بدون عنوان
|بقلم: جهاد محمد
اجتازت العتبة برجل مرتعشة وخلّفت وراءها عالما صاخبا امتزجت فيه ٱخر نقرات الدفوف بزغاريد أطلقتها حناجر العجائز المرابطات وراء باب الغرفة… تركت وراءها أيضا ٱخر المدعوين الثرثارين الفضوليين الذين لن يفوتوا فرصة التغامز… حضور الحفل النهائي … حفل الشرف… أغلق سبعها باب الغرفة… وإلى مخدع الحب دخلا والروائح الزكية أنهكت الغرفة والألوان الخضراء والحمراء زينت جدران الغرفة كما زيّنت العروس والعروسة وأشبعتهم من روائحها الزكية… وخلف الباب ينتظر المنتظرون لرفع الراية …وأي راية …راية الشرف الرفيع والعفاف المنيع… في انتظار صك البراءة… في انتظار الختم الشريف للدم الطاهر العفيف… ليختم به شهادة حسن السيرة والسلوك في حق ابنتهم كدلالة على عفتها وطهارتها وحسن تربيتها ! وأما المسكينة فعليها اجتياز الامتحان التي هي على يقين أنها ليست بحاجة إليه… ولكن من باب حكم القوي على الضعيف ومن باب سد الألسن والأفواه التي تتحين الفرص للقيل والقال الذي لا ينتهي أبد الآبدين … فمن كثرة التهويل حول ما هو مطلوب منها في هذه الليلة، بدأ الشك يساورها !ماذا لو لم يسل الدم الشريف ويجري كما يجري النهر الفائض ويغرق الخرقة وما تحت الخرقة بسبعة خرقات من تخوم التخت إلى أن يخرق الأرض ويعلو إلى سماء الغرفة كأنه نافورة ويشاهدوه بأم أعينهم وهو يجري كنبع متفجر من صم الصخور! ماذا ستفعل بعفتها ! ماذا ستقول لأمها وإخوتها الكبار والصغار! أبوها ينتظر ويترقب وإخوتها القابضون على السكاكين بأيدهم كالقابض على الجمر وهي متعددة الاستخدام من نحر الخراف إلى نحرها لو لم يتم الذي في بالهم ! ضغوط وأفكار ارتسمت على وجهها وشبح الخوف قلب حمرة ماكياجها إلى أصفر يتبعه أرق ونصب وتعب من شدة هول المطلوب ! وقعت بين نارين: نار الحياء ونار الخوف… فنار الحياء من زوجها ونار الخوف من الذي ينتظرها بالخارج ! إنْ طلبت منه فماذا سوف يقول عنها ! عديمة حياء وهي تعلم أنه ذو خبرة ! رجحت الخوف من الآتي على الحياء… وجمعت شتات صبرها وخلعت ثوب حيائها وبادرته بابتسامات يعلم مغزاها ويجيد ترجمتها جيدا ! سارعت له والحياء يغشّيها. لاحظ خوفها وحيائها. هدّأ من روعها ولكن !هيهات أن يهدأ الروع وينجلي الخوف ما لم تجتاز العقبة الكؤود! بكل ثقة التي كانت مالئة نفسه…زأر كالليث الهمام عازما بدء الغزوة الكبرى ليعيد أمجاده ويقدم على فتح الفتوح واقتلاع الحصون المنيعة ! الخوف غشيها والحياء ركبها… فمانعته وهي التي رغبّته! حاول الكرة تلو الكرة والخوف والهلع سيدا الموقف! فهما بين ناريين! حتى انكسرت عزيمة فارسنا الأشم ولاذ بالفرار عن اقتحام الحصن وكأنه مصاب بعلة سبقته لعمره! ذهلت لهول الحدث ففحل الفحول عجز عن تأدية المطلوب وإنجاز الموعود … طلبته كرة أخرى وأخرى ولكن …مضت ليلته على هذه الحال …وخابت ظنون المنتظرون فالغارة باءت بالفشل والليث صار نعجة فترت همته وخارت قواه ولم يعد بالراية والنصر المكلل بالعفة لابنتهم … وأذّن الديك وأسفر الصبح عن محياه بلا نتيجة ! رنّ الجوال يطمئن على الحال ولكن بلا جواب يشفي الغليل ويرفع الرأس إلى عنان السماء فحقّه أن يظلّ منكسا مطأطأ في تخوم الأرض حتى يأتي الفرج أو يأتي المدد أو يدخلون في المعرة الكبرى وعليهم تطهير أدرانهم ورجسهم الشيطاني الذي لاحقهم ! مضى على حاله وفشله أياما وهي تعاني من الضغوط من أمها ومن ورائها عائلة عليها إثبات المثبت ! استعان بأهل الخبرة …كل يوم فشل نفسي وألم جسدي ! استشار أهل الخبرة وما أكثر الآراء ! إلى قال له شيخ مجرب لا عليك اعرض يومين اثنين أو اتبعه بثلاث … واستجمع بعدها قواك وهم بخيالك في استجلاب فحولتك وتذكر ذكورتك جيدا حال الاقتراب وّعطل قلبك وجمّد رومانسيتك جانبا .. وأوصاه بقراءة شيئا من الذكر الحكيم ليطمئن به الفؤاد ويثبت به القلب! نفّذ الوصية بحذافيرها بدون أي إخلال بها لا في صغيرة ولا في كبيرة … وبعد ثلاثة أيام بلياليها وجد التغير المنشود في نفسيته… وكعادته لما خيّم الظلام وتحت ستر أجنحته وغادر الكل وتفرد بها لم يطيل الكلام ولا التمتمة وأسدل ستائر الغرفة وأخمد أنوارها الحمراء وما تحتها وما فوقها… وشدّ من عزمه في الغزوة الكبرى …فالليلة يكون أو لا يكون …لم يرحم ولم يعطف وكان أسدا وفحلا واقتلع الحصون وكسر السدود … حتى جرى الدم إلى ما ابعد مما هو مطلوب …و استخرج شهادتين بفتحة …شهادة بفحولته وأخرى بعفتها وبراءة ذمتها …وما إن سال الدم ومع كل ألمها وأنينها رفعت سماعة الهاتف لتبشرهم بما طال انتظاره! وجاءت الأم وباقي بناتها لاستلام شهادة حسن السيرة والسلوك من وراء الباب ! وعلت الزغاريد من الأم …وتبسم الأب من بعد طول تهجم … ووزعت الأخت الكبرى الحلوى …و أذن للإخوة بذبح الخراف وأسيلت دمائها كما أسيل دم البنت ! ولا أعلم هل أخذت الخرقة الملطخة بدم الشرف وقطعت أوصالا و لفت بها الحلوى حين وزعت! حلوى الطهر والعفاف بعيدا عن أي ثمن وأي معاناة …أو هل قطعت تلك الخرقة إلى أجزاء وعلقت على أسطح منازل العائلة دلالة على علو شرفها وحسن سيرة وسلوك ابنتها ! أو هل حملت تلك الخرقة وطِيف بها على أهل الزقاق ليتبركوا به بطهرها الخالي من كل دنس أو عار ! ولا يهم بعد ذلك استمر العروسين برغد الحياة أو سارعا إلى أروقة المحاكم…