة ألقتها حنجرتها … سيدة اقتربت من الستين أو جاوزتها بقليل …
واصلت المرأة شكواها…
” حرام… عندي ساعتين نستنى… وبناتي يكملوا الخمسة قرايتهم … والدنيا برد … ارحمونا …راني مرا وراجل فرد وقت … ”
كنت كالتائه بين كلماتها… شعرت بمرارة وأنا لا أقدر على الانتصار لها… اختصرت كلماتها شدة العذاب التي تقاسيه وعمق الوجع الذي تحس به…
أدركت من حديثها مع الموظف أنها أرملة في كفالتها ثلاث بنات يدرسن… وهي الآن تصارع الوقت لتنتظر أصغرهنّ أمام باب المدرسة… وما من ذنب ارتكبته السيدة وهي تصوغ شكواها سوى أنها لم تكن متعلّمة فلم تتفطن إلى أن الرقم الذي اقتطعته لا يصلح لشيء بعد انقضاء أجله… فقد جاء دورها وفات… وأدركت متأخرا أنّ عصر السرعة و أميّتها حرما المرأة قضاء شأنها… كان هاجس الأمومة لديها أقوى من أن تشكو أميّتها…
امرأة أميّة حريصة على تعليم بناتها… وأظنها كانت تنتظر جراية الأرامل… أوجاع متعددة لسيدة واحدة… في تلك اللحظة كفرت بنعمة التعليم التي أُكرمت بها… فهي لا تصلح لشيء… وتذكرت أمي وحرمانها من المدرسة… وتذكرت حرصها على تعليمنا…
اقتربت من السيدة فتاة في مقتبل العمر… أظنها الوحيدة في ذاك المكتب التي بلغتها صرخة المرأة… ووهبتها الرقم الذي تمتلكه قائلة :
” أمّي … خوذ الرقم متاعي… هذا أقرب… أنا تو نستنى ”
عادت الفتاة إلى مكانها في هدوء… وبقيت السيدة تغالب حيرتها …كانت عيناها تقولان كلاما كثيرا وتحبسان الدمع… أما أنا فأصابني الخجل من مبادرة الفتاة… وأحسست أنّ رجولتنا في هذا الوطن مستعارة… فاقتربت من المرأة في صمت… قدمت إليها الرقم الذي اقتطعته… لم أنطق بحرف… كان كل همي أن تقضي المرأة شأنها بعد أن فضحنا حياء تلك الفتاة وطيبتها… أجبرتني السيدة على الكلام…
” رقمي قريب… درج وتو تقضي قضيتك أميمتي… هاني باش نستناك وندلّ ك عالشبّاك “…
تبادلت الحديث مع سيّدة أخرى… واضطلعنا بدور المؤنس لتلك السيدة الغارقة في حزنها…
قدمت الرقم الجديد أيضا لسيدة أخرى… محاولا أن أكفر عن ذنب لا أعرف مأتاه… انتابتني في ذلك المساء مشاعر مضطربة اجتمعت كلها في غصّة حادة لم تفارقني…
و بعد مدة من الزمن، جاء دوري أيضا بعد أن انصرفت تلك السيدة… قضيت شأني وخرجت من مكتب البريد لاعنا وشاتما بأقذع العبارات أكذوبة ” الدولة الوطنية الحديثة ” …
[/et_pb_text][/et_pb_column_inner][/et_pb_row_inner][/et_pb_column][et_pb_column type=”1_4″][et_pb_sidebar admin_label=”Sidebar” orientation=”right” background_layout=”light” area=”sidebar-1″ remove_border=”off”] [/et_pb_sidebar][/et_pb_column][/et_pb_section]