في ماهية “الربّة الأنثى” في الأديان القديمة
|بقلم: أنيس عكروتي
منذ يوم (يوم الثامن من اكتوبر من سنة 2016) حضرت صحبة أعضاء جمعية تونس الفتاة نشاطا حول ظاهرة الدعارة في تونس وتم استهل النقاش بتناول الجانب التاريخي… شدتني مداخلة المؤرخ لتناولها تفاصيل تاريخية كنت أجهلها أو كانت مبهمة بالنسبة لي.
حينها ذهبت بي مخيلتي إلى صورة مريم العذراء حاملة ابنها بين يديها وتمثال ايزيس (إلهة القمر والأمومة لدى قدماء المصريين) وابنها حورس (إله الشمس) وسميراميس والطفل المقدس في بابل وديفيكا المقدسة وكريشنا في الهند الى غير ذلك من الأمثلة المشابهة.
في الديانات القديمة، كانت المرأة تصوّر على أنها أكثر قدسية من الرجل وأن الرجل من خلال الممارسة الجنسية معها فإنه يقوم بالتطهر من ذنوبه وخطاياه… المرأة مقدسّة لأنها من تقوم بالحمل والولادة وبذلك فإنها تساهم بشكل رئيسي في التكاثر البشري.
“المرأة الإلهة” سميت في عدة اديان قديمة بإلهة الخصوبة باعتبارها سببا في اعمار الكون وزرع الحياة فيه، دون حضورها سيكون الوجود منعدما وسيحل الخراب ثم الفناء النهائي لذلك كانت مكانتها أعلى من بقية الآلهة ( خصوصا عند الأديان متعددة الآلهة ) مثل ديميتر (بالإغريقية: Δήμητρα) إلهة الطبيعة والنبات والفلاحة عند الإغريق، وتعتبر من الآلهة الكبار لأنها أخت بوسيدون وزيوس وهاديس، وتأتي في المرتبة الرابعة عند الإغريق، ويقال إن عبادتها يزيد من منتوجات المحاصيل وأنها إذا غضبت تفقد الأرض خصوبتها ولهذا كانوا يحرصون على إرضائها. كذلك عشتروت (إستارتي) وهي إلهة الخصب لدي الفينيقيين والكنعانيين، وهي أصل عقيدة إيزيس لدي قدماء المصريين. ويطلق عليها البابليون أشتار، وهي تانيت لدي القرطاجيين وأفروديت وهيرا وسيبل لدي الإغريق.
ومن الأمثلة الاكثر معاصرة نذكر “فرايا” ربة الجنس عند شعوب شمال أوروبا والتي أطلقوا اسمها على اليوم السادس من الأسبوع عندهم “الجمعة أو فريداي” والتي تمجّد طاقة الجنس ووجهها الاخر هو فريجا وهي الأم المخصبة.
المثال الاول الذي استهللت به هذا المقال هو صورة مريم العذراء والمسيح عليه السلام بالمقارنة مع صورة ايزيس وحورس لدى قدماء المصريين، نفهم من خلاله صورة المرأة المقدسة التي منحها الرب المقدس قدسية عليا تجعل منها فاعلا رئيسيا في وجود حدث عظيم سيغير المسار التاريخي للشعوب المعاصة لتلك الفترة.
صورة المرأة أو الربة المقدسة لم ترتبط فقط بالجوانب “الرقيقة” مثل الحب والجمال والخصوبة، بل انخرطت بفعالية في جانب الحرب والقتال والتدمير وظهرت مثلا عند قدماء الهنود في شكل عشرة أذرع وتركب الأسد أو النمر وتحمل أسلحة ( الإلهة دورجا وهي تعتبر الإلهة العليا وقتها)، إلى جانب أمثلة اخرى من اديان وحضارات اخرى ربما سنتطرق لها في مقالات قادمة.
بالعودة إلى المداخلة التاريخية التي استمعت إليها شدت انتباهي مسألة اخرى تتعلق بتقديس الممارسة الجنسية وممارستها بشكل يومي وحتى جماعي بالمعابد الوثنية القديمة في ذلك نوع من “عبادة الانثى” والنظر إليها كمحرك من محركات الحياة على هذا الكون.
بالتالي فالجنس هنا شيء مقدّس مرتبط بالوجود وربما نجد هنا تضارب بين هذه الامثلة ومسألة الرهبانية ( البوذية وغيرها ).
عموما فالبحث في هذا الموضوع واسع المجال ولا تمكن الإحاطة به في بعض الاسطر… لذلك فمن المهم أن نتطرق مستقبلا لصورة ” الرجل الإله ” وان كان في تكامل او في تضادد مع صورة ” المرأة الإلهة “.